أخبار - 2017.11.21

د.غسّان سلامة : إنقاذ ليبيا من التشرذم والإفلاس (فيديو)

د.غسّان سلامة : إنقاذ ليبيا من التشرذم والإفلاس

هناك مسألة مسكوت عنها وهي ترهّل الشرعيات في ليبيا. هل يساعد هذا الوضع في تقديرك على إيجاد تسوية للأزمة الليبية؟

لقـد لاحظـت أمـرا ظريفا للغاية في ليبيــا وهو عندما يسعى الليبيون إلى المصالحة والتقارب في ما بينهم يتحدّثون بلغة بدوية ولمّا يريدون التعدّي على الآخر وتهميشه وإقصاءه يتحدّثون بلغة القانون، فيشكّكون في شرعية الآخر ولا يعترفون به. لو عدت إلى دراساتي القانونية في مطلع شبابي وطبّقتها في ليبيا يمكن لي أن أنكر شرعية كل الأجسام الموجودة في هذا البلد حاليا، إمّا مدّتها قد انقضت، وإمّا طريقة اختيــارها فيها إشكال. اللعب على الشـــرعية الحقـــوقية أمر سهل ولكن لا يــؤدّي إلى نتيجة.

لذلك أكّدت على موضوع جدّ مهمّ وهو الوطنيـة والانتماء إلى وطن واحد..؟

بالتأكيد.أنا أعتقد أنّ هناك أيضا روحا وطنية بين الليبيين وأكرّر لهم أنّ لوح الزجاج عندما ينكسر مرّة تعود كلّ قطعة منه وتنكسر مرّات، وبالتالي إذا ذهبتم في هذا المنطق لن يتوقّف التفريق بينكم... ليس هناك بديل عن الوطنية الليبية. هناك أفكار إيديولوجية عصفت بالمجتمع الليبي من كلّ النواحي ولكن لا حلّ في ليبيا إِلَّا بعودة الفكرة الوطنية القائمة على أنّ الافتراق أغلى ثمنا من التقارب وأنّ ليس ربّما في العالم - باستثناء الحالة التشيكوسلوفاكية- من طلاق لم يتمّ إِلَّا بعد تكسير نصف الصحون في المطبخ لأنّ الطلاق هو إجمالا حالة غضب...ثمّ هناك دائما في حالات التقسيم والافتراق حروب على الحدود بين منطقة ومنطقة أخرى انفصلت عنها. فلننظر إلى ما حدث في جنوب السودان. أقول لكم اليوم لأوّل مرّة إنّ الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) طلب منّي أن أشارك في لجنة الاستفتاء على استقلال جنوب السودان، فكتبت له بالرفض وقلت له إنّي أتوقّع حربا أهلية طاحنة داخل جنوب السودان لا أريد أن أكون شاهد زور عليها. نجح الاستفتاء بنسبة عالية جدًّا وانفصل الجنوب عن الشمال. ماذا حصل بعد أقلّ من عام من ذلك؟ حصلت أسوأ حرب أهلية تدور رحاها حاليا في جنوب السودان... اللعب بالتقسيم لعبة خطرة جدًّا ولا تنتهي.

في حقيقة الأمر، الخطر في ليبيا ليس التقسيم وإنّما التشرذم، فكأنّ شيئا انفجر بذاته وتشظّى إلى ألف قطعة. إنّك اليوم أمام هويّات محليّة جدّا تتنافس على المكاسب...

إذا كان هناك بئر نفط، فإنّك تجد ثلاث أو أربع قرى تتنافس عليها، وإذا كان هناك طريق دولية فإنّك تجد عصابات تسعى إلى السطو عليها ...

هل أنّ غياب الحسّ الوطني يقف إذن عقبة أمام إيجاد تسوية للأزمة الليبية؟

بعد سقوط نظام القذافي قامت منظومة اقتصادية بالكامل تعتمد على الاستيلاء على مقدّرات البلد ونهب موارده المالية ومختلف موارده الأخرى، ممّا أدّى إلى بروز طبقة سياسية تدعم هذا النهب وليس لها أيةّ مصلحة في أن يتغيّر هذا الوضع. أنا أسمي العقبة الأساسية أمـام تســـوية الأزمة الليبية حزبٓ «الوضـع القائـم»، (le parti du statuquo) أي مجموع السياسيين والمجموعات المسلّحة ومتعاطي التجارة غير الشرعية وأفراد العصابات الإجرامية الذين يتعاونون مع بعضهم البعض كلّ يوم لنهب بلادهم إلى آخر حدّ. إذا لم يتم كسر هذه المنظومة فإنّ العملية لن تكون سوى عملية تجميل... والحالة الليبية -التي هي جديرة بأن تدرس- لم أجد ما يشابهها في مكان آخر: في هذا البلد بلغ النهب أقصى مستواه ممّا جعله يخلق أثرياء جددا كلّ يوم، في حين أصاب التفقير الطبقة الوسطى في الصميم. مستوى عيش مجمل الليبيين ينحدر بنسق سريع للغاية في الوقت الذي تتجمّع فيه الثروات المكتسبة في غالب الأحيان بطرق غير مشروعة بين أيادي أناس تختلف أدوارهم: أفراد عصابات وسياسيون ومنحرفون ... وإذا ما استمرّ هذا الوضع ستكون ليبيا في حالة إفلاس مالي في أقلّ من 18 شهرا.

وضعية الشعب الليبي مأساويّة، فقد ضاق ذرعا بممارسات السياسيين وأصبح يعاني الأمرّين جرّاء ظروفه المعيشية الصعبة. ما هي الجهود التي تقوم بها البعثة الأمميّة لتحسين الحياة اليومية للمواطن الليبي؟

من هذه الناحية الوضع الليبي هو أيضا غير عادي.لمّا تذهب الأمم المتحدة إلى بلدان فقيرة فإنّها تهتمّ بالجانب الإنساني بقدر اهتمامها بالجانب السياسي. ففي اليمن مثلا حجم العمل الإنساني للأمم المتحدة أكبر بكثير من حجم العمل السياسي.

كان دخل الفــرد في ليبيا السنـوي قبـل الأحداث الأخيرة 11 ألف دولار، بما يضـــع هذا البلد ضمن الدول المتوسطة في العالم التي يبلغ فيها الدخــل الفردي مستوى عاليا نسبيّا. لذلك من الصعب على عدد من المنظّمات الدوليّة - إن لم نقل من غير المسموح لها قانونا- أن تقدّم مساعدات لبلد ينتج يوميا مليون ونصف برميل من النفط. يقــول الليبيون أحيـــانا: «نحـــن لا نحتاج إلى مساعدات. لقد كنّا نساعد بلدانا إفريقية بالمال وبالاستثمارات». وأنا أحترم هذه النخوة، ولكن لسوء الحظّ التسارع في عملية تفقير الطبقة المتوسّطة يجعل ليبيا في حاجة إلى مساعـدات. ولذلك أسّست البعثة صندوقا للاستقرار يشـــارك فيه عـــدد من الدول القـادرة، لم يزل في أوّلـه إذ عمل منذ عام فقط. وأنـا أحاول مضـاعفة رأس ماله حاليا لكي نصـــل إلى المساعدة في عدد من الحالات. عائدات النفط تكفي فقط لدفع رواتب موظفي الدولة الليبية بسبب تكاثــرهم غير الطبيعي بل السرطاني خلال السنـوات الستّ الماضية وبالتالي لا تتضمّــــن الميزانية أي شيء للاستثمارات أو لصيـــانة المستشفيــات أو المـــــدارس. من خــلال صندوق الاستقرار هذا، نعمل على معالجة بعض الحـالات، حيث نقوم حاليا بصيانة مدارس في بنغازي وككلة وتوارغة ونعمل على تجديد وتقوية أقسام غسيل الكلى في كل مستشفيات ليببا وتحسين وضع السجون والسجناء الذين هم في ليبيا حاليا إجمالا خارج سجون الدولـــة وفي سجون تسيــطر عليهـا فئات مسلّحـــة. كــلّ منظّمـات الأمـــم المتحـدة تعمــل في مجـــالات اختصـــاصها في ليبــيا. لكن جديد على ليبيا وجديد على الأمم المتحدة أن تضطرّ هذه المنظّمة إلى أن تأتي  بأموال خارجية لمعالجة الحالة الإنســانية في بلد ينتج مليونا أومليونا ونصف برميل من النفط يوميا.

عبد الحفيظ الهرڤام

قراءة المزيد:

د.غسّان سلامة المبعوث الأممي الخاصّ إلى ليبيا: لماذا قبل المُهمّة وإلى أين وصلت مساعيه

د.غسّان سلامة: خـطّة العمـل لحـلّ الأزمـة الليبية

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.