تركيا في عين الإعصار تدفع ثمن التوجهات الخاطئة

تركيا في عين الإعصار تدفع ثمن التوجهات الخاطئة

بعد تونس ومصر، أخذت تركيا تواجه تحركات إرهابية أو ما تسميها كذلك ، والمؤكد أن هذه الأعمال مختلفة من حيث طبيعتها وأصولها، ولكنها تشترك في أنها تحاول، هز الاستقرار التركي، ومن ذلك الضغط الاقتصادي، أو تدمير ما أسمي بالمعجزة التركية أخذت تصاب بالإعياء.
ولا بد من القول أن التركيبة السكانية لتركيا متنوعة، وهي تقوم على أساس 2 من القوميات، القومية الغالبة وهي القومية الطورانية، ثم القومية الكردية، والبقية أي ما بين 5 و10 في المائة هم من قوميات مختلفة وينص الدستور التركي في فصله 66 على أن صفة المواطن التركي تطلق على كل مواطن، فيما إن ما بين 70 و75 في المائة من السكان هم من الجنس التركي، فيما إن 20 في المائة هم من الأكراد، المتجمعين في المنطقة الشرقية الجنوبية من تركيا المتاخمة للعراق وسوريا وإيران.

وبالتالي فإن ما بين 5 و10 في المائة هم من العرب واليونان الأتراك واليهود والأرمن والجورجيين والبوسنيين والأشوريين والألبان والأبخازيين والغجر والشيشان والشركس.
والدين السائد هو الدين الاسلامي الذي يمثل 97.5 في المائة من عدد السكان الجملي، أما البقية فهم من المسيحيين واليهود وديانات أقلية أخرى، ويمثل السنة الحنفية غالبا 90 في المائة من عدد المسلمين، بينما 10 في المائة هم من الشيعة غالبا الاثني عشرية ، والبعض من العلويين المختلفين في طقوسهم عن علويي سوريا.

***

تاريخيا سيطرت تركيا العثمانية على الغالب الأعم من العالم العربي باستثناء اليمن والمغرب الأقصى وأطراف لم يصلها الاحتلال التركي، والرأي السائد وهو حقيقة معلنة، فإن الأتراك لا يحبون العرب، ويعتبرونهم السبب في انهيار الخلافة العثمانية، عندما انحاز الشريف حسين إلى الغرب، وانتصر للغرب في الوقت الذي انحازت فيه تركيا للألمان إبان الحرب العالمية الأولى، وفي زمن ظهور القومية العربية في الشام، وطالبت سوريا وجبل لبنان  بالاستقلال، ما جعل القيادة التركية ترسل بالجنرال أنور باشا ليقيم المشانق للوطنيين، ويرسل إلى الاعدام علية القوم، وعموما فإن المشرق العربي الذي كان أشد التصاقا بدولة الخلافة لقربه منها، كان تحت استعمار حقيقي تاق للتخلص منه، بعكس تونس والجزائر وليبيا التي كانت تكتفي بالبيعة للخليفة، وترسل إليه مساهمة في الميزانية، وأحيانا فرقا عسكرية للمشاركة في الحروب التي كانت تخوضها الآستانة، ولعل أشهرها حرب القرم التي شارك فيها جنود تونسيون، بقي جانب من أحفادهم في الشمال التركي لليوم.

***

وتركيا السنية الحنفية، والتي خاضت حروبا مدمـرة مــع الشيعة الصفوييــن (التابعين للدولة الصفوية في فارس التي كانت في تنافس مع الخلافة العثمانية) لم تكن تحمل في قلبها، ولا تحتمل الشيعة بمن فيهم العلويين، الذين حكموا سوريا وما زالوا يحكمونها على مدى نصف قرن، ولا حزب الله  اللبناني،  فضلا عن الشيعة الفرس، فيما عرفت الخلافة العثمانية حروبا مع مصر المحكومة من عائلة تركية الأصل، وكبرهان على الكره المتأصل للعرب، فإن كمال أتاتورك بمجرد أن استولى على الحكم ، فإنه ألغى العمل بالحروف العربية، واختار استعمال الأحرف اللاتينية، وربط تركيا بالغرب مديرا ظهره لعالم عربي اعتبر أنه خان تركيا، وإن لم تكن تركيا الدولة القوية قد رفعت خلال القرن التاسع عشر والعشرين  أصبعا للدفاع عن أقاليم كانت تعتبر ضمن سيادتها وهي الجزائر وتونس وليبيا  فضلا عن مصر.

***

في منتصف القرن العشرين دخلت تركيا صحبة العراق (زمن نوري السعيد) وإيران (زمن الشاه) وباكستان تحالفا ضد القومية العربية سمي بحلف بغداد، وأصبحت عضوا في الحلف الأطلسي، غير أن هذا حلف بغداد انفرط عقده بمجرد قيام انقلاب 14 تموز في العراق، ضد الثلاثي الملك فيصل الثاني والأمير عبد الإله ورئيس الوزراء والرجل القوي نوري السعيد رئيس الوزراء، ولكن تركيا ومن ورائها بريطانيا  والولايات المتحدة وبالأموال السعودية عن طريق الملك سعود بن عبد العزيز (يا للبلاهة) (أرسل شيكا بمبلغ مليون دولار للرجل السوري القوي ممثل جمال عبد الناصر في دمشق عبد الحميد السراج) لفك ارتباط الوحدة المصرية السورية،  وهذا ما يعطي تصورا عن طبيعة العلاقات التركية العربية.

***

واجهت تركيا منذ الخمسينيات حربا أهلية مستمرة، تخمد حينا ليشتد أوارها أحيانا مع الأقلية الكردية التي قوامها حوالي 15 مليونا من السكان، يتحصنون في مناطق وعرة، على غرار ما كان حاصلا في العراق والذي بلغ الأوج عندما استعمل الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، السلاح الكيمياوي في حلبجة، ما أدى لسقوط آلاف القتلى ومثلهم من المحترقين الذين كان مصيرهم الموت المحقق، وإذ نال أكراد العراق استقلالهم عن الدولة المركزية  في بغداد، إن واقعا وليس قانونا، فإن أكراد تركيا ما زالوا ينافحون لنيل  حقهم في إقامة دولتهم، وقد عرفوا مثل أكراد العراق بتمرسهم بالحرب وخبرتهم، في حرب المدن بالذات التي تقض مضاجع حكام أنقرة، وتختلف التقييمات بين من يعتبرون عمليات الأكراد التي تعاظمت في الفترة الأخيرة إرهابا (السلطة التركية)، ومن يعتبرونها حرب تحرير، قصد تمكين الشعب الكردي من حق تقرير المصير، وعلى الأقل قيام حكم محلي، ببرلمان منتخب، وحكومة تتمتع باستقلال ذاتي (المجتمع الدولي).

***

وكأن المصائب لا تأتي منفردة، فقد لحق بما تسميه السلطة التركية "الإرهاب الكردي" إرهاب حقيقي، رعت بداياته أنقرة، وشجعته ، وبمجرد أن غيرت سياستها تحت وطأة الضغط الدولي، حتى انقلب السحر على الساحر، وبات أولئك الذين مررتهم عبر حدودها إلى سوريا ألد خصومها، يقترفون أعتى الجرائم على أرضها انتقاما  من انقلاب الحكم التركي على عقبيه، بعد أن شجع طويلا الدواعش والقاعديين، انتقاما من الحكم السوري وعلى أمل إنهاء وجوده القائم على قاعدة من المذهب الشيعي سواء الإثني عشري أو العلوي السوري اللبناني الإيراني، واستعمال التراب التركي كمسلك مرور وعبور للبترول السوري والعراقي المسروق، ليباع في تركيا بسعر التراب، أو يصدر تهريبا للخارج، فتقتنيه جهات مشبوهة، فقد استعملت المطارات والأراضي التركية، كمحطات تمرير للوافدين من كل فج عميق نساء ورجالا بدعوى الجهاد ضمن كتائب لا علاقة لها بالإسلام سلوكا ومدعية الخلافة في انتظار عودتها إلى تركيا أردوغان، وذلك بتوطئ من جهات خارجية ممولة منها السعودية وقطر أو منتسبيها، أو من البلاد المصدرة للإرهابيين، ومنها تونس بتواطئ أيضا، من حكم  الترويكا خلال سنوات 2012/2014  عن وعي أو غير وعي وغالبا جهات منها عن وعي وسابق إصرار، وتمويل غالبا من مصادر خارجية راعية للإرهاب حكومات أو أفرادا، وجدت في بلادنا رعاة بقوا بدون محاسبة ولا عقاب، أذاقونا ويلات الارهاب ونتائجه المدمرة.

***

واليوم فإن تركيا بالذات وبعد أن كانت مصدرا لنشر الإرهاب ن عرفت أن ما حاولت تنفيذه لدى غيرها قد امتد لهيبه الحارق إليها ، فإنها تكتوي بناره، عقابا لها على تراجعها، ومن السهل السهل أن ترعى الارهاب، ولكن هيهات أن تستطيع استئصاله، بعد أن هيأت له المناخ في عقر الدار، فتمكن واستوطن، لاستعماله ضد من اعتبرتهم أعداءها، لا من الحكام فقط بل من الشعوب انتقاما منها لما بدر منها قبل قرن من الزمن، اعتبرته مؤامرة ضدها، وضد خلافة لم تكن سوى رجلا مريضا انهار بأقل جهد ممكن.

عبداللطيف الفراتي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.