الأستاذ عبد السلام القلاّل: الدولة أو الفوضى

الأستاذ عبد السلام القلاّل: الدولة أو الفوضى

سيّدي رئيس الحكومة

لقد أخطأتم عندما فرضتم على وزيركم للتربية التراجع في قرار اتخذه لتنحية بعض المديرين غير المنضبطين، وإبعاده عن ممارسة مسؤوليّاته في مواصلة التفاوض مع النقابات خشية من رفضها الجلوس معه، فالرفض شأنها وليس لكم أن تتركوا لها الخيار، ما قمتم به يعتبر تنازلا لنقابة ضالّة ما انفكّت تجرّ الأساتذة والمعلّمين إلى المحضور، وتريد إحلال لجان نقابيّة محلّ مؤسّسات الدولة لممارسة الحكم، ممّا يذكّرنا باللجان الشعبيّة القذّافيّة سيّئة الذكر، وهو أمر غير مقبول ومرفوض، ويجب وضع حدّ لهذه المهاترات الهستيريّة والضّرب بقوّة القانون على كلّ من تحدّثه نفسه بأن يتطاول على دواليب الدولة ومؤسّساتها، لا مجال للتردّد والأيادي المرتعشة في هذه الظروف إذا لم تلازم النقابة حدودها.

هذه النقابة تحصّلت على الزيادات التّي طالبت بها دون مراعاة الظروف العصيبة التّي تمرّ بها البلاد، رغم علمها أن الدولة تقترض لتسديد هذه الزّيادات، ودون مراعاة الجهات المهمّشة التّي ثارت من أجل التنمية ومئات الآلاف من البطّالين الذّين هم أولى بعناية الدولة وإمكانيتها لتشغيلهم، إنّه توظيف للفئويّة المقيتة التي إذا تواصلت ستأخذ البلاد إلى التشرذم والتطاحن، عملا بالمقولة العامّية "نفسي نفسي ولا ترحم من مات"، لقد حان الوقت أن تضع الدولة حدّا لهذا الانحراف، وتدعوا الجميع إلى الوحدة والانضباط وشدّ الأحزمة، والإقبال على العمل المجدي، وتوفير الإنتاج، وبذل الجهد والمحافظة على المؤسّسات في القطاع العام والقطاع الخاصّ، مثلما فعلت ألمانيا واليابان بعد الحرب العالميّة الثانية.

إن حكومة الوحدة الوطنية، التي ترأسها سيّدي رئيس الحكومة، تنبثق عن مجلس نواب الشعب المصدر الوحيد للسلطة و الذي له وحده الصلاحيات الحصريّة لتعيين أعضاء الحكومة وإقالتهم، لذا رجائي أن تكونوا في مستوى مسؤولياتكم التاريخية والبلاد أمام خيارين إمّا الدولة أو الفوضى، وليس لكم الخيار سوى التمسك بقوة القانون والحفاظ على هيبة الدولة، واسمح لي بأن أسترعي انتباهكم بأن لا سبيل لإقالة وزيركم للتربية في هذه الظروف، فإن فعلتم ذلك فتكونوا قد ارتكبتم خطيئة تفقدون معها كل مبرر للبقاء على رأس الحكومة، وعليكم عندها الرحيل لأنكم تكونوا قد فقدتم ما كنتم تجسّمونه من هيبة الدولة ونفوذها.

إنّي أهيب بكلّ الأحزاب والمنظّمات والجمعيّات والمجتمع المدني ككلّ، أن يتركوا السياسة السياسويّة وأن يتصدّوا لهذا التحرّك المشبوه والتخريبي، الذي تقوم به نقابة التعليم الثانوي، وأن يتحمّلوا مسؤولياتهم، وأن يعبّروا بصراحة وبكلّ حزم وجرأة عن مواقفهم، من أجل وضع حدّ لصمتهم المطبق والمريب، لا يمكن أن نترك المجال لهذه الأقليّة الضّالّة التّي تأخذ أبنائنا التلاميذ، ومن ورائهم الأولياء، والشعب التونسي بأكمله، كرهينة لتحقيق نزواتها المحمومة، ليس من حقّها طلب إقالة الوزير، إنّها تخرج عن المنطق والمعقول وتتجاوز القانون. فعلى الدولة أن تحمي نفسها إزاء هذه السابقة الخطيرة وتضرب بقوّة القانون كلّ من تحدّثه نفسه بأن يفرض إرادته على الدّولة، الدولة فوق الجميع ولها الكلمة الأخيرة وهي على حقّ كلّفها ذلك ما كلّفها، كلّ شيء يهون أمام وحدة القرار وهيبة الدولة حتّى ولو أدّى ذلك إلى الإضراب العام، وإلى لما لا التضحية بالسنة الدراسيّة، وقناعتي بحكم تجربتي الإضراب لن يحدث أبدا، لأنّ أغلبيّة الأساتذة هم من العقلاء والشّرفاء ولا ينساقون وراء الأقليّة المتطرّفة، وفي صورة حدوثه، تكون فرصة سانحة لينقلب الشّعب على المضربين ويرجعهم إلى حجمهم الحقيقي، ويلقّنهم درسا في الوطنيّة والاستقامة والانضباط، لأن الشّعب يأبى الفوضى ويتطلّع لمن يحكمه ويسهر على مصالحه.

سيادة رئيس الجمهوريّة

الحكم في الديمقراطيات يقوم أساسا على قوة القانون، والخطاب المقنع، والحوار الدائم مع الشّعب. ماذا ننتظر لتفعيل هذه الشّروط؟ متى نسمع رئيس الدّولة ورئيس الحكومة يتوجّهان للشّعب كلّ أسبوع إن لم يكن كلّ يوم فوق رؤوس الملأ أحزابا ومنظمات، لتوعيته وإقناعه بخطورة الوضع الذي تمرّ به البلاد، وما يتطلّب هذا الوضع من تفهم لطبيعة المرحلة لقبول الإصلاحات الجريئة والموجعة التّي بدونها لا تستطيع تونس أن تحافظ على استقلالها وحتّى على كيانها، متى نطبّق القانون ونحمل الجميع على احترامه؟ وُجد القانون ليُطبّق، وعلى رئيس الحكومة أن يحكم بقوّة القانون، وبتطبيق القانون على الأشخاص والجمعيات والمنظّمات والأحزاب، يجب أن لا يكبر في عينه أحد، وعلى الكلّ أن يلتزم حدوده.

فأنتم يا سي الباجي، كنتم تقولون أنكم من خرّيجي المدرسة البورقيبيّة ولكم ذلك، فلا أخالكم تجهلون أن بورقيبة حرّر البلاد، وطوّر العباد، وأصلح الأوضاع، وبنى الدّولة بالخطاب الواضح المعبّر عن مشاغل المواطنين والمؤطّر والموجّه والنّافذ للقلوب والعقول. دعى من خلاله الشعب إلى العمل والإصلاح، فاستجاب له وسانده في كلّ مواقفه الإصلاحيّة، أليست البلاد اليوم في حاجة لمثل هذا الخطاب؟ لست أبالغ إذا قلت أنّه من الدّوافع التّي جعلتنا نخوض غمار الانتخابات الرئاسيّة وندعو لانتخابكم، هو أنّه كانت لنا القناعة أنّكم الوحيد والأقدر، من بين المترشحين، على مواصلة هذا الخطاب شكلا ومضمونا، لتوعية الشعب بخطورة المرحلة ومساعدة أجهزة الدولة على معالجة الأوضاع والمشاكل التّي تمرّ بها بلادنا.

تكلّم يا سيادة الرّئيس ... تكلّم ... كفاكم غيابا عن السّاحة الإعلاميّة، الشعب في حاجة لسماع صوت الحكمة، ولا لغوغاء النّقابات.

الأستاذ عبد السلام القلاّل

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
1 تعليق
التعليقات
فؤاد الراجحي - 19-03-2017 22:52

شكرا شكرا لقد أبدعتم في الكتابة (عالية المستوى). إنَّا تونس في حاجة إلي رجالاتها العضماء و عمي والأستاذ عبد السلام القلال برهان الوطنية و الحنكة السياسية و هو غني عن التعريف تاريخه نضيف و يستحق التشريف . شكرا شكرا يا أستاذ عبد السلام القلال هل من مزيد لإضماء الآلام و الأوجاع في صدور المواطنين مع الشكر الجزيل محبكم وإبنكم البار فؤاد الراجحي

X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.