أخبار - 2023.10.09

محمد النفطي: الحرب في غزة

محمد النفطي: الحرب في غزة

مرت أكثر من 48 ساعة على بداية العملية العسكرية التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية داخل الأراضي الإسرائيلية في السابع من أكتوبر 2023. ولئن لا يمكن في الوقت الحاضر معرفة تطور الأحداث في مسرح العمليات ولو بصفة تقريبية لأسباب عديدة لعل أهمها مرتبط بصفة الحرب التي تتميز بالريبة وعدم الوضوح المتأتي من خصوصية الفاعلين الذين تحكمهم طبيعتهم النفسانية ومن صفة التحليل العملياتي الذي هو تحليل غير موضوعي لأنه يستند إلى جانب موضوعي واحد المتمثل في قدرات فاعل واحد ويبقى الجانب التحليلي الذي يهم العدو غير موضوعي و أخيرا من تطور الأحداث الميدانية على المستوى الميداني التي عادة ما تعصف بكل المخططات الأولية كما يقولون إن أول ضحية في الحرب هي المخطط العملياتي. ورغم ذلك يمكن تقديم تحليل موضوعي لهذه الفترة الأولى من العملية واردافها بتصور لما يمكن أن يحدث في الأيام المقبلة.

في عرض وجيز للعملية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية يذكر انها بادرت بإطلاق عدد هائل من الصواريخ على عدة مدن وقرى داخل حدود إسرائيل شملت تل أبيب والقدس وعديد المدن أو القرى المحاذية لقطاع غزة. وكانت هذه عادة المقاومة في رد الفعل على الغارات التي ينفذها سلاح الجو الإسرائيلي  داخل القطاع  في الماضي. وقد تغير رد الفعل التقليدي الفلسطيني في ثلاثة وجوه على الأقل. لم يبق رد فعل بل أصبح   مبادرة وهو هجوم وكان دفعا مكثفا لما يقارب 5000 صاروخا في الساعات الأولى من العملية. وشمل عددا هاما من المدن وأهما العاصمتان  السياسية والاقتصادي لإسرئيل.

ولم تكتف المقاومة الفلسطينية بهذه المبادرة الجريئة في إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية بل تعدت حاجزا معنويا وماديا لم يقدم عليه أي جيش عربي من قبل وهو اقتحام الحدود الإسرائيلية والمدن داخلها. وتمكنت وحدات المقاومة من الهجوم على قاعدة عسكرية داخل الأراضي الإسرائيلية واقتحام مركز شرطة في أستديروت  و تمكن جنود المقاومة من السيطرة على قرى لها أهمية عسكرية ربما تكون على الطرق اللوجستية أو تحوي مراكز قيادة. ومرة أخرى كان نشاط المقاتلين مماثلا لعمل الوحدات النظامية بل تفوقه بكثير لأنها لم تكتف بالعمل الذي تقوم به الطلائع كتخريب منشأة أو جلب معلومات على الهدف بل تمكن المقاتلون الفلسطينيون من اقتحام الجدار الفاصل والعازل بين أسرائيل وغزة وتسللوا بكل ثقة إلى القاعدة العسكرية ودخلوها وحطموا أو خربوا بعض الدبابات واقتحموا مساكن الجنود الذي كانوا يغطون في سبات عميق واقتادوهم إلى الأسر. وفي مواقع أخرى كان لهم نزال مع الجنود ورجال الأمن الإسرائيلي وأصابوا منهم العديد وأسروا منهم مجموعة هامة. وفي هذا العمل يلاحظ نقلة نوعية في قتال المقاومة الذي أصبح قتالا يفوق قتال الوحدات النظامية في البلدان المتقدمة. ومازال القتال داخل الأراضي الإسرائيلية جاريا بين المقاتلين الفلسطينيين ووحدات العدو لليوم الثالث على التوالي وقد انحصر في ثلاثة مدن أو قرى موجودة في شعاع يقارب 4 كيلومتر على حدود غزة حسبما جاء في وسائل الإعلام الإسرائيلية.

ويمكن الحديث عن نتائج هذه الأيام الثلاثة الأولى بإيجاز وذكر الخسائر البشرية والمادية الهائلة ولكنها لا تفيد التحليل كثيرا لأنها مازالت ترتفع ولا تؤثر على الجانبين بنفس الطريقة. فالخسائر البشرية الفلسطينية وصلت إلى ما يقارب 500 ضحية وتحطمت مباني عديدة من جراء القصف المكثف لكن ذلك لن يؤثر كثيرا على المقاتلين الفلسطينيين  ولا على السكان في غزة لأنهم يحاربون ويجاهدون من أجل الحرية واسترجاع أهم قيمة أمنية وهي الوطن ومعنوياتهم مرتفعة بعد النجاح الأولي للعملية. ولكن الوقت لا يخدم لصالح المقاومة في مجال التموين العسكري فالذخيرة تنقص ولا يمكن مواصلة القتال بنفس الطريقة الهجومية. ولا ندري ما هي احتياطات غزة من الذخيرة بكل أنواعها للتصدي للهجوم المعاكس الإسرائيلي وما هي احتياطات الذخيرة من الصواريخ. 

أما إسرائيل فقد تكبدت خسائر جسيمة في الأرواح التي تقارب ألف ضحية في آخر اليوم الثاني. وتم أسر حوالي 150 فردا من جنود ومدنيين ولم تتسبب الصواريخ في أضرار للمنشات. ولكن الذخيرة الحربية قد لا تنقص الجيش الإسرائيلي في هذه العمليات لأنها تمتلك وحدات انتاجها بالقدر الكافي وتصدر منها ما تريد. ولا نفهم ما يعني به الرئيس الأمريكي عندما يقول أنه وجه الذخيرة لمساعدة إسرائيل. أهي ذخيرة خاصة تدمر أكثر وتقتل أكثر؟ ولكن مجال الخسائر البشرية نقطة ضعف الأكثر أهمية لإسرائيل. ففي الماضي رضيت بتبادل الأسير جاليط بصفقة تقارب ألف سجين فلسطيني. وأما اليوم فهنالك 150 أسيرا.

ما هي الدروس الأولية التي يمكن استخلاصها في هذه المرحلة الأولى من الحرب في غزة؟ الإجابة واضحة وقد ذكرتها وسائل الاعلام الإسرائيلية والغربية المتحالفة معها وهي نجاح أولي للمقاومة الفلسطينية وفشل إسرائيلي. ويهمنا أن نذكر كيف تجلى هذا النجاح الأولي وكيف تبدو مؤشرات الفشل الإسرائيلي إلى حد الآن.

باختصار شديد أرى أن النجاح الأولي للمقاومة متأت من  سببين. الأول نفساني والثاني علمي. اما الأول فهو الإيمان بالقيمة الأمنية المكتسبة لدى المسؤولين السياسيين للمقاومة ولدى المقاتلين بل عند المجتمع الغزوي بأسره  وهي الجهاد في سبيل الوطن والتضحية بالغالي والنفيس للذود عن البيضة. والسبب العلمي وهي مفاجأة سارة لنا وتتمثل في احترام قوانين الحرب واتباع قواعد القتال وهي قوانين تكاد تكون أزلية ولم تتغير منذ العصور الأولى وشملتها مؤلفات المفكرين القدامي والخبراء المعاصرين. وأذكر قوانين وقواعد الحروب التي حوتها المراجع الأمريكية على سبيل المثال. الهجوم هي أول القوانين والمبادرة بالهجوم يكسب صاحبه ميزة أولية. وقد نجحت المقاومة هذه المرة كما نجح الجيش المصري سنة 1973 في حرب العبور. والمفاجأة هي عامل أساسي لنجاح العمليات وكانت المفاجأة كاملة ولم تتمكن أسرائيل من رد أنفاسها حتى الآن.  والأمن ثالثها أو الكتمان هو ما ييسر المفاجأة. وأذكر القانون الرابع وله  أهمية أساسية في قيادة العمليات وفي تخطيطها. وهو ما يطلق عليه وحدة القيادة. فإلى حد الآن وردت علينا معلومات أن حماس والجهاد الإسلامي والقسام تعمل كانها عضو واحد لأنها تحت قيادة موحدة وهو ما يساهم بقدر كبير في النجاح.

والآن يجدر بنا أن نطرح السؤال التالي ماذا سيجري في الأيام المقبلة؟ وربما أصبح الكل يترقب الهجوم البري الذي ستقوم به أسرائيل؟ تفيد المعلومات الإعلامية أن إسرائيل دعت 300.000 من جنود الاحتياط كما حشدت عدد كبيرا من الآليات والدبابات في غلاف غزة و على الحدود مع غزة. ولكن ما زالت ثلاثة مواقع داخل إسرائيل تشهد القتال مع جنودالمقاومة. أرى هذا العدد من جنود الاحتياط موجه بالأساس للراي العام الداخلي في إسرائيل لطمأنته لكي يشعر بالأمن بعد الصدمة التي تلقاها في اليومين الأولين. وموجه للراي العالمي لكسب دعمه حيث يقول لهم إن أسرائيل في خطر كبير وقد تم استدعاء كل الاحتياط لأن الأمر أصبح قضية بقاء على الاحياء. بقيت العملية البرية والهجوم المعاكس. هل أنها ستنفذ داخل غزة؟ الهجوم المعاكس يهدف إلى إعادة تنظيم سابق أو تحطيم عنصر مهاجم أو على الأقل دحره بعيدا عن ترتيبنا. والآن لم تبق إلا ثلاثة مواقع تشهد تبادل النار فإذا تصورنا أن القوات الإسرائيلية ستتمكن من السيطرة عليها مع نهاية اليوم الثالث للقتال ويصبح  غلاف غزة خاليا من حضورالمقاومة فماذا سيكون هدف الهجوم البري داخل القطاع وبأي وسائل مادية؟ الجواب عن هذا السؤال ليس بالسهل. بادئ الأمر لا يمكن للمدرعات دخول قطاع غزة لأنها ستصبح مقبرة لها. فالكثافة السكانية تعد أكبر كثافة في العالم والتكوينة البنائية للقطاع السكاني يحجر على المدرعات الانتشار داخلها حيث تنعدم الروية  والنظر فيها. بقيت إمكانية استعمال قوات خاصة على الأقدام أو محمولة في سيارات ولكنها تترجل لأداء مهمتها ولكن ذلك سيكلفها غاليا إذا اعتبرنا أن ما قامت به أفراد المقاومة داخل أراضي اسرائيل هذه الأيام عمل جريئ وناجع ويمكن أن يفوق عمل الوحدات الإسرائيلية. وتهدف العمليات الخاصة لتحرير الأسرى. ولذلك أرى أن المرحلة الآتية ستكون مركزة على تأمين الغلاف الغزوي وتكثيف الغارات الجوية لتحطيم البنية الأساسية لكسب تفوق عند المفاوضات. ومما يشكل ضغطا على إسرائيل هي سلامة العدد الكبير من أسراها وهذا ما يمكن أن يوفر لها ذريعة لكي لا تقدم على تحريرهم وترضخ للمفاوضة.

محمد النفطي
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.