لحظات مهمّة في مسيرتي النضالية؟
لن أنسى تلك النقاشات المصيرية حول محاور التغيير والتي كانت تشق كل المجتمع السياسي، هل لنا القدرة على مواجهة رأس السلطة و النضال من أجل التداول السلمي على الحكم، و تغيير النظام السياسي على أساس مبادئ الحرية و المساواة، ودولة القانون و الفصل بين السلطات و ترسيخ مبادئ المواطنة (وهي كلّها قضايا كانت في أجندة الحزب الديمقراطي التقدمي) ؟ أم نحن غير قادرين على ذلك فنكتفي بتدرج بطيء يطرح القضايا «المسموح بها»؟... التاريخ والشباب المنتفض وشهداء الثورة بيّنوا أن الطرح الأول هو السليم و أن ذاك ما كانت تحتاجه تونس: تغيير جذري و آفاق جديدة للوطن و المواطنين، فالمتابع للشأن السياسي ما قبل الثورة لا يمكن له أن يتغافل عن لحظة مهمّة في هذا المسار ألا وهي إضراب الجوع لثماني شخصيات وطنية من مشارب وتجارب سياسية مختلفة، تلتقط القمة العالمية للمعلومات المنعقدة في تونس مناسبة لتسليط الضوء على أوضاع الحريات وللمطالبة بما أسميناه آنذاك «الأدنى الديمـــقراطي le smig démocratique»، الأهميّة التي اكتساها هذا التحرك الذي استقطب، ودون مبالغة، اهتمام العالم أجمع، لا تكمن فقط في المطالب التي عبّر عنها، وإنما أيضا في صورة تونس التي نحلم بها والتي تجلت من خلاله: شخصيات وطنية من مدارس قومية ويسارية وإسلامية و ديمقراطية عامة تلتقي حول عهد سياسي فكري لما يجب أن تكون عليه تونس الحداثية و الديمقراطية والعربية المسلمة، تونس التعايش والعدالة والكرامة الإنسانية و الانفتاح و التقدم... كانت لحظات مهمّة في مسيرتي النضالية ولكن، و الأهم مني أنا، كانت لحظات أساسيــة في مسيرة تونس التي كانت تتلمّس طريقها نحو التغيير و أزعم أن عمق هذه النقاشات قد مهّد لحوار الدستور بعد الثورة، لحظات قوية أخرى وتبقــى حيــة في مخيلتـي طيلة حياتي ...لحظة بلغنا خبر اغتيال شكري بلعيد ... وبعدها بأشهر خبر اغتيــال محمد البراهمي...يا إلاهي! هــل وصلنا في تونس إلى حد الاغتيال؟ أمر لا يصدق !
من ذا الذي لا يقبل باستقرار تونس؟ من ذا الذي يجند المرتزقة أو مغسولي الأدمغة ليدخل تونس في دوامة العنف؟ أسئلة لا تزال إلى اليوم تنتظر الجواب رغم التزام الحاكمين في حملاتهم الانتخابية بإماطة اللثام على هذه المأساة التي عاشتها بلادنا، لكن يبدو أنها لم تعد من أولوياتهم !
صور فظيعـة فرضت نفسهـا علينا كلّنا، صور التناحـر والحروب الأهلية، صور العنف الأعمى، صـور كل المخاطر التي تتهدّد بلـدا يعيش الاغتيـالات !
صور لم تزحها إلا تلك التي في كل مرة تأتي لتبيّن نبل مشــاعر هذا الشعب المتماســك و المـــوحد رغــم كل شيء: أمواج متلاطمة من المواطنين، نساء، رجالا، فقراء، أغنيـــاء، مـــن كل الجهات خـــرجت بكلمــة واحـــدة، بصورة واحدة: لا للعنف، تونس ستبقى الصخرة التي تتكسر عليهــا كل محاولات ضـــرب الاستقرار، صور بيّنت أن تــونس لا تخــاف الإرهــاب بل تواجهه مــوحــدة، متفائلة، مصــرّة، مثـــابــرة. تلك هي تونس و لــن تتغيــر رغــم التعــثرات والهــزات، و تلك هي الصــور التي هي نبراسي ومنبع تفاؤلي الـــدائم.
- اكتب تعليق
- تعليق