أخبار - 2016.10.25

تطوير التّأمين على الحياة: المعوّقـات والحلول

تطوير التّأمين على الحياة: المعوّقـات والحلول

التأمين على الحياة مُنْتٓج تعرضه العديد من شركات التأمين، إلى جانب منتجات أخرى، وفي مقدّمتها تأمين السيّارات. وقد أنشأت بعض الشركات فروعا متخصّصة في هذا الصنف من التأمين الذي يُقبل عليه عدد من التونسيين منذ سنوات لما يوفّره من إمكانية ادّخار مبالغ ماليّة، يضاف إليها ما تدرّه من فوائد، يسترجعونها عند بلوغهم سنّ التقاعد أو تؤول إلى  أسرهم عند الوفاة. ما هو واقع التأمين على الحياة اليوم وكيف يتنزّل في السياق العام لقطاع التأمين في تونس؟ ما هو الإطار القانوني الذي ينظّمه؟ وما هي المعوّقات التي تحول دون نموّ التأمين على الحياة وأيّة حلول كفيلة بتطويره؟ تقدّم ليدرز العربيّة في هذا الملفّ إضاءات حول هذه المسائل من خلال ما حصلت عليه من بيانات وإيضاحات من الهيئة العامّة للتأمين التابعة لوزارة الماليّة ومن الجامعة التونسيّة لشركات التأمين، واستنادا إلى وجهات نظر عدد من كبار المسؤولين في شركات التأمين. 

تخضع مؤسسات التأمين بما فيها المرخّص لها بعرض عقود التأمين على الحياة وتكوين الأموال إلى إشراف ورقابة الهيئة العامة للتأمين، الهيكل المكلف بمقتضى أحكام مجلة التأمين بالسهر على تحقيق حماية حقوق المؤمّٓن لهم والمستفيدين من عقود التأمين وسلامة المراكز المالية لمؤسسات التأمين ومؤسسات إعادة التأمين وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها.

الامتيازات الجبائية للتأمين على الحياة

أقرّت الدولة امتيازات جبائية لتشجيع عمليات الادّخار طويل المدى في مادّة التأمين على الحياة. ونصّ الفصل 24 من قانون المالية لسنة 2014 على نظام جبائي لهذا الصنف يتمثّل بالخصوص في:

  • شمولية مجال العقود المعنية بالامتياز لتشمل عقود التأمين على الحياة وعقود تكوين الأموال على حد السواء.
  • شمـــولية الضمـــانات الممنـــوحة لتشمـــل المبالغ المدفوعة في شكل رأس مال أو إيـــراد مهما كان شكله (عمري، محدّد المدّة) أو وحــدات الحساب.
  • توحيد قائمة المنتفعين من الضمانات الممنوحة لتشمل المؤمّن له أو القرين أو الأصول أو الفروع مهما كان الضمان الممنوح.
  • توسيع الامتياز الجبائي في اتجاه تمكين المؤسسات المكتتِبة لعقود تأمين على الحياة وتكوين الأموال من طرح أقساط التأمين المدفوعة بعنوان عقود التأمين على الحياة وتكوين الأموال المرتبطة بضمان التزاماتها المنصوص عليها بالتشريع الجاري به العمل تجاه أجرائها.
  • اشتراط مدة دنيا للعقد الفردي لا تقلّ عن 10 سنوات واشتراط مدّة انخراط فعلي بالنسبة إلى كلّ المنخرطين في عقود التأمين الجماعي لا تقلّ عن 10 سنوات للانتفـــاع بالامتيــــازات الجبــــائية الممنوحة بهذا العنوان ولا ينسحب هذا الشرط على المنخــرطين في العقود الجماعية قبل غرة جانفي 2014،
  • تحديد قائمة المنتفعين في الأصول والفروع والمؤمّن له نفسه للتمتع بالامتياز الجبائي،
  • تحديد نسبة دنيا لمساهمة المنخرط في عقود التأمين الجماعي لا يمكن دونها للمكتتِب ولا للمنخرط الانتفاع بالامتيازات الجبائية الممنوحة بهذا العنوان. وينسحب هذا الشرط على العقود المكتتبة قبل غرة جانفي 2014.
  • استثناء المبالغ المدفوعة للأجراء بعنوان عقود التأمين على الحياة  من الطرح بعنوان الضريبة على الدخل.
  • إخضـــاع المـــداخيل التي يتحصـــل عليها المستفيد من عقد التأمين على الحياة أو عقد تكوين الأموال بمناسبـــة إشــترائه للعقد قبل انقضـــاء مـــدة العشر سنوات للخصم من المورد بنــسبة 20 %.

الامتياز الاجتماعي لصنف التأمين الجماعي على الحياة

عمـــلا بالأمـــر المؤرخ في 19 ماي 2003  الذي يضبط قائمة المنافع المستثناة من قاعدة الاشتراك بعنوان أنظمة الضمان الإجتماعي، تستثنى من قائمة المنافع المدرجـــة بقاعدة احتساب الاشتراكات بعنوان أنظمة الضمان الاجتماعي المساهمات التي يتحملـها المؤجّر بعنوان التأمين الجماعي على الحيـاة لفـــائدة أجرائه دون تحديد لسقف للمبــالغ المـدفوعة. وينطبق هذا الامتياز على العقود الجماعية المكتتبة من قبل المؤسسات لضمان تقاعد تكميلي للأجراء أو رأس مال عند الوفاة أو تكوين إدّخار لمدة زمنية محدّدة بالعقد.

المعوّقات

من المعوّقات التي تحول دون نموّ التأمين على الحياة وتكوين الأموال ما هو مرتبط  بقطاع التأمين عامّة والتي يمكن حصرها في ما يلي:

  • عدم قدرة قطاع التأمين على تقديم خدمات ذات مستوى عال خاصة في مجال التعويضات بالنسبة إلى صنف تأمين السيارات.
  • ضعف مسالك التوزيع المختصّة في هذا الصنف حيث يقتصر عدد منتجي التأمين على الحياة على 77 منتجا يعمل أغلبهم لفائدة مؤسسة واحدة مختصّة في التأمين على الحياة في حين لا تتعامل بقية المؤسسات بما فيها المختصّة في صنف التأمين على الحياة مع هذا الصنف من الوسطاء.
  • عــــدم مساهمة البنـــــوك في دفع عقــــود التأمين على الحياة ذات الطابع الادّخـــاري واقتصـــارها على التأمين المرتبـــط بالقروض، (assurance temporaire décès).
  • عدم الترخيص لبعض المهن بتسويق هذه العقود على غرار الوسطاء في البورصة بالرغم من التقارب الكبير بين صنف التأمين على الحياة وتكوين الأموال ونشاط الوسيط في البورصة.
  • غياب إلزامية التخصّص في تسويق التأمين على الحياة ممّا لم يفسح المجال لتطوير هذا الصنف لدى المؤسسات متعدّدة الفروع، إذ بقي هامشيا مقارنة  ببقية الأصناف.
  • عدم مواكبة مؤسسات التأمين للتطورات التكنولوجية في مجال التعريف بالمنتوجات وتسويقها على غرار استعمال شبكات الهواتف الجوالة والمواقع الإلكترونية للتعريف بالمنتوجات التأمينية.

أمــّا المعوّقات غير المرتبطة بالقطاع فتتمثّل في ما يلي:

  • ضعف الثقافة التأمينية لدى العموم خاصة منها لدى الطبقات محدودة الدخل.
  • ضعـــف المقدرة الشـــرائية للمواطن التونسي ممّا يحدّ من الهامش المتوفر لدـــيه لتكـــوين ادّخاـــر طـــويل المـــدى وبالتـــالي من قـــدرته على اكتتــــاب عقــــود تأمــــين ذات طـــابع ادّخاري.
  • سخاء أنظمة التقاعد الإجبارية التي توفّر للأجراء خاصة منهم في القطاع العمومي جرايات تقاعد محترمة وبالتالي تنحصر الفئات الممكن تحفيزها لضمان تقاعد تكميلي في أجراء القطاع الخاص الذين يقلّ أجــــرهم عن 6 مرات الأجـــر الأدنى المضمون.
  • وفرة المســـالك الاستثمـــارية المنافســـة لصنـــف التأميـــن على الحيـــاة وتكـــوين الأمــــوال التي تسمـــح للمستثمــــرين فيها بالتمتـــع بامتيـــازات جبــــائية هامة مقــــابل الالتــــزام بتكـــوين الادّخار لفترة خمس سنوات مقارنة بفتـرة الـعشر السنوات المستوجبة بالنسبة إلى التأمين على الحياة.

الإشكاليات التي يواجهها القطاع

إضافة إلى المعوّقات التي سبق ذكرها، يواجه قطاع التأمين على الحياة وتكوين الأموال جملة من الإشكاليات:

أوّلها: منافسة النظام التحفيزي لبقية المسالك الاستثمارية المتاحة للعموم خاصة منها حسابات الادّخار في الأسهم وذلك بالنظر للأسباب التالية:

  • الظرف الاقتصادي الحالي يجعل من إلزام المكتتب بفترة دنيا محددة بـ 10 سنوات صعب التحقيق مقابل توفّر مسالك أخرى لا تستوجب سوى فترة دنيا محدّدة بخمس سنوات.
  • محــــدودية المبــالغ القابلة للطـــرح في إطار عقــــود التأمــــين على الحيـــــاة (10 آلاف دينــار سنـــويا) مقــــارنة  بسقــــف 50 ألف دينار الممنوح للمستثمــــرين في حسابات الادّخار في الأسهم.
  • التطبيق الرجعي لأحكام قانون المالية لسنة 2014 المتعلق بضرورة توفّر شرط المساهمة الدنيا للمنخرط للتمتع بالامتياز الجبائي، الأمر الذي أساء لمصداقية مؤسسات التأمين تجاه الحرفاء.
  • عدم وضوح التوجّه الذي اعتمدته المصالح الجبائية في خصوص إخضاع مداخيل عقود التأمين على الحياة وتكوين الأموال للخصم من المورد وصعوبة تحديد المداخيل المتأتية من التوظيفات والأخرى المتأتية من المداخيل الفنية الناتجة عن جداول الوفيات المعتمدة.

وثاني هذه الإشكاليات: تراجع مصالح الضمان الاجتماعي عن الامتياز الاجتماعي الممنوح بصفة أحادية ورجعية ودون وجود سند قانوني لذلك. وينحصر الإشكال المطروح في التوجّه الجديد المعتمد من قبل مصالح صندوق الضمان الاجتماعي المتمثّل في حصر الامتياز الاجتماعي في أقساط التأمين بعنوان ضمان الوفاة لا غير وبالتالي قامت بمطالبة المؤسسات المكتتِبة للعقود الجماعية للتأمين على الحياة بدفع المبــالغ التي تمّ خصمها بعنوان الاستثناء المذكور مع فوائد التأخير المتعلقة بجميع الضمانات ذات الطابع الادّخاري ولو كانت مرتبطة بمدة الحياة البشرية.

وقد انجرّ عن هذا التأويل  فقدان الثقة بين المؤسسات المشغّلة التي خضعت لعملية تدقيق ومؤسسات التأمين التي استعملت الحافز الاجتماعي كأحد الحوافز لعمليــــة الاكتتاب. وقامت الشركات المكتتبة لعقود التأمين على الحياة باشتراء عقودها بما دفع مؤسسات التأمين إلى توفير السيـــولة المقابلة لمبالغ اشتراء العقود من خلال التفويت في التوظيفات المقابلة (سندات الدولة أو القروض الرقاعية أو التوظيفات الرقاعية). كما كان من نتائج ذلك خلق حاجز أمام تدخل مؤسسات التأمين لتمويل التقاعد التكميلي خاصة أمام الصعوبات التي تعرفها صناديق الضمان الاجتماعي لتمويل جرايات التقاعد.

و ثالث إشكال: يواجهه التأمين على الحياة وتكوين الأموال في محدودية الكفاءات الاكتوارية الموجودة في القطاع سواء داخل المؤسسات بصفة أجير أو كخبراء مستقلين وهو ما يحدّ من قدرة مؤسسات القطاع على تطوير منتوجاتها والتحكم في المخاطر التي تتحملها.

أمّا رابع إشكال: فيكمن في محدودية الإطار القانوني المنظّم لصنف التأمين على الحياة وتكوين الأموال بالرغم من التجاوز الجزئي للعديد من الإشكاليات المتعلقة بعقد التأمين على الحياة وتكوين الأموال على مستوى الترتيب عدد 01 لسنة 2016.

حلول لتطوير القطاع 

تقترح الهيئة العامّة للتأمينات جملة من الحلول لتطوير القطاع  تتلخّص في ما يلي : 

  • تجاوز الإشكال القائم حاليا مع مصالح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حول الامتياز الاجتماعي ويمكن في هذا الخصوص مراجعة أحكام الأمر عدد 1098 لسنة 2003 في اتجاه ترشيد الامتياز الممنوح ولكن دون حصره في العقود الضامنة للوفاة.
  • مراجعة الامتياز الجبائي من خلال التقليص في المدة الدنيا المستوجبة والترفيع في سقف الأقساط القابلة للطرح ووضع نظام جبائي خاص بعقود التأمين الضامنة للتقاعد التكميلي اعتبارا لقدرة هذه العقود على جلب نوعيّة جيّدة من الادّخار طويل المدى والمستقرّ.
  • تأهيل مسالك التوزيع المختصة في صنف التأمين على الحياة:
  • تأطير الوســـطاء الحاليين ومراجعة الإطار القانوني المنظّم لنشاط منتــــج التأمين على الحياة.
  • التوسيع في قائمة الوسطاء لتشمل الوسطاء في البورصة.
  • حثّ مؤسسات التأمين على وضع برنامج تكوين مستمر لفائدة وسطائها يضمن تأهيلهم خاصة بالنسبة إلى صنف التأمين على الحياة وتكوين الأموال.
  • مراجعة الإطار الترتيبي المنظّم للتأمين عبر البنوك والبريد في اتّجاه تحفيز هذه المسالك على توزيع عقود التأمين ذات الطابع الادّخاري.
  • دعوة مؤسسات التأمين المختصّة إلى تنويع قاعدة وسطائها وضمان توزيعهم على كامل التراب التونسي.
  • توسيع قائمة الأشخاص المخوّل لهم التعريف بخدمات التأمين على غرار مشغٰلي الهواتف الجوالة وحثّ مؤسسات التأمين على استعمال المواقع الالكترونية لتسويق خدماتها.
  • وضع خطة وطنية لنشر الثقافة الماليّة بما فيها الثقافة التأمينية لدى العموم وذلك بمشاركة جميع الأطراف المعنية من هياكل إشراف على القطاع المالي ومكوّنات المجتمع المدني والوزارات المعنية.

مراجعة أحكام مجلة التأمين في اتّجاه:

  • إدراج مبدإ التخصّص في النشاط وذلك من خلال تحجير الجمع بين ضمانات التأمين على الأشخاص وبقية الضمانات ذات الطابع التعويضي.
  • تعزيز الإطار القانوني لعقد التأمين على الحياة وتكوين الأموال على مستوى نص القانون لمجلة التأمين.
  • مراجعة قواعد الحوكمة الرشيدة لمؤسسات التأمين ومعايير احتساب مؤشراتها الماليّة لضمان ديمومة هذه المؤسسات وقدرتها على حسن التصرّف في مدّخرات عقود التأمين على الحياة.
  • وضع برنامج شامل لتأطير مهنة الاكتواري في قطاع التأمين بالاستئناس بالمعايير الدولية ذات الصلة.
 
هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.