‭ ‬الصحبي‭ ‬الوهايبي: عمّــــار‭ ‬والمـــســـــتقبــــل

‭ ‬الصحبي‭ ‬الوهايبي: عمّــــار‭ ‬والمـــســـــتقبــــل

قال الرّجل لمدير النّزل: «أكاد أجنّ من شدّة الأرق؛ جاري الذي يقيم في الغرفة رقم 23 لا يكـــفّ عــــن الكلام اللّيلَ كلّه؛ إلى من يتحدّث؟»؛ فقال مدير النّزل: «أنا آسف، آسف جدّا؛ إنّه يتحدّث إلى نفسه»؛ فقاطعه الرّجل: «ولماذا يرفع صوته إذا؟»؛ وردّ المدير، كأنّه يعتذر: «لأنّه أطرش!». والحديث إلى النّفس يورث الهلواس، والهلواس يورث ضُعف التّركيز، وضُعف التّركيز يورث الفوضى؛ حتّى لو بدا كلّ شيء مرتّبا، منظّما ومرصّفا... كحــال ذلك الذي دخل فضاء تجاريّا كبيرا يسأل عن الدّجاج، فقال له الموظّف: «هل تريده حيّا أم مذبوحا؟»؛ قال: «مذبوحا»؛ قال له: «إذن، اصعد إلى الطّابق الأوّل»، فصعد وسأل عن الفراخ المذبوحة، فقال له الموظّف هناك: «هل تريدها مقطّعة أم كاملة؟»، قال: «مقطّعة»، فقال له: «إذن، اصعد إلى الطّابق الثّاني»، فصعد وسأل عن الفراخ المذبوحة والمقطّعة، فقال له الموظّف هناك: «هل تريدها معلّبة أم سائبة؟»، قال: «معلّبة»، فقال له: «إذن، اصعد إلى الطّابق الثّالث»، فصعــد وســأل عن الفراخ المذبوحة والمقطّعة والمعلّبة، فقال له الموظّف المهذّب: «آسـف يا أخي، ليس عندنا فراخ اليوم، ربّما غدا، ولكن، رجاء، قلْ لي ما رأيك في النّظام عندنا؟»... ولا نحبّ أن نجحف في حقّ الحكومة، فهي ما انفكّت تصل اللّيل بالنّهار جهدا وبذلا وعطاء؛ وتعالج الخلل في حينه، كما تفعل بالولاة، تستبدل واليا بوالٍ، بين عشيّة وضحاها، كأنّهم «بُوجِيــاتُ» محرّك يأبى أن يدور...  في الهزيع الأخير من اللّيل هبط النّزيل مهرولا إلى بهو الفندق فأيقظ عونَ الاستقبال: «من فضلك، كوب ماء!» ثمّ أخذ الكوب وصعد إلى غرفته ركضا، ولكنّه لم يغب إلاّ قليلا حتّى عاد يوقظ عون الاستقبال مرّة أخرى: «من فضلك، كوب ماء آخر!»؛ وظلّ صاعدا نازلا على حالته تلك حتّى أوشك الصّبح أن يبزغ، فقال له العون: «ما كلّ هذا العطش؟ يبدو أنّك تعشّيت البارحة طعاما مِلْحًا»؛ فقال النّزيل: «كلاّ، أبدا، ولكنّ حريقا شبّ في غرفتي وتسرّب إلى الرّواق ويكاد يأتي على الغرف المجاورة! كيف لم يعمل جهاز الإنذار عندك؟»؛ فقال العون: «خشيت أن يُزعج النّزلاء إذا رنّ فأطفأته»... يبدو أنّ حكومتنا أطفأت أجهزة الإنذار حتّى لا تفسد علينا سباتنا؛ ويبدو أنّ وزراء حكومتنا يتوافدون على ولاياتِ الدّاخل حاملين في كلّ زيارة كوب ماء، يطفئون به بعضا من الحريق الذي اندلع...

سأل أبوان ابنهما «ماذا تريد أن تصبح في المستقبل، حين تكبر، يا عمّار؟» فلمّا عاينا أنّ الطفل لا يجيب، قرّرا أن يختبراه بطريقة علميّة تدحض الشّكّ باليقين، فوضعا على الطاولة أمامهما أغراضا أربعة حتى يريا أيّها يختار. وكان على الطّاولة قارورة فودكا، ونسخة من المصحف، ومائتا دينار، ومجلّة خليعة؛ وقال الزّوج لزوجته: «إذا اختار ابننا قارورة الفودكا فسيكون سكّيرا، وإذا اختار المصحف فسيكون تقيّا، وإذا اختار الفلوس فسيكون رجل أعمال، وإذا اختار المجلّة فسيكون صعلوكا»؛ فلمّا دخل الطفل عمّار الغرفة، تردّد قليلا، ثمّ جمع الأغراض الأربعة كلّها إليه؛ فرفعت أمّه رأسـها إلى السّماء وقالت: «اللّعنة! يا للخيبة! إنّه يريد أن يصبح رجل سياسة!».

‬الصحبي‭ ‬الوهايبي

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.