أخبار - 2016.04.12

معركة الأطباء والمحامين، الجريمة والعقاب

معركة الأطباء والمحامين، الجريمة والعقاب

 من روائع الأدب العالمي رواية الروسي ديستوفسكي الجريمة والعقاب، وفي هذه الرواية، وهي أبعد من أن تكون بوليسية، مجرم وضحية.

غير أننا نشهد هذه الأيام مشهدا غريبا، فالمجرم هو الضحية، والمجرم هو المواطن التونسي والضحية كذلك، فهو ذلك المواطن  (الأجير بالذات) الذي يسلط عليه سيف الضريبة، والذي يبقى في النهاية متهما حتى ولو تثبت عليه التهمة ولكن يتحمل عبء العقوبة.
في قانون المالية لسنة 1972، وكان وزير المالية آنذاك منصور معلى، تم إقرار ما يجري سجال بشأنه حاليا، فقد طلب من الأطباء والمحامين، وغيرهم من أصحاب المهن الحرة، أن يسهموا في تمويل ميزانية الدولة، بدفع القسط المفروض، على غرار بقية المواطنين، كما نص ذلك القانون على إخضاع مظاهر الثراء لأداء خاص ومنها برك السباحة الخاصة في المنازل، وقامت الدنيا، دنيا الإطباء والمحامين، ولم تقعد، فما كان من الوزير الأول الهادي نويرة، آنذاك  إلا أن تراجع عن النظام الجبائي، وبقيت النصوص ولكن تم النكوص عن تطبيقها.
بعد 45 سنة وإزاء وضع موازنات مالية سيئة في البلاد، يحاول وزير المالية الحالي أن يعود إلى تشريع وتنفيذ تلك النصوص مجددا، ولكن تقف أمامه معارضة شديدة من قبل فئتين، الأطباء والمحامون ، تماما كما حصل سنة 1972- 1973.
لنقف عند مجموعة من الأرقام:
  • الأجراء يساهمون بـ 80 من المائة من مداخيل الضريبة على الدخل في البلاد
  • ومن جملة دخل الدولة فإنّ الأجراء يمثلون 18 في المائة، فيما المهن الحرة وغيرها لا تمثل إلا 4 في المائة (كانت 5 في المائة سنة 1990).
كل هذا يعني أن الفئة الأقل حظا، وإن كانت الأكثر عدديا، تخضع لعبء ضريبي لا يتناسب لا مع حجمها ولا خاصة  مع حجم مداخيلها.
والسؤال هو هل أنّ الحكومة ستخضع لضغوط  فئة معينة، اشتهرت بعدم المساهمة أو عدم المساهمة بالصورة الكافية، في تمويل مقابيض الدولة، مثلما رضخت  قبل 45 سنة، أم إّنها ستكون حريصة على إقرار عدالة جبائية، تكفل في نفس الوقت نوعا من المساواة، وتوفر للدولة مزيد المداخيل؟
والجدير بالذكر أنّ عجز الميزانية يبلغ ما بين 5 و6 مليار دينار، أي حوالي 17 أو 18 في المائة من ميزانية الدولة تجري تغطيتها بالاقتراض داخليا وخارجيا، علاوة على أنّ البلاد في حالة من العجز عن توفير الاستثمار الحكومي اللازم لدفع حركة الاقتصاد.
وما يستنتج  أنّ الدولة، ولا نقول الحكومة، هي في حالة ارتهان فعلي منذ عشرات السنين لفئة معينة أو لعلها فئات معينة، تستمرئ وضع كل العبء على الفئة الأقل دخلا، وتتهرب، لنقلها بصراحة، من أداء قسطها من المجهود الوطني في تمويل ميزانية الدولة، بل وتهدد بعدم تنفيذ الفصل 22 من قانون المالية، ما يعني الدخول في عصيان مدني، تعتقد أن الحكومة عاجزة عن مواجهته بالحزم اللازم، كما كانت عاجزة أمام الاعتصامات وتعطيل حركة الإنتاج.
إننا نزعم، والأرقام هنا واضحة جلية، أنّه لو أدخلت النصوص التي صادق عليها البرلمان حيّز التطبيق، ولو تم إخضاع مظاهر الثراء لأداءات غير ثقيلة، ولو تم تحصيل الضريبة المستوجبة على كل المحلات المكرية، وعددها بمئات الآلاف، لما كانت البلاد تعيش في ظل موازنات منخرمة، ولما اضطرت إلى هذا الحجم من التداين وخاصة الخارجي الذي يرهن مستقبل أبنائنا.
عبد اللطيف الفراتي 
 
هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.