ما المصير؟
في وقت يبدو فيه الوضع غير مستقر في تونس، وترتفع فيه المطالبات الاجتماعية إلى الأقصى، وتتهدد البلاد تطورات مثل تلك التي شهدها شهر جانفي 2016، إزاء استمرار التحديات المتمثلة في البطالة، والتي لم تستجب لها السلطة، وليس في استطاعتها موضوعيا الاستجابة لها، وفي وقت تظهر فيه الآفاق مسدودة، تبدو تونس وكما لو كانت على حافة هاوية عميقة، تتمظهر في أمرين اثنين:
أولهما، ما الذي تعده الأيام المقبلة لليبيا، وهل ستكون موقعا لحرب مدمرة، وهجوم ساحق؟
وثانيهما، ما الذي ينتظر تونس، سواء من جراء تلك الحرب أو باحتمال وارد، هو أن يكون بين اللاجئين المحتملين من القطر الشقيق، أعداد وافرة من الإرهابيين، هذا عدا ما عساه أن يحرك ما يسمى بالخلايا النائمة في البلاد، مدعومة بالوافدين من القطر الليبي المنفلت من كل انضباط.
وإذ ما زالت السلطة التونسية تأمل في أن لا تتحرك الأساطيل المتربصة على أبواب السواحل الليبية، والغير بعيدة عن سواحلنا، فإنها إما أنها غير متيقظة لحقيقة الأخطار، أو أنها لا تصارح الشعب التونسي بحقيقة ما هو آت من أخطار، والأغلب هو الاحتمال الثاني. فالعدة تم إعدادها، بإحكام كامل، وليس من العادة أن توجه قوات للحرب، وتنكص عنها، إلا في حالة استسلام الطرف المقصود ضربه، فالحرب هي الوجه الآخر والكريه للسياسة، وما لا يتحقق سياسيا، يفرض بقوة السلاح عسكريا.
وقد وصل الوضع في ليبيا إلى نقطة اللاعودة كما يقول العسكريون، فداعش من جهة وهذا ما يقال، وفجر ليبيا وحلفاؤها وعلي الصلابي وعبد الحكيم بلحاج والميليشيات حولهما وهذا ما لا يقال، تقلق أكبر قلق الجــهات الأوروبية والغربية، خوفا من قيام نظام يستولي على الغرب الليبي يدعو لنظام ذي مرجعية إسلامية متطرفة، تتناقض مع القيم الكونية، ومن هنا فإنه يكون واضحا أن الحرب إن قامت، فإنها ستحاول أن تسحق داعش ، وذلك ليس سهلا، وتقصب أجنحة الحكم القائم حاليا في الشرق الليبي المحاذي لتونس والجزائر.
وليبيا لا تحكمها اليوم دولة مركزية، ففي شرقها حكومة، تعتبر دوليا الحكومة الشرعية، على اعتبار أنها منبثقة من انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة، وقد اضطرت تلك الحكومة إلى الجوء إلى طبرق للانتصاب فيها، بينما الغرب الليبي واقع تحت يد فجر ليبيا، الفرع الليبي للإخوان المسلمين ، ولميليشيات متنوعة التوجهات، لا تعترف كلها بحكومة طبرق وفقا لحكم صادر عن المحكمة العليا الليبية المستقرة بطرابلس والواقعة تحت إمرة المؤتمر الوطني، البرلمان السابق الذي انتهت ولايته، والذي لم تعد تعترف به الشرعية الدولية، ولكن تؤيده كل من تركيا (الإخوان المسلمين) وقطر.
إذن لا بد من الوعي بحقيقة لا يصرح بها أحد، وهي أن "حملة ليبيا" لا تستهدف فقط داعش، ولكن أيضا جهات أخرى واضحة المعالم.
وانطلاق الحملة، ينتظر لا فقط تشكيل حكومة السراج، بل وأيضا دعوة صادرة منها لبدء العمليات العسكرية، لإعطائها صبغة الشرعية، وهي شرعية إن لم تأت من حكومة ليبية جديدة، فإنها ستكون مكتسبة شرعية ما يمكن أن يسمى بشرعية الدفاع عن الذات، عبر مقولة أن الوضع الليبي بات يتهدد عددا من الدول الغربية في عقر دارها عن طريق داعش وإرهابها.
ولن ينتظر الأمر طويلا لبدء الهجوم على ليبيا، فالوضع متفاقم والتمدد الداعشي متواصل، ولكن دول الجوار مترددة أكبر التردد في إعطاء ضوء أخضر، للقصف في مرحلة أولى، قبل الإنزال الجوي والبحري الذي لا مندوحة عنه لاستكمال السيطرة.
ولكل من الجزائر ومصر أسبابها خشية فعلية، من أن تمتد الفوضى إلى بلدانهما، فقد دلت التجارب السابقة في الشرق الأوسط على أن التدخل الغربي يؤدي إلى فوضى، ليست خلاقة ولا هم يحزنون، أما تونس وزيادة عن تلك الأسباب فإن لها سببا آخر غير معلن، يتمثل في انقسام السلطة بين الجهات المدنية المرجعية و الجهات ذات المرجعية الدينية (النهضة)، ففيما تؤيد الأولى من طرف خفي حكومة طبرق (باستثناء ما أقدم عليه وزير الخارجية السابق الطيب البكوش من فتح سفارة لتونس في طرابلس)، فإن الثانية لا تخفي تأييدها لفجر ليبيا وذيوله، وهي تخشى أن يكون الهجوم المقبل، فرصة للقضاء عليه في أعقاب القضاء على داعش، إن قدر وتم مثل ذلك القضاء.
وتونس التي لها تجربة في استقبال عشرات آلاف الليبيين في سنة 1911 هروبا من الحرب الإيطالية، ومئات الآلاف في 2011 إبان الثورة اليبية تخشى، أن يكون الدفق أكبر، في وقت لا يبدو فيه أن الأجهزة الأممية والصليب الأحمر الدولي، المنشغلة بما يجري في الشرق الأوسط وذيوله في أوروبا على قدرة على التدخل لإنجاد تونس، فيثقل عليها العبء إلى حد عدم القدرة على تحمله وحدها، وقد دلت التجربة، في وقت كانت فيه الأجهزة متفرغة نسبيا إلا من القضايا المزمنة للاجئين في سنة 2011، أن تونس لم تنل ما كان موعودا لها.
وإلى جانب الخوف من أن تؤدي حرب جديدة على ليبيا، إلى دفق فوق الطاقة، فإن تونس تبدو على خشية كبيرة من أن يحمل اللاجؤن الفارون من أتون الحرب، من ليبيين وأجانب في وفاضهم مزيدا من الداعشيين ليس فقط المحتمين بل، بالخصوص المخططين لعمليات إرهابية في البلاد، فتزيد من هشاشة وضع هو هش بحد ذاته،، هذا فضلا عن تحريك خلايا نائمة، إذ لا ينبغي نسيان ما قاله وزير الداخلية الأسبق لطفي بن جدو من أنه تم منع 19 ألف من الشباب من الالتحاق بسوريا للانضمام للحرب هناك، وهؤلاء يشكلون طابورا خامسا، تزداد خطورته بمزيد قدوم لفيف من الداعشيين.
عبد اللطيف الفراتي
- اكتب تعليق
- تعليق