الإنجازات و مبعث الافتخار

الإنجازات و مبعث الافتخار

أنا من مدرسة «نحن» و لست من مدرسة «الأنا»... صعب علي أن أذكر مصدر افتخار شخصي في المسار السياسي، فالإنجازات جماعية أو على الأقل وليدة مسار جماعي، و هذا لا ينزع عنها مسحة الخصوصية والمشاعر الشخصية.

فخورة بأني تونسية، بأنّي امرأة، بأنّي مناضلة، بأنّي في حزب آمن بأنّ التونسيين مواطنون لا رعايا و بأنّ تونس أفضل ممكنة: تلك هي المشاعر التي انتابتني و أنا مع رفاقي أمام وزارة الداخلية ذات 14 جانفي 2011... كنت أهاتف أحبتي و أنا في شارع بورقيبة (و كثير منهم لايزالون يستذكرون معي هذه المكالمات)لأقول لهم: «قد لا تكتب لنا الحياة بعد هذا اليوم لذلك عاهدوني أن تبلغوا للعالم أجمع أن التونسيين كسروا قيود الخوف والاستكانة، أن الشعب التونسي سائر نحو الحرية....» كانت لحظات جميلة وأجمل منها هذا التلاحم بين الجميع، كانت لحظات سياسية بامتياز، تطالب عبر شعارات بسيطة و لكن ما أعمقها، بالحرية وبالشغل، وبالحوكمة الرشيدة... تلك هي ثورة تونس التي ما زالت إلى اليوم تنتظر الاستكمال.

وتوالت الأيام و خضنا انتخابات 2011 و جاءت نتائجها واضحة...وتساءل التونسيون عن مصير وطنهم و عن مصير مكاسبه... و ساد الإحباط شرائح واسعة من التونسيين و بدأت بوادر تقسيم التونسيين تتأكّد في ظلّ تعنّت و استعلاء الفائزين بالانتخابات، الذين لم يفهموا أن الديمقراطية قبل أن تكون حكم الأغلبية (فهذا بديهي) فهي ضمان حق الأقلية ... و كنت من هذه الأقلية المتمسكة بحقوقها و المصرّة على إنقاذ الديمقراطية الناشئة ... و جاء افتتاح أشغال المجلس الوطني التأسيسي الذي انطلق بانتخاب رئيسه، في ظلّ دعوات تريد وأد الديمقراطية في المهد، فقد قيل لنا: «لا معنى للمعارضة في زمن الانتقال الديمقراطي»...
حقا، مؤلم أمر التونسيين... فكلّ من يستلم الحكم، وقد برهن على ذلك المتعاقبون عليه إلى اليوم، عوض أن ييسّر الانتقال الديمقراطي تجده يحنّ إلى الماضي المبني على الواحد الأحد و نبذ التعدد!

كان علينا أن نبيّن موقعنا و أن هناك في تونس من يدافع عن التعدد و أن البناء الديمقراطي عملية معقدة و دائمة... تشاورنا سريعا، و اتفقنا: أتقدم لمنافسة المترشح للرئاسة و المتفق عليه مسبقا في إطار محاصصة الترويكا. لم أتقدم باسم الحزب الديمقراطي التقدمي ولكن باسم المعارضة بالمجلس   وفي ذلك رسالتان وصلتا بوضوح: «لا مكان في تونس الثورة للترشح الأوحد» و«تونس الثورة هي بنسائها ورجالها». كانت رسالة أمل، كانت رسالة مثابرة، كانت عهدا أن طريق الديمقراطية طويل ومستمر لا يقف حدّ انتخابات أولى و لا ثانية... أزعم أن هذه الحركة الجماعية التي جسّدتُها بترشحي قد أعلنت ميلاد المعارضة في المجلس وفي المجتمع و كانـــت النطفة الأولى لحراك واجه نزعة الهيمنة الناشئة للترويكا وللنهضة بالتحديد. و ما يزيد هذه اللحظة مغزى بالنسبة إليّ وبالتالي مساري هي تلك الحركة الجميلة التي قام بها الشهيد محمد البراهمي الذي سحب ترشحه لصالحي في رســـالة وحــدة و تضامـــن لن أنساها مــا حييت. طيب الله ثراك، شهيد الوطن !

ولا أعتقد أنه يمكن أن نختلف في أن مسار كتابة الدستور هو إنجاز يبعث على افتخار، لا السياسيين فحسب، بل عموم التونسيين، ولن أنسى شخصيّا نقاشاتنا التاريخية في لجنة التوطئة التي كنا، أنا وعصام الشابي والشاب فؤاد ثامر، أعضاء فيها عن الكتلة الديمقراطية... كان بحق دستور تشاركيا، و هل أحســـن دليل على ذلك من مسيرة 13 أوت 2012 التي خـــرج فيهـــا عشـــرات الآلاف من أجل إدراج المساواة في الدستور؟ و هل أبلغ دليل على ذلك من التحركات والنقاشات والاعتصامات في تونس و في مختلف المدن، بل وفي مختلف الأرياف التي زرتها آنذاك؟ الكل يناقش و يبدي الرأي ويحتج ويقترح، تلك هي تونس التي نحب و التي يجــب أن تبقــى رغم كل أسباب الإحبـــاط و السلبية التي ما فتئت تتراكم اليوم !

مبعث افتخاري أيضا، أننا في الحزب الذي أمثله لم نختر الحلول السهلة و لم نبحث على حشد الدعم لنا على أساس وعود كاذبة، فمهما كانت النتائج  الانتخابية أفتخـــر أننا حـــزب لا يَعِد جزافا و لا يقول ما يطلبــه الآخــرون، وأفتخر أنــه في ظــرف جـــد صعب في تونس كنا أول من صدع بضرورة الحوار والتوافق، و هل يتحاور السياسي مع مؤيديه؟ الحوار هو مع الخصم ومع الضفة الأخرى، هذا ما نادينا به مـــن أجل الدستور ومن أجل استقــرار البلاد، وهذا ما أًُنجز رغم طول الطريق ورغم الأخذ و الرد والتشــويــه أو المغالطة... الأهم أننا توصلنا لذلك والأهم أننــا حصّنّا تونــس ولو إلى حين ضد منزلقات كانت تهددها، و لا يرضــاها أي وطنــي...
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.