أخبار - 2016.03.24

نظــرات‭ ‬في‭ ‬تـــاريخ‭ ‬السينما‭ ‬الــتـــونسية‭ ‬إلى‭ ‬اليــوم‭ ‬

نظــرات‭ ‬في‭ ‬تـــاريخ‭ ‬السينما‭ ‬الــتـــونسية‭ ‬إلى‭ ‬اليــوم‭ ‬

اكتشفت تونس الخطوات الأولى للفن السابع مباشرة بعد فرنسا حين صور الأخوان«لوميار» مشاهد حية بالعاصمة سنة 1896، وأقيم أول عرض سينمائي بتونس خلال السنة المواليةكما افتتحت أول قاعة سينما في البلاد سنة 1908. وفي سنة 1922 صور رائد السينما التونسية سمامة شكلي «زهرة»، وهو أول شريط تونسي قصير يكتب له سيناريو، وكذلك فيلم «عين الغزال» بممثلين تونسيين سنة 1924.

أما على الصعيد المؤسساتي، فقد عرفت سنة 1928 ولادة أول شركة أفلام تونسيةوفي سنة 1946 أصدر الباي مرسوما يقضي بإنشاء «مركز سينماتوغرافي تونسي»، بقي حبرا على ورق بإرادة من المقيم الفرنسي آنذاك. ومع تعدد الأنشـــطة السينمـــائية وتتــــالى تصـــوير الأفــــلام الأجنبيـــة والمحليــة في تونس، ومن بينهـــا الفيلـــم الشهير «جحــا» (بطولة عمر الشريف وكلوديا كردنال 1958)، ظهرت صحف ومجلات تدعم هـــذه الحـــركة من بينهـــا جريــدة «الأخبار السينمائية التونسية» سنة 1953.

ولم ينتج أول فيلم روائي طـــويل بعــد الاستقلال إلا سنة 1966 بعنــوان «الفجر» لعمــار الخليفي، وأسســت في نفــس السنة أيام قرطاج السينمائية من قبل رائد السينما التونسية الطاهر شريعة.

وقد تتالى إنتاج الأفلام بفضل جهود الساتباك(الشركة التونسية لإنتاج وتوزيع الأفلام) وصندوق تنمية الإنتاج والصناعة السينمائية الذي أحدثته وزارة الثقافة سنة  1981، فضــلا عن مجهودات المنتجين الخواص القلائل بعد حل الساتباك، في غياب تام لمساهمة ودعم المؤسسات الاقتصادية الخاصة.

وتصنف الأفلام التونسية ضمن سينما المؤلف، حيث تميز المخرجون التونسيون بتنوع المواضيع وجرأة الطرح.و مثّلت جلّ هذه الأفلام شهادات مخرجيها حول الواقع الاجتماعي والسياسي وكانت بطاقة هوية للبلاد التونسيةوقد اختارت أخرى الجدل الحضاري والخيارات الثقافية المستقبلية، في حين طرح بعضها مسائل النزوح والبطالة والآثار السلبية للسياحة وغيرها.

وقد تميزت العشرية -1982 1992 تحولا جذريا في الطرح، أظهر نضجا في التعاطي مع المواضيع حيث أضحت السينما التونسية مرآة حقيقية لهواجس التونسيين وهمومهم وأحلامهم. وتبعا لهذا التحول النوعي، تخطت الأفلام التونسية ــ لمخرجين مثل الناصر خمير والنوري بوزيد وعبد اللطيف بن عمار والناصر الكتـــاري وغيرهم ــ الحدود ونالت العديد من الجوائز في أعرق والمهرجانات الدولية وأهمّها، إلى جانب إقبال جماهيري كثيف، فضلا عن توزيع عدد منها في قاعات السينما بالخارج وبثها في القنوات التلفزية الأجنبية.

ومنذ انتشار الثقافة الرقمية شهدت السينما التونسية تراجعا ملحوظا لعدة عوامل من بينها عزوف أحباء الفن السابع عن الإقبال على قاعات السينما بسبب انتشار القرصنة التي دمرت مجهودات الفاعلين في المجال الابداعي وكبدتهم خسائر طائلة.وفي هذا الخصوص يجدر التذكير بأنّ عدد قاعات السينما في تونس كان يبلغ 126 قاعة سنة 1956، في حين لا توجد حاليا سوى15 قاعة.

وبحلول سنة 2011 والأحداث التي خصتها، عرفت السينما التونسية تحولا نوعيا تميز بطفرة في إنتاج الأفلام الوثائقية. واحتل الشباب الساحة  وبرز صراع حقيقي بين الأجيال، وأسست العديد من الجمعيات والنقابات (15سنة 2014، مقابل 4 سنة 2010).

وترجع هذه الطفرة إلى إطلاق الحريات، فضلا عن تراكم الخبرات بفضل المدارس المتخصصة التي أفرزت عددا هاما من الكفاءات الموهوبة في تقنيات السينما.ينضاف إلى ذلك غياب التراخيص خلال الفتـــرة مـــن 2011 إلى 2014 والكلفــة  المنخفضة  لتصوير وانتاج مثل هذه الأفلام باستعمال التقنيات الرقمية الحديثة.

ومن بين هذه الأفلام نذكر «لا خوف بعد اليوم» و«القرط» و«نعن بو الفسفاط» و»الحي يروح» و«عمار404»... تحصل بعضـــها عـــلى جـــوائز في مهـرجانات «كان» و«البندقية» و«تورونتو» و«دبي» و«أبو ظبــــي». ويمكـــن الاطـــلاع على الافــــلام المنتجة خلال السنــوات الأخيـــرة وكـــذلك على جديد السنيما التونسية على الموقع www.arf-tunisie.com الذي أنشأته مؤخرا جمعية المخرجين التونسيين.

إلا أنّه تبـــين للسينمــائيين الشبــان أنّ المجهودات الكبيرة التي بذلت لم تعط أكلها وأنه يتوجب إعادة التفكير في المواضيع المطروحة وطريقة الإنتاج والتوزيع، وكذلك الاستفادة من تجربة الجيل السابق.

وقد عرفت بداية 2016 ظهور عدد هام من الأفلام الروائية الطويلة بلغ عددها حوالي 13 عملا، منها ما تم توزيعه في القاعات ومنها ما سيظهر خلال الأسابيع المقبلة. ونذكر من بينها «شبابك الجنة»الذي تميز بإقبال جماهيري واســـع و«على حلــــة عيني» و«نحبك هادي» وهـــو أول عمل عربي يشارك في مهرجــان برلين منذ 20  سنة وقد تحصل على جائزتين  و«ليليا» الذي توج أخيرا في مهرجان لندن و«قصر الدهشة» و«عزيز روحو» و«خسوف» و«زهرة حلب»...

وقد دعمت وزارة الثقافة جل هذه الأفلام منذ سنوات، إلا أنّ انجازها تطلب وقتا طويلا لإعادة تكييفها طبقا للواقع التونسي الحالي بالاستيعاب التدريجي للمتغيرات التي تعرفها تونس منذ خمس سنوات. كمــا أن فترة حكــم الترويكا التي أحسّ خلالها جل التونسيين أنّهم غرباء في ديارهم تسببت في حالة من الإرباك النفسي قلصت من الاندفاع إلى الخلق والإبداع، لا في مجال الإنتاج السنيمائي فحسب، بل في كل مجالات الحياة تقريبا. وعلى الرغم من ذلك واصل عدد من السينمائيين معركتهم التي أفضت إلى إنجاز أعمال في زمن أحبطت فيه عزائمهم أو كادت.

تتسم هذه الأفلام بأسلوب جديد في التعاطي مع هموم وشجون الناس بنظرة حديثة وغير معهودة في الأفلام التونسية التي سبقت، تدل على نضج ووعي متواصل وتحسن ملفت في الأداء. وعلى الرغم من التفاوت في النجاح الجماهيري بطبيعة المواضيع التي طرحتها ومستوى جودتها، تبقى السينما التونسية مبشّرة بمزيد من التألق محليا ودوليا بفضل الجيل الجديد من السينمــــائيين، إن تــــوفرت التشريعـــات الضــــرورية التي حـــان الوقت أن تعاد صياغتها لتنظيــــم وتحصين هذا القطاع، والتشجيع على بعــــث قــاعات سينمائية وتقنين ذلك ضمن كراس شروط التهيئة العمرانية وخاصة المتعلقة بإنشاء الفضاءات العامة والأحياء الجديدة، وكذلك تنظيم مسالك التوزيع المفقودة تماما.

ولا يفـوتني أن أذكـر أنّ الإبـداع الثقافي والسينمائي بوجــه الخصوص،يتوجب أن يكون موجهابالأساس لتهذيب الذوق العامكما أنّ العمل على ترويج الإبداع الثقافي التونسي خارج حدودنا، الذي لم ننجح فيه إلى حـــد الآن رغــم بعـــض المحـــاولات، يبقــى العنصر الأهـــم للتعـــريف بتونس وبخصوصيـــاتها وتحقيق إشعاعها بالخارج، ويمثل كذلك رافدا هاما للشراكة في العديد من المجالات، خاصة الاقتصادية منها.

توفيق جابر

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.