الجفوة بين المغرب والغرب هـل تُــــوَلِّـي الـربــاط وجهها شطر الشرق؟
إن«المغرب رغم حرصه على الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع حلفائه، قد توجّه في الأشهر الأخيرة نحو تنويع شراكاته، سواء على المستوى السياسي أو الاستراتيجي أو الاقتصادي.
وفي هذا الإطار، تندرج زيارتنا الناجحة إلى روسيا، خلال شهر مارس الماضي... كما نتوجه لإطلاق شراكات استراتيجية مع كل من الهند وجمهورية الصين الشعبية»... هذا ما أعلنه العاهل المغربي الملك محمد السادس في الخطاب الذي ألقاه يوم الأربعاء 20 أفريل 2016 في افتتاح أشغال القمة الخليج المغربية بالرياض.
وقد برّر العاهل المغـــربي هذا التوجّه الجديد في سيـــاسة المملكة المغربية بالتضارب في مواقف شركائها التقليديين بين الخطاب والممارسة، فلقد لاحظ، بعد أن أكد أنّ «المغـــرب حـــرّ في قــــراراته واختياراته وليس محمية تابعة لأي بلد»، أنّ وضع العلاقات مع هؤلاء الشركاء بات خطيرا «خاصة في ظل الخلط الفاضح في المواقف، وازدواجية الخـــطاب بــــين التعـبير عن الصداقة والتحالف، ومحاولات الطعن من الخلف»...وقد تجلّى هذا التضارب في مواقف شركاء المغرب من قضية الصحراء الغربية التي عرفت مــنذ أواخـــر السنة الماضية جملة من التطورات التي أثارت حفيظة المغرب، والتي تمثّلت فيما يلي:
1- إصدار محكمة العدل الأوروبية في 10 ديسمـــبر 2015 قرارا اعتبرت فيه الاتفاق الموقّع بين الربـــاط وبروكسـل في 8 مارس 2012 والمتعلق بـ«إجراءات التحرير المتبادل في مجال المنتجـــات الفــلاحية والمنتجات الفـــلاحية المحـــولة ومنتجــــات الصــيد البحري» لاغيا، وذلك لانه لم يشر بوضوح إلى الصحراء الغربية.
وقد قابلت الحكومة المغربية هذا القرار بالرفض القاطع واعتبرت أن فيه «خرقا للقانون الدولي»، وقررت تعليق التواصل مع المؤسسات الأوروبية، باستثناء ما يتعلّق منها بملف الاتفاق وقرار المحكمة. وأضافت أن المغرب يرفض «أن يتم تقاذفه بين مختلف مصالح ومؤسسات الاتحاد الأوروبي»، وأن «التمادي في هذا الموقف من شأنه أن يهدد بعمق الثقة المتبادلة، بل وحتى استمرار الشراكة بين الطرفين».
وفي تصريح شديد اللهجة قال رئيس الحكومة إن الأوروبيين «يجب أن يحسنوا تقدير الأمور، فالقضية جيــو - ستراتيجية وليســـت لعـــبا وليســت مزاحا»، فقضية الصحراء «قضية وجـــود أو عـــدم وجود، ويجـــب أن تكـــون الأمور واضحة بالنسبة إليهم».
2- زيـــارة الأمــين العـــام لمنظمة الأمم المتحدة بان كي مون إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين، ووصفه، لأول مرة، الوجود المغربي في الصحراء الغربية بالاحتلال. وقد رفض المغرب الرسمي والشعبي هذه الزيارة واحتج على تصريحات المسؤول الأممي مؤكدا أنها تشكّل «خللا» طرأ علي التصور الدولي لطريقة معالجة النزاع.
وفي حين عقد البرلمان بغرفتيه جلسة خصصها لمناقشة هذا التطور الخطير خرج المغاربة في العاصمة في مظاهرة عارمة لم يسبق لها مثيل ضد الأمين العام للأمم المتحدة.
ومن ناحية أخرى أعلنت الحكومة المغربية أنها قررت تخفيض عدد العناصر المدنية والسياسية والادارية العـــاملة في بـعثــــة الأمم المتحدة في الصحراء، وهددت بإلغاء المساهمة الإرادية التي تقدمها المملكة لسير عمل المينورسو، وببحث صيغ سحب التجريدات المغربية المنخرطة في عمليات حفظ السلام».
3- تواتر التعقيدات التي طرأت على العلاقات بين الرباط وبين واشنطن في الآونة الأخيرة، وذلك بالرغم من أن المغرب يعدّ حليفا للغرب وللولايات المتحدة الأمريكية بالذات لا سيمـــا في الحـــرب على الارهاب والتطرف.
وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن وزارة الشؤون الخارجية المغربية قامت في 19 ماي 2016 باستدعاء السفير الأمريكي في الرباط للتعبير عن غضب المملكة مما ورد من «تلاعب وأخطاء فاضحة» في التقرير الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية الشهر الماضي حول حقوق الإنسان في المغرب، والذي اتهمت فيه قوات الأمن المغربية بالفساد وتجاهل سيادة القانون على نطاق واسع.
ويعتبر هذا التقرير حلقة أخرى من حلقات الأزمة التي طفت على سطح العلاقات المغربية الامريكية بسبب اعتقاد الرباط أن المستشار الأمريكي كريستوفو روس المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، الذي كانت علّقت التعامل معه منذ سنة 2013، هو المتسبّب في تأزيم العلاقة بينها وبين منظمة الأمم المتحدة حيث أنه، كما ترى، يقف وراء انحياز الأمين العام للمنتظم الأممي، ووراء التشدّد الأمريكي في مناقشات مجلس الأمن الأخيرة حول قرار المغرب التقليص في بعث المينورسو، حيث اعتبرته انزلاقا من شأنه ان يقوّض عمل الأمم المتحدة، وعملت على تضمين القرار رقم (2285) الذي أعدت مشروعه والذي اعتمده مجلس الأمن الدولي في اواخر شهر أفريل الماضي تشديدا على الحاجة الملحة لأن تعود البعثة إلى أداء وظائفها كاملة...
4- تعدّد التوتّرات التي عرفتها العلاقات المغربية الفرنسية خلال الفترة الأخيرة بسبب ما تعتبره الرباط تصرفات «استفزازية» فرنسية، فعلاوة على محاولة الشرطة الفرنسية استجواب رئيس المخابرات المغربية أثناء إحدى زياراته للعاصمة الفرنسية، ثم تفتيش وزير الخارجية المغربي في مطار باريس، قامت السلطات الفرنسية منذ أيام بالترخيص لمجموعة من النشطاء السياسيين المغاربة بالتظاهر ضد الملك محمد السادس أمام مقر إقامته في شمال العاصمة باريس، وذلك بالتوازي مع قيام القناة الفرنسية الثالثة بعرض فيلم وثائقي بعنوان «ملك المغرب: اسرار مملكة» وهو فيلم ينتقد العاهل المغربي ويتّهمه باحتكار مفاصل الاقتصاد المغربي بشكل مثير للغاية.
أما عن تجليات هذا التوجّه المغربي الجديد فيمكن إجمالها فيما يلي:
1- تعميق العلاقة مع بلدان الخليج العربي وهو ما تجلّى في عقد القمة المغربية الخليجية، وهي القمة الأولى من نوعها في تاريخ الطرفين، وقد برّر الملك هذا التعميق بأنّ بلاده وبلدان الخليج تجد نفسها اليوم «أمام مؤامرات تستهدف المسّ بأمنها الجماعي»، وبأنّها تواجه «نفس الأخطار، ونفس التهديدات، على اختلاف مصادرها ومظاهرها» ولذلك فإن «الدفاع عن أمنها ليس فقط واجبا مشتركا، بل هو واحد لا يتجزأ»... ومثلما يعتبر المغرب دائما أن «أمن و استقرار دول الخليج العربي، من أمنه» فان «الصحراء المغربية كانت دائما قضية دول الخليج أيضا... وهو ما أكّدته خلال الأزمة الأخيرة مع الأمين العام للأمم المتحدة».
على أن المشكل - في نظر الملك أكبر من ذلك فهو يرى أن بلاده والبلدان الخليجية تقف اليوم وبعد «ما تم تقديمه كربيع عربي، - خلّف خرابا ودمارا ومآسي إنسانية»، على أعتاب «خريف كارثي، يستهدف وضع اليد على خيرات باقي البلدان العربية»، وهو يتوقع «أن المخططات العدوانية التي تستهدف المسّ باستقرارنا، متواصلة ولن تتوقّف. فبعد تمزيق وتدمير عدد من دول المشرق العربي، ها هي اليوم تستهدف غربه».
2- الانفتاح على روسيا التي عادت شمسها إلى البزوغ من جديد باعتبارها أحد أهم الخيارات التي يمكن للمغرب أن يرتادها وأن يحقق منها وبها عدة أهداف في آن واحد.
فالرباط بهذا الانفتاح تستطيع أن تضفي قدرا أكبر من التوازن على علاقات موسكو معها ومع جارتها «اللدود» الجزائر، خاصة وأن روسيا اليوم مختلفة عن «الراحل» الاتحاد السوفياتي من حيث أنها باتت تضع مصالحها فوق أية اعتبارات ايديولوجية، وهو ما يظهر في موقفها من قضية الصحراء الغربية التي لا تقدم لها الدعم المفترض في الأمم المتحدة بحكم الروابط التاريخية والاقتصادية الوثيقة التي تجمعها بالجزائر...
ثم إن الرباط تستطيع بهذا الانفتاح على موسكو التي تمكنت بعد تدخّلها في سوريا من إعادة تكريس التعددية القطبية أن تستثمر «سياسية المحاور المتعدّدة» في خدمة مصالحها، وفي الترفيع من قوّتها التفاوضية مع شركائها التقليديين.
3- التوجّه نحو تعزيز الشّراكة مع الصين التي تتقاطع مصلحتها في توسيع نطاق انتشارها في مختلف أرجاء العالم مع مصلحة المغرب في تنويع شركائه على الساحة الدولية، وإنهاء حالة الاحتكار التي هيمنت على شبكة علاقاته في الماضي خاصة بعد أن تبيّن له أن شركاءه التقليديين «غير أوفياء» لمقتضيات الشراكة النزيهة والحريصة على تبادل المنافع.
ولأنّ الصّين ما تزال تفضل أن يكون عماد علاقاتها الدولية اقتصاديا لا سياسيا، فقد كان من الطبيعي أن تتركز نتائج الزيارة التي قام بها الملك خلال شهر ماي الماضي إلى الصين على التأسيس لشراكة استراتيجية مغربية صينية في المجالات الصناعية والسياحية والطاقية والثقافية وكذلك الشؤون القضائية والقنصلية... وربما كان من أبرز هذه النتائج القرار الذي اتخذه الملك محمد السادس بإعفاء الصينيين من تأشيرة الدخول الى المغرب ابتداءً من شهر جوان 2016، فهذا الاجراء من شأنه أن يساعد المغرب الذي يتطلع إلى استقبال مائة الف سائح صيني سنة 2020 على تحقيق هذه الغاية.
تلك هي بعض تجلّيات التوجّه الجديد في سياسة المغرب الخارجية، وهي بقطع النظر عما سيكون لها من تداعيات مؤَكَّدَة على محيطه المباشر المغاربي والمتوسطي والافريقي، تؤشر في نظري إلى وعي مغربي مزدوج: وعي بالمكانة المتميزة التي يتمتّع بها المغرب على الصّعيد الدولي، ووعي بضرورة مواكبة المخاض الذي تشهده الساحة الدولية اليوم حتى لا يولد العالم الجديد في غيابه.
محمد ابراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق