أخبار - 2023.09.26

رحيل عميدة الصيدلانيّات والصحفيّات والناشطات النسويّات في تونس، الأستاذة درّة بوزيد (1933-2023)

رحيل عميدة الصيدلانيّات والصحفيّات والناشطات النسويّات في تونس، الأستاذة درّة بوزيد (1933-2023)

بقلم د. عادل بن يوسف - غادرتنا عشية الأحد 24 سبتمبر 2023 عن سنّ يناهز التسعين سنة، إحدى نساء تونس الرائدات، الصيدلانية والناشطة في الحقل الطالبي والنسوي والثقافي بتونس منذ مطلع الاستقلال، الأستاذة درّة بوزيد.

ولمن لا يعرف هذه المرأة، لا سيّما من الأجيال الشابة، نورد سيرتها الذاتية وأهمّ المحطات التي مرّت بها وذلك من خلال الشهادة التي أدلت بها لنا خلال الحوار الإذاعي المطوّل الذي أجريناه معها ببيتها بضاحية المرسى يوم الأربعاء 30 أفريل 2014 والذي بُثّ في حلقتين ببرنامج "شهادات حيّة" على أمواج إذاعة المنستير (يومي الأحد 03 و 10 ماي 2014 من الساعة 13.00 د إلى الساعة 14.00 د).

نشأتها

ولدت درّة بوزيد بمدينة صفاقس في سنة 1933 وسط أسرة محافظة من جهة الأب. فوالدها هو حامد بوزيد، الذي كان ناشرا ومثقفا وفنانا وطنيا بصفاقس، سبق أن شيّد والده في جويلية 1881 جدارا يفصل بين ساحل البحر و ميناء صفاقس بغاية منع دخول أسطول جيش الاحتلال الفرنسي إلى ميناء المدينة. أمّا والدتها فهي السيّدة شريفة ملياني، من مواليد حومة السوق بجزيرة جربة من عائلة جزائرية الأصل، لجأت إلى تونس إثر الاحتلال الفرنسي للجزائر.

تخرّجت السيّدة شريفة ملياني من معهد "أرمان فاليار" Armand Fallières" بتونس العاصمة (نهج روسيا اليوم) وناضلت صلب الحركة الشيوعية في العشرينات والثلاثينات. بدأت مسيرتها كمعلّمة بصفاقس حيث تعرّفت على السيّد حامد بوزيد الذي تزوّجها وأنجب منها بنتان: درّة وسميرة (السفيرة السابقة). توفّي والدها حامد بوزيد في سنة 1934 فطلب أعمامها من والدتها الانقطاع عن العمل وملازمة البيت، لكنّها رفضت الانصياع وانتقلت إلى مدينة نابل للعيش والتدريس قرب أحد أخوالها. وبعد تجربة بنابل درّست بباردو ثمّ بتونس العاصمة. وبالتوازي مع التدريس زاولت تعليمها العالي بمعهد الدراسات العليا بتونس حيث تعرّفت على أستاذها محمود المسعدي، الذي ارتبطت به فكان لها الزوج والأب الحنون لابنتيها إلى حين وفاتها في 05 أوت 1990.

دراستها الابتدائية والثانوية

زاولت درّة بوزيد تعليمها الابتدائي بالمدرسة الفرنسية للبنات (نهج روسيا اليوم) والثانوي بمعهد "أرمان فاليار" المجاور لها بتونس العاصمة. ونظرا لغلبة مادتي الفرنسية والانجليزية على التكوين المدرسي آنذاك، كانت تتلقى دروسا وتمارين يومية في اللغة العربية من والدها بالتبنّي، الأستاذ محمود المسعدي. وبالتوازي مع ذلك تلقّت دروسا في الرقص الكلاسيكي والموسيقى والرسم والفنون الجميلة بمدرسة تونس. لكنّ والدتها كانت تريد أن تواصل ابنتها تعليمها العالي بفرنسا.

دراستها العليا بفرنسا

بعد حصولها على البكالوريا تحوّلت درّة بوزيد في أكتوبر 1951 إلى فرنسا لدراسة الصيدلة. وبباريس انضمّت إلى "جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين بفرنسا" (Association des Etudiants Musulmans Nord- Africains) والشعبة الدستورية بباريس ونشطت مع الطلبة التونسيّين بهذين الهيكلين. و في سنة 1952 ساهمت في بعث الصحيفة السرّية "الطالب التونسي" (L’Etudiant Tunisien) ثمّ في تأسيس الاتحاد العام لطلبة تونس في وانتُخِبَتْ في مكتبه الإداري خلال مؤتمره التأسيسي المنعقد بباريس في جويلية 1953 بسبب حالة الحضر المفروضة على البلاد ونفي والدتها منذ 18 جانفي 1952 إلى "فريفيل" (منزل بورقيبة اليوم) ثمّ إلى محتشد رمادة بحكم نشاطها النقابي.

وإثر تخرّجها من كليّة الصيدلة بباريس في سنة 1956 تخصّصت في علم الأمصال (Sérologie) وتحصّلت في جوان 1957 على شهادة في الاختصاص من نفس الكليّة.

مسيرتها المهنية

فور عودتها إلى تونس انتُدبت درّة بوزيد بمستشفى الحبيب ثامر، فكانت ثاني صيدلانية تونسية مسلمة بعد جليلة الرباعي العجيمي (التي سبقتها سنة 1922 الفتاة اليهودية " إيفات حدّاد " Yvette Haddad" المنتصبة بحلق الوادي) فكانت أول صيدلانية مختصّة في الأمصال "Première femme pharmacienne d’officine spécialiste en sérologie" بتونس المستقلّة.

عملت درّة بوزيد من سنة 1957 إلى سنة 1960 بمستشفى الحبيب ثامر حيث أحدثت وأدارت مخبر الأدوية. وفي سنة 1960 فتحت أول صيدلية خاصة بامرأة تونسية مسلمة وذلك بتونس العاصمة. وبالتوازي مع عملها بالقطاع الخاصّ واصلت عملها كمتعاونة مع مخبر مستشفى الحبيب ثامر إلى غاية سنة 1970.

وفي سنة 1990 فضّلت الخروج إلى التقاعد ففوّتت في صيدليتها لتتفرّغ للصحافة والإعلام والنقد الفنّي والكتابة وشؤون العائلة.

مسيرتها الصّحفيّة والإعلامية

في سنة 1951 كتبت درّة بوزيد أول مقال لها بجريدة "الصّباح" التونسية. وفي سنة 1955 كلّفها الأستاذ البشير بن يحمد بكتابة عمود نسائي بصحيفته "أفريك- أكسيون" (Afrique Action) سرعان ما تحوّل إلى صفحة كاملة بعنوان "العمل الأنثوي" (L’Action féminine) نادت من خلاله بالحقوق الكاملة للمرأة. و في سنة 1961 ستتحوّل هذه الصحيفة إلى مجلّة أسبوعية تحمل عنوان "جون أفريك" (Jeune Afrique). كانت تمضي مقالاتها باسم "ليلى تخاطبكم" (Leila vous parle) نسبة إلى "ليلة" (Leila)، أوّل صحيفة نسائية تونسية أسّسا الحزب الدستوري الجديد سنة 1936 وتواصل صدورها إلى غاية سنة 1940 وكانت تديرها أول طبيبة تونسية مسلمة، الدكتورة توحيدة بن الشيخ التي كانت تمضي افتتاحياتها باسم "الطبيبة تخاطبكم" (La Doctoresse vous parle).

وفي سنة 1959 قامت ببعث مجلّة "فائزة" (Faiza) الناطقة بالفرنسية التي تواصل صدورها إلى غاية سنة 1967. وكانت تمضي مقالاتها باسماء مستعارة مختلفة: "فريال" و "درّة بن عيّاد" و " درّة بوزيد " و " كاكتوس (Cactus). وخلال هذه الفترة حظيت بدعم من "والدتها شريفة المسعدي و "والدها"، الأستاذ محمود المسعدي والرئيس الحبيب بورقيبة شخصيّا.

ومن سنة 1959 إلى غاية حوارنا معها في ماي 2014 نشرت في أكثر من 35 صحيفة ومجلّة تونسية وعربية ومغاربية وأوروبية ودولية باللغات الثلاث: العربية والفرنسية والانجليزية، من أهمها: (La Presse) و (L’Action) و (Tunis Hébdo) و (Le Phare) و ( Le Renouveau " و (L’Observateur) و (La Gazette Touristique) و (L’Hebdo Touristique) بين 1986 و 1988 و (7ème Art) سنة 1986 (Le Maghreb) و (Le Diplomate) و (Maroc Magazine) و "Jeune Afrique" و (Afrique Magazine) و (Femme) سنة 1997 و (Femmes et Réalités)...، بين 1972 و 1994.

ومن 12 أفريل 1982 إلى 27 جوان 1983 أنتجت برنامجا إذاعيا بإذاعة تونس الدولية بعنوان: "نقطة لقاء" (Point de rencontre).

إصداراتها

في أكتوبر 1995 أصدرت كتابا عن المدرسة العريقة التي درست بها، مدرسة تونس الفنيّة بعنوان: "مدرسة تونس" (Ecole de Tunis)، منشورات أليف بدعم من المعهد الثقافي الفرنسي، قدمته عديد القنوات والإذاعات ووسائل الإعلام في تونس وخارجها، من أبرزها قناة "أرتي" (Arte) و "فرانس 2" (France 2) ... بتقديم من قبل الإعلامي الفرنسي القدير صديق تونس، "فريدريك ميتيران" (Fréderic Mettirand)، وذلك بمعهد العالم العربي بباريس يوم 17 سبتمبر 1997.

نشاطها الجمعياتي

نشطت درّة بوزيد في عديد الجمعيات والنوادي والمنابر الفنية والاعلامية والنسائية من أبرزها: "الاتحاد القومي النسائي" و " نادي الطاهر الحداد " و "الكريديف"... الخ.

كما كانت لها نشاطات مناسباتية مع "جمعيّة الصحفيّين التونسيّين" (L’Association des Journalistes Tunisiens) و "جمعيّة الصحفيّين العرب" و "منظمة اليونسكو" و "المعهد الثقافي الفرنسي" و "الاتحاد الأوروبي" و جريدتي " لوموند " (Le Monde) و "لوموند ديبلوماتيك" (Le Monde Diplomatique) بين 1991 و 1996 في كل ما يتعلق بقضايا الصّحافة والإعلام وحقوق المرأة والعائلة...، في تونس وبلاد المغرب والعالم العربي وإفريقيا... الخ.

التتويج

نتيجة لناضلها الوطني في الحقل الطلابي والصّحفي والثقافي والمهني...، أحرزت درّة بوزيد على عديد الجوائز والأوسمة وشهادات التقدير التونسية والأجنبية، كان آخرها وسام الاستحقاق الثقافي الفرنسي من طرف وزير الثقافة الفرنسي السابق، "فريدرياك ميتيران" وذلك بمقر إقامة السفير الفرنسي بتونس يوم 25 أكتوبر 2010.

وفي مارس 2013 خرج إلى القاعات التونسية شريطا وثائقيا بـ 54 دقيقة يحمل عنوان: "درّة بوزيد: نضال تونسية" (Dorra Bouzid: une Tunisienne, un combat) من إخراج وليد الطايع، جسّم مسيرة درّة بوزيد من فترة الاستعمار إلى فترة الاستقلال. وعلى امتداد الشريط استعرض المخرج تفاصيل من حياة رائدة الصحافة النسائية فى تونس المستقلّة وجوانب من حياة والدها ووالدتها المناضلة النقابية والمربّية شريفة المسعدي.

وبكثير من التفاصيل تحدّثت عن عملها كصحفيّة وذكرياتها مع الزعيم الراحل بورقيبة وزوجته وسيلة بن عمّار كرحلتها معه إلى الشرق (مصر والمملكة العربية السعودية وفلسطين ولبنان...) سنة 1965. وللتذكير أثناء إقامتها بالمملكة العربية السعودية رافقت حرم الملك فيصل، الأميرة عفّت بنت محمّد بن سعود الثنيان وضيفتها وسيلة بورقيبة في زيارة لأوّل مدرسة للبنات أحدثتها بالمملكة سنة 1955.

كما استحضرت في الشريط محطّات هامة من حياتها الخاصة، على غرار الأجواء العائلية بشقّة الأستاذ محمود المسعدي (بشارع باريس عدد 75 بالطابق الثالث بالعاصمة) و بمخبر مستشفى الحبيب ثامر بتونس حيث بدأت مسيرتها المهنية كصيدلانيّة وبعديد الصحف والمجلات التي كتبت بها ... الخ.

رحم الله الفقيدة ورزق أهلها وذويها وفي مقدمتهم ابنتها البكر فريال (المولودة سنة 1953 بباريس) والأسرة الثقافية عامة جميل الصبر والسلوان. ولئن رحلت درّة بوزيد فإنّ كتاباتها في شتى الأغراض وفي مقدمتها قضية المرأة والأسرة والمجتمع التونسي والعربي...، حتما ستبقى لعقود، بل لقرون أخرى.

د. عادل بن يوسف

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.