أخبار -
2016.02.15
قسنطينة مدينة الصقور، الألف إسم وإسم
هذا كتاب قيّم، جمع بين أناقة الشكل، ورشاقة المضمون، نصّا وصورا، وهو ثمرة طيّبة من ثمار تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية سنة 2015".
وقد أهداني نسخة منه الأستاذ عز الدين ميهوبي وزير الثقافة الجزائري الذي سعدت خلال زيارتي الأخيرة إلى الجزائر (من 01 الى 05 فيفري 2016) بمقابلته والحديث معه حديثا ذا شجون تطرّقنا خلاله، قرابة ما يناهز الساعتين، إلى مواضيع عديدة على غرار موضوع صفاقس التي ستستلم، هذه السنة، مشعل تظاهرة عاصمة الثقافة العربية من شقيقتها الجزائرية قسنطينة، وإلى مجالات التعاون الثقافي التونسي الجزائري وخاصة مجال السينما والإنتاجات السينمائية المشتركة عن بعض شخصيات تاريخنا الواحد، وكذلك إلى التحدّيات الحضارية الخطيرة التي يفرضها تفشّي النزعات الفكرية المتطرفة على بلدينا ومنطقتنا، والتي يتعين على نخبنا المثقفة أن تتجنّد لمواجهتها بكل حزم...
والكتاب من تأليف الأستاذ الجامعي عبد المجيد مرداسي، ومن نشر "منشورات زكي بوزيد" وهو يقع في 240 صفحة ويقدّم مدينة قسنطينة من زاوية طريفة حيث أن المؤلّف انطلق فيه من الـ"طوبونيميا" أي علم الأسماء فلاحق ألف اسم واسم من أسماء المدينة وغاص فيها فخرج منها بنظرة غير مسبوقة عنها.
وهو من خلال غوصه في الأسماء المختلفة التي حملتها مدينة ميلاده وعيشه أثبت أنها استحقت، كما يقول أمزيان فرحاني في تمهيده للكتاب، أن تتحوّل من مجرّد مدينة إلى حاضرة لأنّها "بذلت من الوقت ما يكفي لتعبر القرون وتقهر عذابات النسيان"، ولأنّها "واحدة من أقدم التشكيلات العمرانية في البحر الأبيض المتوسط فهي تسحب خلفها قرابة 2500 سنة من الوجود"، ثم هي تقيم الحجّة على كثافة تاريخها بكل يسر، إذ أنها "تحت تاج ماسينيسا خصوصا كانت مدينة مفتوحة للأعراق والأجناس المختلفة، امتزجت في تربتها النوميدية إسهامات الحضارات الإغريقية والقرطاجية مع غيرها من التأثيرات الثقافية كما كان لها في التاريخ حضور عبر الأعصر الموالية بزخم الأحداث الجليلة مع الممالك الاسلامية للعصر الوسيط ومع الفترة العثمانية إلى غاية مقاومة المدينة البطولية للغزو الاستعماري ثم بانخراطها في المعركة من أجل الاستقلال".
أما من الناحية الجغرافية فإنّها تتبوّأ "موقعا يثير الذهول فهي تتربّع باستعلاء على جبل من الغرانيت مقدّمة مثالا فريدا يكاد يكون استعراضيا لما تكون عليه العلاقة بين المدينة وموقعها وقد أضفى عليها هذا البعد تميزا استثنائيا يصيب لا شك بالدوار"...
وعلى العموم فإنّ هذا الكتاب الذي يمنح قارئه لذّة الاكتشاف ومتعة القراءة يرجع الفضل في ظهوره إلى احتفالية "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية سنة 2016" التي أحسن الاستاذ عز الدين ميهوبي بحسّه الشاعري الرهيف، وأفقه الفكري الرحب، وتجربته الثقافية الطويلة المتنوّعة إدارة فعالياتها وتأمين أسباب نجاحها...
ولكم نتمنّى أن تنسج صفاقس على نفس المنوال وأن تُتَوِّجَ تظاهرتها بِإصْدَارٍ من نفس القيمة ومن نفس الطراز...
محمد ابراهيم الحصايري
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
- اكتب تعليق
- تعليق
أصداء المؤسسات