عبد اللطيف الفراتي : رسم المستقبل مع الشاهد
عبد اللطيف الفراتي - أربعة أيام فقط كانت كافية لطي صفحة الصيد، وفتح صفحة الشاهد أو هكذا خيل للباجي قائد السبسي، فالحبيب الصيد الذي فهم ما يحاك له منذ 2 جوان 2016 الماضي، لم يترك الفرصة لرئيس الجمهورية، ليستمرئ لعبته الذكية ويسارع لقطف ثمرتها بالسرعة التي كان يتمناها، واضطر رئيس الدولة لانتظار ممل لأكثر من شهرين، فلم يقدم الصيد استقالته فورا كما تمنى السبسي، وخير الذهاب للبرلمان في الموعد الذي اختاره، وهو مدرك أن المناورة ستنتهي بصرفه, ولكن فقط ليطيل المتعة بإفساد المخطط الذي رسمه رئيس الجمهورية، وفي الوقت الذي يختاره.
هل كان الباجي قائد السبسي وهو يدلي بخطابه المفاجئ مساء 2 جوان، قد قر قراره على تعويض الصيد بالشاهد منذ ذلك الحين، احتمال وارد، ولقد كان من الصبر ما جعله ينتظر شهرين والبلاد غير محكومة، أو هي في حالة بين حالتين، بكل ما يعني ذلك من تفويت فرص في زمن الأزمة الخانقة التي تتخبط فيها تونس.
المحقق أنه وصل إلى هدفه، بصرف الصيد، وتحميله عبء الفشل، وقد غسل يديه من ذلك الفشل، والصيد الذي كان مضطرا لممالأة "رئيسه" لم يصارح الشعب في الوقت المناسب أي عند استلامه الحكم، بحقيقة وضع ورثه عن فشل 5 سنوات من حكم الباجي والنهضة و جمعة، ورفع على كاهله وحده إخفاقات سنوات ما بعد الثورة، فالتحالف مع النهضة كان ثمنه أن لا تتهم الحركة الاسلامية بأنها قادت البلاد إلى مأزق، الوحيد الذي كان تنبأ به في حينه هو وزير المالية حسين الديماسي في حكومة حمادي الجبالي سنة 2012، عندما كان الأمر قابلا للإنقاذ، فاستقال احتجاجا.
المصارحة التي لم تتم في أوائل 2015 عند تشكيل حكومة الصيد، وكانت ضرورية لبدء حركة إصلاح موجعة، بسبب الخوف من إغضاب الشريك النهضاوي الذي يتحمل القسط الأكبر من تدهور الأوضاع, لم يعد من مجال للسكوت عنها اليوم، ولكن تحميل الصيد تبعاته، وإخراج النهضة منه كالشعرة من العجين، ومن هنا فإن رئيس الحكومة الجديد وبمجرد تكليفه أعلن ومن بين خمس نقط اعتمدها لتكون قوام برنامجه، مصارحة الشعب عن حقيقة وضع أكثر من كارثي، مع ما يتطلب ذلك من قرارات لم يقل إنها ستكون موجعة، ولكن ستكون كذلك ضرورة.
هل إن الشاهد، وبقطع النظر عما إذا كان قريبا دمويا أو بالمصاهرة ولو البعيدة مع السبسي، هو الرجل المناسب للمرحلة، مع تحديات في تونس كبيرة جدا؟
وهذا "اتهام" لرئيس الجمهورية بإحاطة نفسه بالأقارب ابتداء من ولده، إلى أعضاء في ديوانه، وكأن البلاد ضيعة من ضياعه، ما هو صحيح وما هو خاطئ.
من الصعب التنبؤ باحتمالات نجاح الشاهد أو فشله، فهو لم يتقلد مسئوليات كبيرة، وخبرته بالإدارة ودواليبها ليست بالطويلة، ولكنه يملك عنصرين اثنين هامين:
أولهما شبابه، فهو مقنع من هذه الناحية، وهي إشارة للغالبية العظمى من الشعب.
وثانيهما فصاحته، والكاريزما المنبثقة منه بعكس سلفه، وعلى ما يبدو فإنه رجل اتصال بامتياز وله قدرة إقناع كبيرة.
بقي هل له قدرة على جرأة لاتخاذ قرارات، في مواجهة الجماهير، لإنقاذ البلاد من 5 أو ست سنوات من التسيب واللا مسئولية، وترك الحبل على الغارب، واتخاذ القرارات غير الشعبية، ومنها وقف نزيف زيادات الأجور غير المنطقية، في بلد بيقترض من الخارج لخلاص الأجور، تماما كما كان الأمر زمن الصادق باي، ما تسبب في انتصاب الحماية سنة 1881, ومنها تحقيق التحصيل الضريبي الواجب لملء خزائن الدولة، ومواجهة التزامات نؤديها بالاقتراض، بينما التهرب الضريبي, يمنع عنا ويحول بيننا وبين موازنات متوازنة، ألا يعلم رئيس الحكومة الجديد أن الكثيرين لا يريدون أن يدفعوا من مالهم لحسابات مكافحة الإرهاب بدعوى (ولعلها محقة)، بأن الدولة لا ينبغي أن تلجأ "للتسول" ما دام جانب والجانب الثري من الشعب لا يدفع ضرائبه، فيما تغطي وزيادة الخمسة مليار دينار المستوجبة على ميزانية هذا العام ،والتي لا يدري أحد من أين ستأتي. وأهمها هذه الهوة من التعويض والدعم التي تأكل الأخضر واليابس والتي لم يجرؤ أحد منذ1984 على سدها.
يوسف الشاهد رئيس حكومة، صحيح، ولكن لا أحد يتمنى أن يكون مكانه، فالتحديات كبيرة، والخبرة قليلة، وهو ليس ذاك الذي يتمتع بمداخل واسعة دوليا مثل مصطفى كمال النابلي، أو مرجان أو بن حمودة وغيرهم.
عبد اللطيف الفراتي
- اكتب تعليق
- تعليق