أخبار - 2016.09.21

ضحى طليق: طنجة... صاحبة الصّرخة المتوسّطيّة البيئيّة ضدّ التغيّر المناخي

ضحى طليق: طنجة... صاحبة الصّرخة المتوسّطيّة البيئيّة ضدّ التغيّر المناخي

 طنجة ،«طانجيه»، «طنجر» «طنخر» «طانجيس» تسميات وألفاظ مختلفة تشير إلى مكان واحد يقف شامخا في أقصى شمال المغرب ، يطلّ من ربوته على جبل طارق كما كان يفعل الراحل محمد شكري وهو يكتب رائعته  الخبز الحافي  من مقهى  الحافة  ، مدينة يلتقي عند خصرها بحران يتعانقان ويلتحمان فتضمهما إليها محتضنة باليمنى المتوسط وباليسرى الأطلسي.

طنجة هذه المدينة المغربية المفعمة بعبق التاريخ والأسطورة، إذ تعد من بين أقدم مدن المغرب أسّسها الملك الأمازيغي سوفاكس ابن الأميرة طنجيس حوالي 1320 سنة قبل الميلاد، ما زال يحمل فيها كل حجر وشجر وكل جدار وباب ومنعطف آثار الأولين والعابرين من هـرقل إلى الفينيقيـــين ومن العــرب إلى البرتغاليين والألمان وباقي العابرين من العصر الحديث حتى الساعة، وهي تسير اليوم باعتبارها ثاني قطب اقتصادي بالمغرب بخطى حثيثة لتكون نموذجا للمدينة المتوسطية، الصديقة للبيئة الرافضة لما يمكن أن يلوّث حياة الإنسان فيها ويشوّه ذاك الجمال والهدوء الذي ورثته عبر العصور لتكون وجهة المولعين بالجمال والتّميّز.

«ميدكوب» صرخة متوسّطية في وجه التلوث الصناعي وانخرام التوازن البيئي

وكل من زارها  من داخل المغرب أو خارجه بمناسبة  النسخة الثانية لمؤتمر الأطراف المتوسطية حول المتغيّرات المناخية  ميدكوب  استعدادا لمؤتمر المناخ بمراكش  نوفمبر 2016 (كوب 22) ، لاحظ أن هذه المدينة التي تجاوز عدد سكانها المليون ونصف نسمة بحسب تعداد 2014، تسير بخطى ثابتة لتحقيق هدفهـا في أن تكون عروس شمال المغرب ، القطب الجاذب للاستثمارات العالمية والنّموذج الحضاري الذي يضاهي كبريات المدن بالحوض المتوسّطي.
 
لقد كانت تظاهرة  ميدكوب  التي التأمت يومي 18 و19 جويلية 2016، وجمعت زهاء ألفي شخص بين شخصيات حكومية ومجتمع مدني وإعلاميين من 22 دولة متوسطيّة اختبارا لهذه المدينة التي انطلقت منها  صرخة طنجة المتوسطية  لمواجهة آفة المتغيّرات المناخية والتي اختزلها رئيس مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة ، ورئيس المؤتمر الياس العماري «بعبـارة  نريد أن نقـف في وجه الأخطبوط الصناعي الذي يقتلنا ببطء في المتوسط»  .صرخة وجدت صداها لدى شقيقاتها في المتوسط حيث ستحتضن مدينة سوسة النسخة الرابعة من ميدكوب في 2018 ، بعد أن تكفلّت مدينة صقلية باحتضان دورتها الثالثة في 2017.
 
دعوة أطلقتها السلطات الجهوية وبدأت في الاستجابة لمتطلباتها من خلال إرادة قويّة وصارمة في تطبيق القوانين، أوّلها على مستوى جهود النظافة في المدينة، وهو ما لاحظناه أثناء تجولنا في مختلف مناطق المدينة وأزقّتها سواء داخل المدينة العتيقة أو الأحياء الراقية، أو الكرنيش والميناء الترفيهي، فرغم الزحام والأعداد الكبيرة للناس، يلاحظ تجذّر السلوك الواعي بالحفاظ على نظافة المدينة، كما تعمل فرق رفع الفضلات والتنـظيف على مدى 24 ساعة، وفي تجسيد للخيار البيئي بدأ تطبيق قانون منع استعمال الأكياس البلاستيكية لدى كافة التجار، كما وزعت على عمّال النظافة القفاف التقليدية المصنوعة من سعف النخيل التي يضعون فيها ما يلتقطونه من أوساخ.
 
طنجة هي أيضا «مدينة الرياح»  وبسبب موقعها عند مضيق جبل طارق فإن الرياح تظل بهذه المنطقة على مدار السنة. وقد فهمت السلطات المغربية كيف تستغل هذه الميزة الطبيعية التي حبى الله بها مدينة طنجة فأنجزت بها أكبر محطة لإنتاج الطاقة بالرياح ويعتبر هذا المشروع، أحد مكونات استراتيجية الحكومة لتطوير الطاقات المتجدّدة وتثمين موارد الطاقة الوطنية في إنتاج الكهرباء والمحافظة على البيئة. 

مدينة تتغيّر ملامحها باستمرار نحو الأفضل

كل من يزور المدينة ويغيب عنها لفترة ثم يعود مجدّدا يـلاحظ ما يرتفع بها من بناءات وما يمتّد من مساحات يعكس تلك الإرادة القوية للإقلاع نحو النّمو والأزدهار والسعي لتكون المدينة مكانا يجد فيه المواطن المغربي والمقيم وقتيا والزائر العابر على السواء الرّاحة وكل متطلّبات الحياة والرّفاه، مدينة تتغيّر ملامحها بسرعة نحو الأفضل. هي عبارة عن حضائر وورشات بناء لا تنتهي، والأجمل والمريح في كل هذا أن الزائر وبرغم حركة البناء المستمرة لا يجد فضلات البناء أو أكوام التراب والحصى والحديد على أطراف الطرقات أو ما من شأنه أن يعطّل تحرّكه .
 
من بين المشاريع الكبرى التي غيّرت وجه المدية بشكل جذري، «الكورنيش» أو «محج محمد السادس» وهو المصطلح الذي أصبح يطلق على المنطقة الممتدّة على طول شاطئ طنجة، من الميناء إلى منطقة «مالاباطا»، أصبح في ظرف أشهر وبعد عمليات تهيئة واكتمال شكله الهندسي الجديد، يتستجيب لحاجيات مختلف الفئات والأعمار ( مرابض سيارات تحتية، فضاءات للعب.....)  مفتوحا للعائلات والزوار الذي يستمتعون في كل مساء بالتجــول في هذا الفضاء الفسيح البالغ عرضه عشـرات الأمتــار والممتــدّ على عشرات الكلومترات، الكثير من الأضواء والأرضيات ذات الأشكال الهندسية المختلفة تجعل التّنزّه في هذا المكان وخاصة في مساءات طنجة الصيفية المنعشة متعة حقيقية.
 
في غضون ذلك تجري، على قدم وساق، عملية تجديد المنطقة المينائية لطنجة المدينة، والمارينا الجديدة وإعادة تأهيلها وتهيئتها لتصبح قبلة عشّاق الرحلات البحرية الترفيهية، ووجهة سياحية كبرى على الصعيد الدولي عامة، وعلى مستوى حوض البحر الأبيض المتوسّط خاصّة. فهذا المشروع الممتدّ على مساحة إجمالــية تناهــز 84 هكــــتارا من الأراضي المســـطّحة، والذي انطــلقت اشــــغاله سنة 2011 ومن بين أهدافه إحداث 1610 نقاط لرسو اليخوت وتطوير مجموعة من أقطاب الرحلات البحرية يعد فرصة مهمّة لتعزيز إقبال السياح المغاربة والأجانب على مدينة طنجة، وترسيخ البعد الثقافي للسياحة بالمدينة، بجزئيها القديم والعصري.
طنجة ليست فقط الكرنيش أو الميناء الترفيهي ....طنجة هي مدينة المتناقضات إذ يتغيّر إيقاع الحياة فيها بحسب طبيعة المكان، ويختلف باختلاف التاريخ والفاعلين فيه، فحرارة الاستقبال والابتسامة والتلقائية وعبارات الترحيب داخل أسواق المدينة العتيقة لا تضاهيها أيّ مشاعر بالألفة في أيّ مكان آخر من المدينة. تمتدّ أســوار طنجــة على طول 2200 متر، مسيّجة بذلك الأحياء الخمسة للمدينة العتيقة: القصبة، دار البارود، جنان قبطان، واد أهردان، بني إيدر، ويرجّح المؤرخون أن هذه الأسوار التي بُنيت على عدّة مراحل، من المحتمل أن تكون فوق أسوار المدينة الرومانية “تينجيس”.
المدينة العتيقة ...عبق التّاريخ  وسماحة الحاضر
 
أسواق مدينة طنجة العتيقة مهرجان من الألوان، زيّنته القفاطين والجلابيب المغربية المطرّزة والمزركشة بأبهى الألوان والعقيق، وازدانت جدرانها بالحقائب والأحذية الجلدية المتقنة الصنّع. من كل ركن من أركانها وزواياها تعبق روائح العطور المختلفة المستخرجة من مختلف الأعشاب والزهور وزيت الأركان والصّابون التقليدي الفوّاح.  أمّا دُور العبادة من مساجد وكنائس على غرار كنيسة سان اندرو،  والمسجد الكبير ومسجد السّوريين، فهي تقدّم جميعها للزائر صوّرا بديعة من الأشكال الهندسية،  على غرار مسجد سيدي بوعبيد المميّز بلونه البني المطلّ على أسواق المدينة العتيقة والمقبرة التي تضم كل الجنسيات والأديان، وزخرفة مئذنته البديعة بألوان الفسيفساء .
 
يغادر الزائر القصبة والمدينة البرتغالية باتّجاه البحر بساحليه المتوسطي والأطلسي فيعبر الأحياء الراقية بقصورها وفيلاتها الراقية المتناثرة هنا وهنـاك بالآلاف وسط الحــدائق الغـنّاءة ، في هذه الأماكن لا صوت يعلو فوق صمت القصــور، يتحــدث الكثيـر من المغاربة  أن هذه المساكن هي نتاج لعمليات تبييض أموال. ضمن هذا المشهد الطبيعي الخلاب تــعرض مدينــة البوغــاز على السائح مشهدين متفرّدين هما «رأس مالاباطا» شرقا بالساحل المتوسطي، و«رأس سبارطيل» المطــل على المحيـط الأطلســي، وعلى مقربة من«رأس سبارطيل»، حيث تمتزج مياه المتوسط والأطلسي، توجد «مغارة هرقل» حيث أقام هذا العملاق واستراح بعد إنجازه للأعمال الخارقة الشّهيرة حسب الأساطير اليونانية.
 
تقول الأسطورة إن هرقل دخل يوما في صراع قاهر مع الإله أطلس على فاتنة روّعت العالم بجمالها كان اسمها «طنجة»، فقرّر فصل القارّتين بذراعيه القوّيتين، وهكذا تباعدت القارتان بمسافة 14 كيلومترا. وتضيف الأسطورة ان أطلـس الذي انهـــزم في صراعه مع هرقل، غرق تحت المياه التي كانت تنهمر في شلاّلات عملاقة من المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط بعد فصل القارتين. كما تقول الأسطورة: إن جبل موسى الشاهق والموجود على بعد حوالي 40 كيلومترا من مدينة طنجة ليس سوى الكتف الأيمن للإله «أطلس» حارس مضيق جبل طارق، وأن الكتف الآخر ليس سوى صخرة جبل طارق، المستعمرة البريطانية الموجودة في أقصى الجنوب الإسباني. وإذا ما تم حساب ذلك بالأرقام فإن المسافة بين كتفي أطلس تصل إلى أزيد من أربعة عشر كيلومترا، وأن جسده يوجد تحت الماء، وكأنه يستعدّ في أي وقت للنهوض، ولا شكّ أن لا أحد يتمنّى أن ينهض أو يحرّك كتفيه، لكن ماذا لو تحرّك وأعاد العالم إلى ما كان عليه في غابر الأزمنة أين لا يوجد معنى للتلوّث أو ما يهدّد الحياة من كائن إسمه إنسان؟
ضحى طليق
هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.