نــــخـوة الشّـعـر فـي زمـن الشّــارقــة
حصل لي في 3 جانفي 2016 وعلى امتداد أسبوع شرف المشاركة في مهرجان الشارقة للشّعر العربي بدولة الامارات العربية المتحدة والوقوف على ضفاف هذه المحطّة الأدبية والثقافيّة الكبرى التي بلغت هذه السنة دورتها الرّابعة عشرة.
وليس غريبا أن ينتظرها أهل الفكر والفن و عشّاق الأدب والشعر بكل شغف وشوق في ربوع هذه الإمارة الجميلة ويمنحونها دعمهم اللاّمحدود وفي طليعتهم حاكم الشارقة سموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمّد القاسمي الذي حرّك سواكن الإبداع في هذا البلد وحرص على إرساء تقاليد الوفاء لديوان العرب وأعاد اليه مشهده البهيّ بمذاق اَخر وبنكهة أصيلة تنعطف على الماضي لتؤسّس الحاضر وتطرّزه بحروف تنسج الأمل وتزرع بذور الأمل والمحبة على وجه الأرض. كما أعطى للآداب والفنون مكانتها اللائقة من خلال مبادرته الرّائدة وغير المسبوقة بإنشاء ألف بيت شعر بكافة أقطار الوطن العربي، وهاهي أولى نتائج هذه المبادرة بدأت تتحقّق في كل من المفرق بالأردن ونواق الشط بموريتانيا والأقصر بجمهورية مصر العربية والقيروان .
وأعتقد أنّ الاهتمام بالشعر والشعراء ولا سيّما في هذا العصر الذي اكتسحته الوسائط التكنولوجيّة وتراجعت فيه الكثير من القيم الانسانيّة هو مراهنة قويّة وشجاعة على أنّ الشّعر يبقى الجذوة التي لا يمكن لها أن تنطفأ والبريق الذي لا يخبو والمفتاح إلى الحضارة وإلى انسانيّة الانسان ومن أهم الأدوات التي تشكّل لغة الإبداع والفكر في أرقي صورها، وبامكانها أن تستبصر الأشياء الغائبة وتسهم في صنع الذّائقة الشعريّة .فاذا تواصل هذا المدّ الأدبي وبلغ ماَربه وأهدافه فمن البديهي أن تتعافى القصيدة وتخرج إلى دائرة الضوء وتسترجع مجدها ونضارتها.
وبالعودة الى ما تشهده الشارقة من تحوّلات نوعية في مسارها الحضاري والثقافي فانّي أميل الى الاعتقاد أنّ هذه الامارة تعيش اليوم زمنا مختلفا عن غيره وهو زمن الرسم بالكلمات وزمن العبور المتوهّج عبر البيان إلى ضفاف النور... فكلّما كانت الإرادة السياسيّة داعمة لشؤون الفكر والأدب وحاملة في يدها لواء الحرف النابض بالحياة وحريصة على الرفع من مكانة الإبداع والمبدعين كلّما كان الواقع أجمل من الحلم واتضحت ملامح الغد واتّسعت الرؤى لأنّ الشّعر يحمل ما يحمل من هموم الناس وجراحاتهم...
لقد كان مهرجان الشارقة للشّعر العربي واحدا من أبرز عناصر هذه المنظومة الأدبية والمكان اللافت الذي جمع ثلّة من كبار الأصوات والقامات الشّعريّة بوطننا العربي واستقطب في ذات الوقت عددا هاما من ألمع الدكاترة والأدباء والنقّاد لذلك لم يكن غريبا أن يتابع هذه التظاهرة جمهور نوعيّ متميّز أصغى الى القراءات الشعرية والمداخلات بانتباه وتفاعل مع مضامينها الراقية. فشكرا للشارقة التي منحتنا فرصة المشاركة والاستمتاع بهذا المناخ الأدبي الشيّق وشكرا لأميرها وصانع مجدها الشعري وشكرا لرئيس دائرة الثقافة والإعلام عبد الله محمد العويس ولكل المنسّقين والمسؤولين ممّن تكاتفوا من أجل إنجاح هذا التوجه الرائد وشكرا لمدير بيت الشعر بالشارقة الشاعر المتألّق محمد عبد الله البريكي وشكرا لأهل هذا البلد الطيّبين الذين ساهموا بسخاء في توفير أسباب الراحة للشعراء والأدباء وضيوف المهرجان بهذه الامارة التي والحق يقال سحرتنا بمبانيها الشاهقة ومحلاّتها الأنيقة وبحرها اللّازوردي الجميل وشوارعها الفسيحة التي يحيط بها الاخضرار وتعانقها الورود والرياحين ، هذه الإمارة التي تحوّل جمالها وحسنها الى قصيدة أخرى في قلوبنا.
عـبـد العـزيـز الهـمّـــامـي
- اكتب تعليق
- تعليق