أخبار - 2016.08.24

منى كريّم الدريدي: رؤية‭ ‬قانونيّة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬الحالي

منى كريّم الدريدي: رؤية‭ ‬قانونيّة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬الحالي

عرف المشهد السياسي التونسي يوم 30 جويلية 2016 منعرجا ذا بعدين رمزيين سياسي وقانوني هامين بمقتضاهما يمكن القول إنّ النظام السياسي التونسي أصبح يسير بخطى ثابتة نحو إرساء مسؤولية سياسية في ممارسة الحكم فضلا عن دعم مبدإ التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية من حيث أنه لا يمكن لأي طرف سياسي مواصلة ممارسة السلطة إذا لم يكن يحظى بثقة الطرف الآخر.

ويتمثل هذا الحــدث السياسي الهام في إسقاط حكومة السيد الحبيب الصيد بعد حوالي سنة ونصف السنة من ممارسة السلطة التنفيذية طبقا لأحكام الفصل 98 من دستور 27 جانفي 2014 الذي بمقتضاه طرح رئيس الحكومة على مجلس نواب الشعب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها. وتم التصويت على سحب الثقة بأغلبية 118 صوتا وبذلك اعتبرت حكومة السيد الحبيب الصيد مستقيلة. ويجدر التذكير في هذا الإطار  بأنّ سحب الثقة يتم من الحكومة بأكملها كهيكل متجانس.

ويعتبر سحب الثقة من الحكومة طبقا لأحكام الفصل 118 من الدستور إحدى الوسائل التي تنظم مسؤولية الحكومة أمام مجلس نواب الشعـب إلى جانـب ما اقتضته أحكام الفقرة الأولى من نفس الفصل من أنّ رئيس الحكومة يمكن أن يقدّم استقالته كتابة إلى رئيس الجمهورية الذي يعلم بها رئيس مجلس نواب الشعب أو ما نص عليه الفصل 99 الذي يتيح الإمكانية لرئيس الجمهورية أن يطلب من مجلس نواب الشعب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها بالأغلبية المطلقة لأعضائه وذلك مرتين على الأكثر خلال كامل المدة الرئاسية. أما الفرضية الأخيرة فهي تلك التي ينص عليها الفصل 97 والمتمثلة في لائحة لوم ضد الحكومة بعد تقديم طلب معلّل إلى رئيس مجلس نواب الشعب من ثلث الأعضاء على الأقل. ويشترط لسحب الثقة من الحكومة موافقة الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس وتقديم مرشح بديل لرئيس الحكومة يصادق على ترشيحه في نفــــس جلـــسة التصـويتإلا أنّ اللجوء إلى هذه الإمكانية غير مسموح به في ظل نظام حالة الطوارئ الذي قرر رئيس الجمهورية التمديد فيها لمدة شهرين بداية من 21 جويلية 2016 والتي يمكن اعتبارها مندرجة في إطار الفصل 80 من الدستور الذي ينظم حالة الاستثناء.

وبالتالي هل يمكن اعتبار سحب الثقة من الحكومة بعد ما يقارب السنة ونصف السنة من الحكم دليلا على أنّ النظام السياسي التونسي  يشكو من بعض العاهات التي رافقت نشأته؟ هل أن إسقاط الحكومة ينبئ بعدم استقرار سياسي ستعيشه كل الحكومات المتعاقبة على الحكم ؟ هل من بحث في أسباب هذا الفشل؟

  • يعود السبب الرئيسي إلى نظام الاقتراع النسبي مع أكبر البقايا المعتمد في الانتخابات التشريعية والذي لا يسمح ( وإن كان لا يمنع ذلك ) في ظل المشهد السياسي الحالي من حصـول حزب واحد على الأغلبية المطلقة من المقاعد، وبالتالي من وجود حكومة تحظى بمساندة قارة. ولئن كان لكل نظام انتخابي محاسنه وسيئاته، فإنّ التمثيل النسبي وإن سمح بتمثيلية واسعة لأغلب الأحزاب المتنافسة إلا أنّه لا يضمن استقرارا سياسيا في ظل ديموقراطية ناشئة.
  • السبب الثاني والذي يعتبر نتيجة حتمية للسبب الأول يعود إلى طريقة اختيار رئيس الحكومة. ففي الأنظمة البرلمانية غالبا ما يتم اختيار رئيس الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية أو رئيس الحزب الأهم في الائتلاف الانتخابي الذي يكوّن الأغلبية في البرلمان كرئيس للحكومة يستند بذلك إلى أغلبية تمكنه من ممارسة وظائفه دون ضغط. وهذا ما تم اعتماده في دستور 27 جانفي 2014 حيث نصّ الفصل 89 على تكليف رئيس الجمهورية لمرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي المتحصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب بتكوين حكومة تعرض موجز برنامج عملها لنيل ثقة المجلس بالأغلبية المطلقة لأعضائه. إلا أنّ كلا من النداء والنهضة تخليا عن هذا الخيار ومثّل البحث عن التوافق الركيزة الأســاسية في اختيار رئيس الحكومة فتمّ البحث عن شخصية يمكن أن يحصل حولها إجماع من طرف أحزاب الائتلاف  دون أن يكون ذلك ضامنا لها بدعم قوي ودائم يجعلها قادرة على التعويل على مساندة البرلمان. وبالتالي، وفي غياب أغلبية متجانسة وطالما يشكل البحث عن التوافق المحرك الأساسي لكل الخيارات السياسية سواء في اختيار رئيس الحكـــــومة أو في اختيـــــــار أعضـــائها أو في اختيار برنــامج عملـــــــها أو حتى في تنفيذه فإنّه لا يمكن ضمان نظام سياسي مستقر قادر على تنفيذ برنامجه السياسي طيلة خمس سنوات متتالية وسيكون سقوط الحكومات بمثابة الهاجس الذي يخيّم على الساحة السياسية. وبناء على ذلك بات من الضروري الأخذ بعين الاعتبار المقتضيات التالية:
  • التفكير في استبدال التمثيل النسبي بنظام اقتراع يضمن الاستقرار والســرعة في اتخاذ القرار ولا يجـعل من البحــث عن إرضاء جميع الأطراف السياسية الدافع الوحيد لكل الخيارات.
  • التفكير في مراجعة طبيعة النظام السياسي وخاصة فكرة تقاسم السلطة بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية الذي لا يمكن أن يكون طرفا في السلطة التنفيذية فحسب بل رئيسا للدولة ضامنا بالأساس لعلوية الدستور وحَكما في حالة وجود أزمات سياسية بين السلط وداخلها ويكون الهدف الأساسي من قراراته مصلحة الوطن وضمان الاستقرار السياسي.

منى كريّم الدريدي

أستاذة القانون الدستوري

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.