أخبار - 2018.10.08

تــونــس: آثار الاحتكار على الاقتصاد الوطني وعلى المستهلك

آثار الاحتكار على الاقتصاد الوطني وعلى المستهلك

يرى الخبير السيد خليفة التونكتي أنّ للاحتكار ثلاثة تأثيرات سلبية على الاقتصاد الوطني: أوّلها تعطيل النموّ الاقتصادي لأنّ المنافسة في الاقتصاديات النامية ضعيفة لعدم توفّر حرية اقتصادية كافية إذ هناك عوائق كبيرة أمام دخـــول الســــوق وبالتّالي لا تتحقّق الأهداف من المنافسة بخفض الأسعار وجودة الإنتاج وهذا يؤدّي إلى تعطيل النموّ الاقتصادي . وثانيها الزيادة في التضخّم وهذا له تأثير سلبي على التشغيل والإنتاج والتصدير والقدرة التنافسية للبلاد. أمّا ثالثها فيتعلّق بتراجع الاستثمارات الخارجية بسبب الصعوبات القائمة في مجالي المنافسة ومقاومة التضخّم... وتذكر أرقام البنك المركزي أنّ ارتفاع الأسعار هو من الأسباب المباشرة التي ساهمت في زيادة نسبة التضخمّ في تونس والتي فاقت 7 ٪‏ خلال السنة الحالية  وتصل حسب الخبراء إلى 10٪‏، وكان المعهد الوطني للإحصاء أكّد على سبيل المثال ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 8.7 ٪ سنة 2017. كما يؤثر الاحتكار حسب مدير الأبحاث الاقتصادية بوزارة التجارة على المقدرة الشرائية للمستهلك ويمسّ ذلك منظومة الاستهلاك عموما، كما يثقل ميزانية الدولة بالنسبة إلى الاعتمادات المخصصة للمواد المدعّمة ويحرم الدولة من مداخيل إضافية بسبب التهرّب الجبائي، علاوة على الكلفة الإضافية للمراقبة والوسائل المستعملة .كما يضرّ الاحتكار بالقطاعات المشتركة معه في حلقة الإنتاج ويؤثّر سلبا على ديمومة القطاعات. ويبقى الضامن الوحيد لتأمين المنافسة والحدّ من الإشكــالات والصعـــوبات هـــي سلطة المنافسة.

ويشير السيد طارق بن جازية المدير العام للمعهد الوطني للاستهلاك من ناحيته إلى أنّ الممارسات الاحتكارية تؤدّي إلى تدهور القدرة الشرائية للتونسيين وتردّي جودة الخدمات.

هل توجد علاقة بين الاحتكار والاقتصاد الموازي؟

عن هذا السؤال يجيب السيد خليفة التونكتي بالقول: «عند وجود اقتصاد مواز فلا معنى للمنافسة لأنّ  هذا الاقتصاد لا يخضع إلى قوانين تزويد السوق وضمان حقوق المستهلك وهذا يعني أنّه لا يوجد اقتصاد منظّم يقوم على قواعد لأنّ المنافسة الحقيقيـــة لا تقــع إلا إذا كان الاقتصاد خاضعا إلى قوانين وترتيبات. ومن جهة أخرى يشجّع الاقتصاد الموازي التجّار على الخروج من السوق المنظّم وتطبيق الاحتكار».

الاحتكار وضعف الرّقابة

يرجع الخبير الاقتصادي السيد خليفة التونكتي تفاقم الاحتكار إلى ضعف إمكانيات الدولة البشرية الرّقابية من حيث العدد والكفاءات لأنّ عملية المراقبة هي عملية تقنية دقيقة تحتاج إلى إمكانيات بشرية ومادية هامة . ومن جهته يؤكّد مدير الأبحاث الاقتصادية بوزارة التجارة أنّ مصالح المراقبة بالوزارة جعلت الممارسات الاحتكارية من أولويات عملها في حدود الإمكانيات البشرية والمادية المتوفّرة.  ويفيد أنّ مصالح المراقبة قامت بتطوير طرق التدخّل وتطبيق رؤية جديدة للرقابة تواكب الممارسات الاحتكارية في السوق، مشيرا إلى أنّه انطلاقا خاصّة من سنة 2012 أصبحت المراقبة نوعية وشاملة من خلال اعتماد المراقبة المشتركة بتجنيد إمكانيات غير متوفّرة لدى مصالح وزارة التجارة مثل التّعزيز الأمني أو الإسناد من هياكل أخرى كوزارة المالية .. ويبيّن السيد حسام التويتي أنّ المراقبة  تتصــدّى إلى  ما ينتج عن الاحتكار من غلاء في الأسعار أو نقص في البضاعة أو ممارسة البيع المشروط وأنّ أغلب نشاطها مركّز على مسالك التوزيع بالتفصيل. ويؤكّد أنّ الرقابة أصبحت تتدخّل على مستوى المخازن ووسائل النقل عبر الطرقات بدوريات مشتركة يقع  تركيزها في نقاط العبور وبعض النقاط المرورية المعروفة بالكثافة لاستهداف نشاط هؤلاء المحتكرين والتدخّل قبل وقوع المشكل ومعالجته. وهذه العمليات هي التي تفضي، حسب السيد حسام التويتي، إلى عدة عمليات حجز تقوم بها مصالح المراقبة.

وبخصوص مدى توصّل الرقابة إلى كشف شبكات الاحتكار، يشير إلى أنّه يصعب التعرّف إلى باروناتها لأنّ  الشّخص الذي تكتشف مصالح المراقبة تورّطه في ممارسة احتكارية يتحمّل وحده تبعات القضية رغم أنّه يمثّل حلقة من حلقات الشبكة ولا يكشف عن بقيّة أفراد الشبكة لحمايتهم وهكذا يستطيع أن يعود إلى العمل معهم بعد قضاء عقوبته، مضيفا أنّ قليلة هي الحالات التي تمّ فيها كشف الشبكة كاملة، وبالتالي تواصل تلك الأيادي الخفية نشاطها الاحتكاري بعد إفلاتها من الرّقابة.

ويرى السيد طارق بن جازية المدير العام للمعهد الوطني للاستهلاك أنّ مواطن الخلل في منظومة مقاومة الممارسات المخلّة بالمنافسة  في عدم توفّر الموارد البشرية العاملة في قطاع المنافسة بالكفاءة المطلوبة ليقوموا بالبحوث الضرورية وفي عدم تقييم قانون إعادة تنظيم المنافسة والأسعار - الذي مضى على صدوره ثلاث سنوات - وإجراء الإصلاحات اللازمة فيه،علاوة على ضعف الاستعلامات الاقتصادية لمتابعة الممارسات الاحتكارية في السوق مثل انتشار المخازن العشوائية.ويقترح السيد طارق بن جازية إصدار مجلة للاستهلاك تجمع كل القوانين المتشابهة في هذا المجال.

متى الحرب على الاحتكار؟

من الواضح أنّ القوانين الرّادعة  للاحتكار والتي تصدر بمقتضاها عقوبات مثل حجز البضائع والخطايا وسجن المخالفين وغلق المحلاّت لم تقض على ظاهرة الاحتكار التي لا يزال يعاني منها المستهلك. كما أنّ الحرب التي أطلقتها الحكومة على الاحتكار والمضاربة منذ نوفمبر 2017 والعقوبات التي أقرّها التشريع لم تكن كافية لحماية المستهلك من بارونات الاحتكار الذين يتعمّدون التخفيض في تموين السوق أو يرفّعون الأسعار ارتفاعا مشطّا.

المخالفات الاحتكاريّة والسّعريّة في سنة 2018

القطاع

المخالفات

خضر وغلال

954

تغذية عامّة   

1986

دواجن وبيض 115
أسماك 9
لحوم حمراء 7
مواد علفية 29
مخابز، مقاهي، مطاعم 509
مواد صناعية حساسة 17
مواد صناعية وخدمات مختلفة 1175
المجموع 4801

سألنا تاجر خضر وغلال عن الحلّ فدعا إلى ضرورة  تشديد العقوبات على المحتكرين حتّى يرتدع كثير منهم. وأكّد هذا التاجر أنّ من يرفع الأسعار هم الوسطاء في كل مكان وهم  الذين يكسبون أرباحا تقدّر بأضعاف ما يكسبه الفلاح أو تاجر التفصيل، مضيفا أنّ لا أحد يحدّد الأسعار سوى الوسطاء.

وتساءل لماذا لا تتدخّل الدولة وتحدّد أسعار الخضر والغلال والأسماك يوميا عند الإنتاج وتفرض على أسواق الجملة سعرا للبيع بالجملة ونسبة ربح محدّدة بما أنّ سوق الجملة هو أوّل حلقة في التسويق يخضع إليها المنتج الفلاح والمخزّن القانوني والوسيط هو الذي يتحكّم في أسعارها. وللهروب من سوق الجملة أحدثت أسواق موازية غير قانونية تباع فيها، حسب منظّمة الدّفاع عن المستهلك، حوالي 60 ٪‏ من منتوجات الخضر والغلال والأسماك.وعدم السيطرة على مسالك التوزيع العشوائية يفقد الدولة رسوما كانت ستكسبها من مسالك التوزيع القانونية.

ومن جهة أخرى فإنّ محاربة الاحتكار تمرّ حسب السيد طارق بن جازية عبر التصدي  إلى انتشار مخازن التبريد العشوائية التي يمكن كشفها بسهولة لو تتعاون فرق المراقبة مع الشركة التونسية للكهرباء والغاز التي تصبح مطالبة بإعلام فرق المراقبة بكلّ من يتولّى تركيب عدّاد كهربائي خاصّ بتشغيل المخازن أو كلّ من يستهلك كهرباء بصورة كبيرة وليس له رخصة لنشاط صناعي.وعموما فإنّ محافظة الدولة على دورها التّعديلي وترك الأسعار حرّة تماما وخاضعة إلى قواعد العرض والطلب يسمح للمحتكرين والمضاربين بالتحكّم في الأسعار وفي النهاية يبقى الضحيّة دائما هو المستهلك والفلاح.
في الختام بقي لنا أن نتساءل: أيّ دور للمستهلك؟

من البديهي أنّ الدولة وحدها غير قادرة على مقاومة الممارسات الاحتكارية بالقوانين فحسب إذ أنّ هناك طرفا آخر يجب أن يكون فاعلا في هذا المجال وهو المستهلك. وهنا يأتي دور منظمة الدفاع عن المستهلك المطالبة اليوم بنشر الوعي الاستهلاكي بين المواطنين ليصبحوا قادرين على توحيد جهودهم ضدّ الممارسات الاحتكارية كلّما ظهرت في منتوج أو أكثر في السوق فيفرضون قرارهم بمقاطعة المنتوج الذي ترتفع أسعاره بسبب الاحتكار أو التشهير بالمحتكرين في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.. .

خــــالد الشّابي

قراءة المزيد:

الاحتكار في تــونـــس : مواقعه وشبكاته وطرقه
ما هي القطاعات التي يمسّها الاحتكار في تــونــس؟
الاحتكــار في تـونــــس, شبكاته تضرب الاقتصاد.. تسحق المستهلك.. وتتحدّى الدولة

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.