أخبار - 2016.08.09

أمين محفوظ: المأزق؟

 أمين محفوظ : المأزق ؟

تتواصل المشاكل والأزمات مع تطبيق أحكام الفصل 89 من الدستور، نقطة الضعف الكبرى في النظام السياسي التونسي.

إذ بعد الأزمة التي عاشتها تونس إبان الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية لسنة 2014 والتي نجمت عن الاختلاف في تحديد من يكلف الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية لرئاسة الحكومة وتكوينها؟ هل هو رئيس الجمهورية الذي يمارس صلاحياته على أساس التنظيم المؤقت للسلط العمومية (السيد المنصف المرزوقي آنذاك) أم رئيس الجمهورية المنتخب طبق أحكام دستور 2014 ؟1
وقد تم في نهاية الأمر الحسم في هذه المسألة، بطريقة سياسية، بعد استعمال بعض الأطراف سلطة أدبية أثرت على قبول الرئيس المنصف المرزوقي للخيار الذي تم تبنيه.
وتطرح اليوم ومن جديد مشاكل أخرى تتعلق بتطبيق مقتضيات نفس الفصل 89 ولكن ليس في هذه المرة بعد إجراء الانتخابات وإنماعلى إثر عدم تجديد مجلس نواب الثقة في مواصلة حكومة السيد الحبيب الصيد لنشاطها وتكليف السيد يوسف الشاهد بتكوين حكومة. فما هي طبيعة المشاكل المطروحة؟

ترتبط طبيعة المشاكل المطروحة من خلال تحديد طبيعة الفصل 89 من الدستور (أولا) و العودة إلى حالات تعيين رئيس الحكومة إبان الأزمات السياسية (ثانيا) لننتهي إلى الجزاء الممكن في صورة فشل تكوين الحكومة (ثالثا).

إشكالية طبيعة الفصل 89 من الدستور

لجأ السيد الحبيب الصيد إلى ىتصويت مجلس نواب الشعب على الثقة لمواصلة الحكومة لنشاطها وذلك طبق أحكام الفصل 98 من الدستور. وقد أحال الفصل المذكور، بعد فشل الحكومة في الفوز بثقة المجلس وتكليف رئيس الحكومة البديل إلى الفصل 89 من الدستور.

وتخضع عملية تكوين الحكومة، طبق الفصل 89 من الدستور، إلى جملة من الإجراءات والمراحل: الترشيح، التكليف، نيل الثقة، التسمية، أداء اليمين.
وبالرغم من تفريق نص الدستور بين تكوين الحكومة ونيل الثقة، إلا أنه وبالعودة إلى المبادئ العامة للقانون الدستوري فإن نيل الثقة ليست إلا مرحلة من مراحل تكوين الحكومة.
ولا يمكن أن تكتمل، من الناحية الدستورية وطبق المبادئ العامة للأنظمة السياسية البرلمانية، عملية تكوين الحكومة إلا بعد تسمية رئيس الحكومة وأعضائها.
نلاحظ، بعد قراءة الفصل 89 من الدستور، أنه وباستثناء الفقرة الأولى2 والفقرة الخامسة 3 والفقرة السادسة 4، التي طرحت قواعد عامة في تكوين الحكومة والتي تكون صالحة للاستعمال في كل الظروف سواء كانت عادية أم غير عادية، فإن كل الفقرات المتبقية ليست إلا فقرات مناسبتية. إذ لا تنطبق أحكامها إلا بعد "الإعلان عن النتائج النهائية للإنتخابات".
ويعني ذلك أن بعض المفاهيم أو الآليات وخاصة الآجال لا يمكن تطبيقها إلا بعد اعتماد معيار"الانتخابات". والحال وأن إشكال تعيين رئيس الحكومة البديل في هذه المرّة لم يطفوإلى السطح بعد إجراء انتخابات وإنما برز على إثر أزمة سياسية. فكيف يتم تعيين رئيس الحكومة على إثر الأزمات السياسية؟

إشكالية تعيين رئيس الحكومة على إثر الأزمات السياسية

يمكن أن تكون رئاسة الحكومة أثناء ممارسة صلاحياتها عرضة إلى بعض الأحداث والأزمات ينجم عنها نهاية رئيس حكومة وتعيين رئيس حكومة جديد.
تنتهي مهام رئيس الحكومة طبق نص الدستورعلى إثر توجيه لائحة لوم أو عدم تجديد ثقة البرلمان بعد اللجوء إلى التصويت على الثقة أو الإستقالة أو الشغور النهائي.

لائحة اللوم

كرّس الفصل 97 من الدستور لائحة اللوم البناءة. إذ "يمكن التصويت على لائحة لوم ضد الحكومة، بعد طلب معلل يقدم من ثلث الأعضاء على الأقل. ولا يقع التصويت على لائحة اللوم إلا بعد مضي خمسة عشر يوما على إيداعها لدى رئاسة المجلس.
ويشترط لسحب الثقة من الحكومة موافقة الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس، وتقديم مرشح بديل لرئيس الحكومة يصادق على ترشيحه في نفس التصويت ويتم تكليفه من قبل لرئيس الجمهورية بتكوين حكومة طبق أحكام الفصل 89 (...).
وبذلك لم يبين الفصل 97، وعلى عكس الفصل 89، من يرشح البديل لرئيس الحكومة. وهو ما يعني في هذه الحالة العودة إلى المبادئ الأساسية لطريقة تعيين رئيس الحكومة في النظام البرلماني وهي البحث عن قاعدة الأغلبية المطلقة دون الخوض في الأطراف المرشحة له. وبذلك يمكن أن يكون المرشح البديل مرشح الأطراف المنصوص عليها في الفصل 89 من الدستور. أي مرشح "الحزب أو الائتلاف المتحصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب" أو كذلك مرشح رئيس الجمهورية تحت مسمى "الشخصية الأقدر". ولكن يمكن أن يكون كذلك مرشح الأحزاب التي لم يكن أحد الأحزاب منها متحصلا على أكبر عدد من المقاعد. فالعبرة هنا بالنتيجة أي فوز المرشح البديل بمصادقة الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس نواب الشعب بغض النظر عمّن رشّح رئيس الحكومة.
ومباشرة بعد مصادقة المجلس، يكلف رئيس الجمهورية المرشح البديل لتكوين الحكومة.
وإذا ضبط الفصل 89 آجالا معينة بالنسبة لتعيين رئيس الحكومة بعد إجراء الإنتخابات ترتبط بعدد التكليف5، فإنه لم يضبط آجالا معينة بالنسبة لعملية تكليف المرشح البديل لرئاسة الحكومة ، علما وأن المرشح البديل مطالب، طبق الفصل 89، بعرض حكومته "موجز برنامج عملها على مجلس نواب الشعب لنيل ثقة المجلس بالأغلبية المطلقة لأعضائه." فهل يعني العودة إلى الفصل 89 من الدستور اعتماد الأجل الجملي أي أربعة أشهر أم أكثر من ذلك؟

الشغور النهائي

تضمن الفصل 100 من الدستور "عند الشغور النهائي لمنصب رئيس الحكومة، لأي سبب عدا حالتي الاستقالة وسحب الثقة، يكلف رئيس الجمهورية مرشح الحزب أو الائتلاف الحاكم بتكوين حكومة خلال شهر." وعلى عكس حالة تعيين رئيس الحكومة بعد الانتخابات، فإن الأجل غير قابل للتمديد بشهر مثلما نص على ذلك الفصل 89 من الدستور.

فقد نصّ الفصل   100من الدستور"عند تجاوز الأجل المذكور دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على الثقة، يكلف رئيس الجمهورية الشخصية الأقدر ليتولى تكوين حكومة تتقدم لنيل ثقة مجلس نواب الشعب طبق أحكام الفصل 89". علما وأن شهرا واحدا هو الأجل الأقصى لتكليف الشخصية الأقدر لتكوين حكومته. وبذلك وقع تقليص الأجل الدستوري لتكوين الحكومة إلى شهرين فقط بالنسبة لتكوينها بعد حصول شغور نهائي لمنصب رئيس الحكومة.

الاستقالة

يمكن أن تكون الاستقالة إرادية. فقد تضمنت الفقرة الأولى من الفصل 98 من الدستور " تعد استقالة رئيس الحكومة استقالة للحكومة بكاملها. وتقدم الإستقالة كتابة إلى رئيس الجمهورية الذي يعلم بها رئيس مجلس نواب الشعب".
كما يمكن أن تكون استقالة رئيس الحكومة إجبارية بحكم عدم تجديد مجلس نواب الشعب ثقته في مواصلة الحكومة لنشاطها وذلك بعد التصويت على الثقة سواء بطلب من رئيس الحكومة ، طبق الفصل 98 من الدستور6 ، أوبطلب من رئيس الجمهورية طبق الفصل 99 من الدستور7
وتخضع عملية تعيين رئيس الحكومة في الحالتين إلى نفس الإجراءات.
إذ أن رئيس الجمهورية هو الطرف المرشح. وهو الذي يكلف، طبق الفصل 89 من الدستور "الشخصية الأقدر لتكوين حكومة في أجل أقصاه شهر"  أو، طبق الفصل 99 من الدستور، "ثلاثون يوما".
ولكن قد تنتهي الآجال الدستورية، على اختلافها وتعددها، دون النجاح في تكوين حكومة.

إشكالية العجز عن تكوين الحكومة

ما هو مآل فشل تكوين الحكومة في الآجال الدستورية؟
ليست الإجابة سهلة. وتعود هذه الصعوبات أساسا إلى افتقار الدستور إلى نصّ عام يضع قواعد تعيين الحكومة بصرف النظر عن طبيعة الظرف إن كان عاديا أو غير عادي. يضاف إلى ذلك تضمن الفصل 89 من الدستور لتفاصيل كان بالإمكان الإستغناء عنها.
بل وعلى العكس من ذلك، ارتبط الفصل 89 بظرف إجراء الانتخابات. وجعل بذلك من تفعيل كل الإجراءات مرتبطا بهذه الإنتخابات.
وبذلك يمكن أن نفرّق بين أجل فشل التكليف الأول (شهران) وأجل فشل التكليف الثاني (شهر). وإذا كان البديل واضحا بالنسبة لانتهاء مهلة الشهرين بالنسبة للتكليف الأول، فإن الأمر يبقى غامضا بالنسبة لمآل نهاية الشهر بالنسبة للتكليف الثاني. فهل يعني هذا الفشل إمكانية وجود تكليف ثالث جديد أم لا؟ ومن يتولى في هذه الحالة عملية الترشيح؟
أسئلة تطرح، ولا نجد لها إجابة واضحة في الفصل 89 من الدستور.

لم ترد الإجابة عن جزاء فشل تكوين الحكومة بشكل صريح إلا في الفقرة الرابعة من الفصل 89 من الدستور وفي الفقرة الثانية من الفصل 99 من الدستور.
فقد تضمنت الفقرة الرابعة من الفصل 89" إذا مرّت أربعة أشهر على التكليف الأول، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما".

وبذلك ولئن أجاز الفصل 89 إمكانية حلّ البرلمان إلا أنه لم يقدم البديل في صورة عدم اللجوء إلى حل البرلمان.
يذكر أن تسلسل فقرات الفصل 89 المذكور يؤكد أن المقصود بالتكليف الأول الوارد في الفقرة الرابعة هو ذات التكليف الوارد في الفقرة الثانية من الفصل 89 من الدستور أي ذلك المرتبط بالإنتخابات. وإذا كان فشل تكوين الحكومة لا يطرح مشاكل كبرى بالنسبة لتعيين الحكومة بعد إجراء الإنتخابات ، فإن الأمر يختلف عن ذلك عند فشل تكوين الحكومة سواء عند الشغور النهائي لمنصب رئيس الحكومة أو خاصة على إثر التصويت على لائحة لوم أو استقالة الحكومة، إذ يكتنف الغموض في خصوص مآل فشل تكوين الحكومة على إثر الشغور النهائي لأن الفصل 100 اكتفى بأجل شهر ثم أحال عملية التكوين إلى الفصل 89 من الدستور. وهو ما يعني إضافة شهر آخر.  ولكن ماذا بعد انتهاء مهلة الشهرين؟
ويزداد الإشكال أكثر حدّة عندما يفشل مسار تكوين الحكومة بعد التكليف على إثر التصويت على لائحة لوم أو استقالة الحكومة.
إذا اعتبرنا أن الفقرة 4 من الفصل 89 من الدستور وضعت قواعد عامة وغير ظرفية فهذا يعني أنه لرئيس الجمهورية الحق في القيام بتكليف أول لمدة شهر وبتكليف ثان لمدة شهر ثان وبآخر ثالث لمدة شهر ثالث وبتكليف رابع لمدة شهر رابع وإلى ما لا نهاية له. على أنه لا يوجد أيّ أساس دستوري لهذا التمشي إذ لم ينص عليه صراحة نص الدستور الذي اكتفى بالتنصيص على التكليف الأول والتكليف الثاني، من جهة. كما أن العمل بها التمشي في ظل أزمة سياسية، من جهة أخرى، من شأنه أن يفرض إطالة أمد الأزمة لمدة لا تقل عن أربعة أشهر كاملة قبل أن يمارس رئيس الجمهورية حقه في حلّ البرلمان.

أما إذا اعتبرنا التقسيم الذي اعتمده الفصل 89 بين التكليف الأول و التكليف الثاني مردّه أن التكليف الأول مرتبط بالفقرة الثانية من الفصل 89 أي بعد ترشيح "الحزب أو الإئتلاف المتحصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب" فهذا يعني أن الأجل الوارد في الفقرة الرابعة من الفصل 89، أربعة أشهر، لا ينطبق على حالة تكليف الشخصية الاقدر بعد التكليف على إثر التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها.
يضاف إلى ذلك أنه صحيح وأن الفصل 98 من الدستور لم ينص على أجل يختلف عن الأجل الوارد في الفصل 89 إلا أن البحث عن توحيد النظام الدستوري للتصويت على الثقة سواء ببادرة من رئيس الحكومة أو ببادرة من رئيس الجمهورية، يقتضي العودة إلى الأجل الوارد في الفصل 99 من الدستور.
فقد نصّ الفصل 99 من الدستور"(...) عندئذ يكلف رئيس الجمهورية الشخصية الأقدر بتكوين حكومة في أجل أقصاه ثلاثون يوما طبقا للفقرات الأولى والخامسة والسادسة من الفصل 89. عند تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، لرئيس الجمهورية الحق في حلّ مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في أجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما."
وبذلك فإن مرور ثلاثين يوما دون تكوين الحكومة يسمح لرئيس الجمهورية إمكانية حلّ البرلمان.ويتعلق الأمر هنا بتكليف الشخصية الأقدر بعد استعمال آلية التصويت على الثقة. وبذلك يختلف أجل حل البرلمان بعد الفشل في تكليف الشخصية الأقدر على تكوين الحكومة (الفصل 98 والفصل 99) عن أجل حل البرلمان الوارد في الفصل 89 من الدستور(4 أشهر من تاريخ التكليف الأول).

ومما يؤكد تعدد حالات حلّ البرلمان ما ورد بالفصل 77 من الدستور.
فقد مكّن الفصل 77 من الدستور رئيس الجمهورية من ممارسة حقه في "حلّ البرلمان في الحالات التي ينص عليها الدستور".
ولئن تعرض الدستور في الفصل 89 إلى حالة منه. فإن تطبيق أحكام هذه الحالة يرتبط فقط بالمقاييس المتعلقة بتكليف حكومة على إثر إجراء الإنتخابات.

بينمانصّ الفصل   77 من الدستور أن حلّ البرلمان لا يقتصر فقط على حالة الفشل في تكوين حكومة بعد إجراء الإنتخابات. إذ تضمّن صراحة "لا يجوز حلّ المجلس خلال الأشهر الستة التي تلي نيل أول حكومة ثقة المجلس بعد الانتخابات التشريعية أو خلال الأشهر الستة الأخيرة من المدة الرئاسية أو المدة النيابية". ويعني ذلك أن حلّ البرلمان ممكن خلال كامل المدة النيابية مع احترام التحجير الزمني الوارد في الفصل 77 من الدستور. لا يرتبط حل مجلس نواب الشعب فقط بضرورة مرور أربعة أشهر من التكليف الأول طبق أحكام الفصل 89 من الدستور.

علما وأنه لا يمكن إطلاقا حلّ البرلمان إذا أعلن رئيس الجمهورية حالة الاستثناء طبق أحكام الفصل 80 من الدستور. وهي حالة غير متوفرة اليوم لأن رئيس الجمهورية، و إلى حدود هذا التاريخ، لم يعلن حالة الإستثناء.
فإذا لم يسمح الفصل 89 لرئيس الجمهورية إلا بالقيام بتكليف وحيد للشخصية الأقدر ولم يسمح له صراحة بالقيام بتكليفات متعددة ومتتالية له فماذا يكون مآل فشل تكليفه للشخصية الأقدر في الآجال الدستورية؟
لئن رتب مباشرة، الفصل 89 من الدستور، بعد فشل تكليف "الشخصية الأقدر" في تكوين الحكومة إمكانية حلّ البرلمان فهذا يعني أن رئيس الجمهورية، "رئيس الدولة ورمز وحدتها" وضمان "استقلالها واستمرارها"8، لا يمكن أن يكون أمام حتمية انتظار مهلة الأربعة أشهر ويمكن له حل البرلمان بعد فشل تكليف "الشخصية الأقدر" في الأجل الأقصى أي شهر(الفصل 89) أو"ثلاثون يوما" (الفصل 99). وهو نفس الجزاء الذي نص عليه الفصل 99 من الدستور عند الفشل في تكوين الحكومة على إثر التصويت على الثقة.
ومهما كان التصرف الذي سوف يسلكه رئيس الجمهورية في صورة فشل تكليف الشخصية الأقدر في تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر سواء بالقيام بتكليف جديد، وهو أمر لم ينص عليه الدستور، أو من خلال حلّ مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، وهو أمر قد يعتبره البعض خرقا للآجال، فإن إمكانية مساءلته تبقى مستبعدة نظرا لغياب المحكمة الدستورية، المؤسسة الدستورية الوحيدة التي بإمكانها، طبق الفصل 88 من الدستور، أن تقرّر إن كان رئيس الجمهورية قد قام بالخرق الجسيم للدستور من عدمه.

ولكن مثلما كانت المؤسسات أمام حتمية خرق الدستور عند تكليف الحكومة الأولى بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2014 9 فإن البعض سوف يدفع بخرق الرئيس للدستور مهما كان الخيار المتبع: سواء عند إعادة التكليف أو عند حلّ البرلمان، علما وأن الدستور ولئن جعل من حل البرلمان مجرد خيار إلا أنه لم يقدّم للرئيس البديل له.

وفي تقديري، إن كان ولابدّ من تحميل المسؤولية لمن وضع البلاد في هذا المأزق، فإن من يتحمله هو بالضرورة محرّر نصّ الدستور: المجلس الوطني التأسيسي. ولكن هذا المجلس ولّى وانتهى. وأصبحت بذلك المسؤولية اليوم مسؤولية السلط المؤسسة (أساسا: رئيس الجمهورية ومجلس نواب الشعب).

فهل مازلت الأطراف السياسية الحاكمة، بعد مرور أكثر من سنتين ونصف من دخول الدستور حيز النفاذ، متمسكة بنص دستوري، سيئ الصياغة؟ أم أن الوضوح والبحث عن الأمن الدستوري يقتضي بالضرورة التحلّي بالشجاعة والشروع في إعداد مشروع لتعديل الدستور؟

1 أمين محفوظ، من يعين رئيس الحكومة المقبلة، جريدة المغرب، 25 أكتوبر 2014، ص.10
2 تتكون الحكومة من رئيس ووزراء وكتاب دولة يختارهم رئيس الحكومة وبالتشاور مع رئيس الجمهورية بالنسبة لوزارتي الخارجية والدفاع.
3 تعرض الحكومة موجز برنامج عملها على مجلس نواب الشعب لنيل ثقة المجلس بالأغلبية المطلقة لأعضائها. عند نيل الحكومة ثقة المجلس يتولى رئيس الجمهورية فورا تسمية رئيس الحكومة وأعضائها.
4 يؤدي رئيس الحكومة وأعضاؤها أمام رئيس الجمهورية اليمين التالية: أقسم بالله العظيم أن أعمل بإخلاص لخير تونس وأن أحترم دستورها وتشريعها وأن أرعى مصالحها وأن ألتزم بالولاء لها.
5 شهر أول قابل للتمديد بالنسبة للتكليف الأول وشهر بالنسبة للتكليف الثاني.
6 وفي الحالتين يكلف رئيس الجمهورية الشخصية الأقدر لتكوين حكومة طبق مقتضيات الفصل 89".
7 عندئذ يكلف رئيس الجمهورية الشخصية الأقدر بتكوين حكومة في أجل أقصاه ثلاثون يوما طبقا للفقرات الأولى والخامسة والسادسة من الفصل 89".

8 الفصل72 من الدستور

9 أمين محفوظ، من بعين رئيس الحكومة المقبلة، جريدة المغرب، 25 أكتوبر 2014، ص.10

أمين محفوظ

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.