أخبار - 2016.08.17

عبد الحفيظ الهرقام: شُــعــاع‭ ‬أمَــــل

عبد الحفيظ الهرقام: شُــعــاع‭ ‬أمَــــل

هل ستكون الحكومة الجديدة رقما ينضاف إلى سلسلة الحكومات المتعاقبة منذ 14 جانفي 2011 والتي فشلت كلّها في إخراج البلاد من عنق الزجاجة أم أنّ قيامها سيمثّل فرصة لمعالجة ناجعة لمجمل الملفات العالقة التي لم تعد تحتمل ترحيلا أو إبطاء؟ ذلك هو السؤال الذي يطرحه اليوم عموم التونسيين منذ تكليف يوسف الشاهد، وزير الشؤون المحلية في حكومة الحبيب الصيد المتخلية والقيادي في حركة نداء تونس بتشكيل حكومة، من مهامها الأساسية  تنفيذ «اتفاق قرطاج» الذي أفضت إليه مبادرة الباجي قايد السبسي بخصوص «برنامج لحكومة وحدة وطنية».

ولعـلّ رئيس الجمهــورية الذي كثـيرا ما يستشهـد في خطبه بآيات قرآنية وبأقوال مأثورة لشعراء عرب، كان يستــذكر، وهو يطلـق هذه المبـادرة، هذيـن البيتــين

لأبي الطيب المتنبي:    

رَماني الدّهرُ بالأرزاءِ حتى *** فُؤادي في غِشاءٍ مِنْ نِبالِ

فَصِرْتُ إذا أصابَتْني سِهامٌ *** تكَسّرَتِ النّصالُ على النّصالِ

ذلك أنّ الأزمة المستفحلة التي تعيشها تونس، بكلّ أبعادها وتداعياتها السياسية والأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية، ما فتئت تعمّق أوجاع وطن مثخن بالجراح... تدفعه إرادة الحياة إلى خوض صراع مرير من أجل استمرارية الدولة وبقائها.. صراع ضدّ الإرهاب المتحالف مع شبكات التهريب الذي ينخر جسم اقتصاد عليل،  وضدّ نوازع الفوضى والتسيّب وقوى التّخريب والإفساد الجهنميّة.

وأمام تأزّم حالة البلاد وتعكّرها،اختار الباجي قايد السبسي ورقة التشـبيب، عندما عهــد إلى يوسف الشاهد بتشكيل الحكومة الثامنة بعد الثورة، ولعلّها إحدى الورقات الأخيرة التي يخرجها من جرابه.. أراد من خلال ذلك توجيه رسالة قويّة في دلالـتها إلى شباب تونس المغدور في آماله وتطلعاته، مفادها أنّه حان الوقت ليتهيّأ جيل جديد لاستلام المشعل قصد تصريف شؤون البلاد، وأنّ بداخل هذه الفئة الاجتماعية الوازنة طاقات كامنة، تنتظر الفرصة لتسهم في بناء مستقبل وطني أفضل، وفق مقاربات مجدّدة تقطع مع السائد والمألوف.

منذ أوّل ظهور إعلامي له بعد التعيين، أعطى يوسف الشاهد الانطباع بأنّه يمتــلك ناصــية التواصل والـقدرة على التبليغ، وهو أمر على غاية من الأهميّة، في ظرف دقيق يستوجب مصارحة الشعب بحقيقة الحالة الاقتصادية للبلاد، علاوة على الثقة في النفس والإلمام بأوكد الأولويات التي يرى ضرورة أن يرتكز عليها العمل الحكومي في قادم الأيّام وهي كسب المعركة ضدّ الإرهاب ومحاربة الفساد ورفع نسبة النمّو الاقتصادي لإحداث مواطن الشغل ومعالجة معضلة التوازنات المالية العمومية والتدخل السريع لوضع حدّ لتدهور الأوضاع البيئية، وتلك قضايا تتوافق حولها معظم الأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدني وقطـاعات واســعة من الرأي العام.

غير أنّ من المسائل الجوهرية الأخرى التي يتعيّن أن توليها الحكومة بالغ الاهتمام فرض سلطان الدولة وإعمال القانون دون تردّد لا سيّما في التصدي لظاهرة تعطيل الإنتاج في مجالات استراتيجية كالفسفاط والمحروقات، والإصلاحات الهيكلية التي لا مناص من إنجازها، بما تتطلبه من قرارات جريئة، ومقاومة التهرّب الجبائي الذي يحرم خزينة الدولة سنويّا من موارد تفوق سبعة مليارات دينار حسب بعض الأخـــصائيين، فضـــلا عن تفكيك الشبكات «المافيوزية» التي تمددّت في الإدارة والعديد من مفاصل الدولة ومحاربة كبار المهرّبين الذين كدّسوا ثروات طائلة وباتت اسماؤهم معروفة من القاصي والداني.

ولا يختلف إثنان في أنّ للبعدين النفسي والاتصالي مكانة محورية في تحرّك الحكومة الجديدة، التي ينبغي أن تولّد ببرامجها وأهدافها شعلة أمل في عتمة المشهد، من خلال إشاعة التفاؤل بالمستقبل في صفوف شعب محبط ونشر ثقافة العمل والجهد وإعادة الثقة للفاعلين الاقتصاديين وإرسال إشارات مطمئنة إلى المستثمرين الأجانب الذين هجر العديد منهم البلاد بعد أن أقفلوا مصانعهم، وذلك قبل انعقاد المؤتمر الدولي حول الاستثمار المزمع عقـــده في تونس في موفّى شهر نوفمبر المقبل.

وغنيّ عن البيان أنّ حكومة يوسف الشاهد لن تقوى على تحقيق الأهداف التي رسمها «اتفاق قرطاج» إلّا متى كانت محاطة بحزام سياسي متين وناصرتها قوى المجتمع المدني الفاعلة وآمن المواطن بقدرتها على الإنصات إلى شواغله وتحقيق رغباته ، ووجدت لدى المنظمات الوطنية وفي مقدّمتها الاتحاد العام التونسي للشغل - المعني الأساسي بالمبادرة الرئاسية- الدعم والمساندة.

فهل يتوفّق الطرفان الحكومي والنقابي إلى إرساء علاقات ثقة متبادلة وصياغة عقد اجتماعي جديد يراعي في الوقت نفسه المصالح الوطنية وحقوق الطبقة الشغيلة؟ ذلك هو مربط الفرس.

ومن نافلة القول إنّ من مصلحة الباجي قايد السبسي، الواعي بدون شكّ بخطورة الرهان، أن يطلق يدي الجالس على كرسي قصر القصبة كي يتحمّل مسؤوليته كاملة ويمارس كلّ صلاحــــياته الدستــورية وأن يقـيه من تدخلات وإملاءات الحاشية والقوى الضاغطة ، ولا سيّما صلب نداء تونــس، حتّى يتصـــدّى، في راحة بال، لمشاكل البلاد ويتفرّٰغ لتنفيذ برنامج الحكومة بعد نيلها ثقة البرلمان.

إنّ فشل الحكومة الجديدة في مواجهة التحديات الماثلة سيلقي بظلاله على رئيس الدولة ذاته إذا تجاوز حدود صلاحياته ولم يوظّف كلّ ما يمتلكه من سلطة معنوية (magistère) كسياسي محنّك في تيسير عمل الفريق الحكومي . كما أنّ إخفاقها سيمثّل حتما نكسة أخرى  للطبقة السياسية التونسية التي ستصحّ فيها قولة ألبير كامو: «المجتمع السياسي المعاصر آلة تنزع الأمل من الناس»، ولن يبقى للتونسيين حينئذ إلا أن يرفعوا أكفّ الضراعة سائلين المولى العليّ القدير أن يحفظ تونس ويجنّبها المنزلقات والمتاهات وأن يرسل من هو أهل لقيادتها على طريق الخلاص.لا فائدة في أن نسبق الأحداث ..لنتسلّح بالتفاؤل، ولنتوسّم الخير في قيادة شابّة عسى أن يكون القادم  أفضل.

عبد الحفيظ الهرقام

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.