السعوديّة - إيران: ماذا بعد القطيعة؟

لم يتفاجأ الرأي العام الدولي بقرار المملكة العربيّة السعوديّة مساء الأحد قطع علاقاتها مع طهران ومطالبة كلّ الديبلوماسيين الإيرانيين بمغادرة أراضيها، فقد بلغ التوتّر أوجه بين الرياض وطهران في الأيّام الأخيرة بعد إعدام القيادي الشيعي نمر باقر النمر الذي نزلته إيران في إطار طائفي يتمثل في اضطهاد الشيعة.

وقد اقتحم متظاهرون إيرانيون السفارة السعودية في طهران وأنزلوا العلم السعودي عن مبنى السفارة وأضراموا النيران في القنصلية بمدينة مشهد.

حرب التصريحات

وصرّح المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي، أمس، أنّ السعودية ستواجه "انتقاما إلهيا" بعد إعدامها رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، وذلك ساعات بعد مهاجمة متظاهرين مبنى السفارة السعودية في طهران.
وقال "خامنئي"، في خطاب أمام رجال دين في العاصمة أورده موقعه الإلكتروني الرسمي، إن "الانتقام الإلهي سيطال هذا النظام بدون شك" في إشارة إلى إعدام السلطات السعودية أمس "النمر" مع 46 مدانا آخرين.
وخرج شيعة البحرين للتنديد بتنفيذ حكم الإعدام على رجل الدين الشيعي نمر النمر في المملكة العربية السعودية، عقب تصريحات المسؤولين الإيرانيين.

وشهدت القطيف، شرقي المملكة العربية السعودية، مظاهرة ردد المشاركون فيها هتاف "يسقط آل سعود"، حسب شهود عيان لـ"بي بي سي" في المنطقة ذات الأغلبية الشيعية.

واعتبر الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله من ناحيته، إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، بالتصرف الذي يظهر وجهها الإرهابي والحقيقي، حد قوله، مؤكدا أنّ ما حصل ليس حادثة يمكن العبور عنها.

وقال نصرالله، في كلمة متلفزة  "إعدام الشيخ النمر يقدم الوجه الإرهابي والإجرامي والتكفيري الحقيقي للسعودية أمام العالم، وهو ليس حادثة يمكن العبور عنها"، متوعدا بأن "دماء الشيخ النمر ستملأ وجوه وأجساد وتاريخ وحاضر آل سعود في الدنيا والآخرة".

وقال عادل الجبير وزير الخارجيّة السعودي في مؤتمر صحفي إن الاعتداء على السفارة السعودية والقنصلية السعودية يعد انتهاكاً صارخاً للمواثيق الدولية، مشيراً إلى أن النظام الإيراني يحمل سجلاً طويلاً من الاعتداءات على السفارات، حيث إن الإيرانيين اعتدوا من قبل على السفارتين الأميركية والبريطانية.

وأضاف الجبير أن إيران توفر الحماية لقادة القاعدة وتهريب الأسلحة، مشدداً على أن المملكة العربية السعودية عازمة على الاستمرار في نهجها للقضاء على الإرهاب عبر تأييد القوة العربية المشتركة، وسعيها لإقامة تحالف إسلامي عسكري لمواجهة التطرف.

التداعيات المحتملة للأزمة

ولعلّ السؤال الذي يفرض نفسه في ظلّ حرب التصريحات المشتعلة بين الجبهتين "السنيّة" بقيادة السعوديّة و"الشيعيّة" بقيادة إيران والتوترات السائدة بين هذين الجبهتين في العراق وسوريا والحرب الدائرة في اليمن  بين التحالف العربي والحوثيين، هو التالي: هل ستؤدي هذه الأزمة المستعرة إلى حرب مذهبيّة مسلحة بين الجبهتين في الفترة المقبلة، خاصّة وأنّ أطرافا من خارج الإقليم بحثت عن هذا السيناريو منذ سنوات؟
هذه الحرب، إذا ما قامت، ستكون لها انعكاسات كارثيّة على المنطقة بأسرها وستؤدي حتما إلى القضاء على ما تبقى من قدرات عربية وإسلاميّة. غير أنّ التعقّل وتقدير العواقب الوخيمة لمثل هذا النزاع المسلّح سيحملان الرياض وطهران على تفاديه بكل السبل الممكنة، وذلك بتوخي سياسة ضبط النفس.

بيد أنّه من المرجح أن تستغل عناصر متطرّفة من الجانبين  الوضع لمزيد إشعال الأزمة من خلال تفجيرات وأعمال إرهابيّة متبادلة بين سنّة وشيعة.

وبادرت واشنطن يوم الإثنين بالدعوة إلى الهدوء وقال مسؤول بإدارة أوباما: "نعتقد أنّ التواصل والمحادثات المباشرة تظلّ أمرا جوهريّا في حالة الخلافات وسنواصل حثّ القادة في المنطقة على اتخاذ خطوات لتهدئة التوتّر."

ومن المحتمل أن ينسج عدد من دول الخليج ، ماعدا قطر وربّما سلطنة عمان، على منوال الرياض فتقطع علاقاتها مع طهران. وكانت البحرين في مقدّمة هذه الدول التي اتخذت مثل هذا القرار يوم الإثنين، في ما اكتفت الإمارات بتخفيض التمثيل الديبلوماسي مع إيران. ولاشكّ أن هذا البلد قد أخذ في الاعتبار مصالحه الحيويّة، لاجتناب أزمة اقتصادية طاحنة تمسّ الطرفين، علما بأنّ حجم المبادلات التجاريّة بينهما يبلغ  20 مليار دولار.
كما أنّ استمرار الأزمة سيؤثر في سوق النفط وستؤدي إلى تقلبات صلبها. وقد قفزت أسعار النفط أكثر من اثنين في المائة في أولى ساعات التعامل في عام 2016.

وقفز خام مزيج برنت أكثر من 2.5 في المئة وأكثر من دولار ليصل إلى مستوى مرتفع في الصباح بلغ 38.50 دولار للبرميل اليوم الاثنين، قبل تراجعه إلى 38.28 دولار في الساعة 01:36 بتوقيت غرينتش .

أمّا على صعيد الأوضاع في سوريا، فإنّ الأزمة ستلقي بظلالها على المؤتمر الخاصّ حول هذا البلد، والذي من المنتظر أن ينعقد نهاية الشهر الحالي.