أخبار - 2025.09.26

مأساة غزة: هل من "تفريجة قريبة" على يد الرئيس ترامب!

مأساة غزة: هل من " تفريجة قريبة" على يد الرئيس ترامب!

بقلم نورالدين المازني، مستشار سابق لأمين عام منظمة المؤتمر/التعاون الإسلامي - لقاء يبدو "جديا" للرئيس ترامب مع قادة ثماني دول عربية واسلامية في نيويورك...

لماذا مشاركة ثلاث دول اسلامية وازنة في هذا اللقاء؟

لأول مرة منذ عودته الى البيت الأبيض، نرى الرئيس الأمريكي يستمع باهتمام "غير معهود" الى  ضيوفه من قادة العالمين العربي والإسلامي او من يمثلهم* وهم يعرضون عليه وجهة نظر سبع و خمسين بلدا عربيا واسلاميا، تجاه ما يحدث في غزة من مجازر لألاف المدنيين العزل وتجويع ممنهج لأطفالهم و نسائهم و شيوخهم وتدمير شبه كلي  لكل شيء فوق الارض وتحتها و تهجير قسري للسكان من مدنهم وقراهم في ظروف قاسية، وهذه جرائم حرب تجسد في حد ذاتها المعني الحقيقي لمفهوم  "الابادة الجماعيّة" التي أكدت حدوثها الامم المتحدة، و قد نبه هؤلاء القادة مضيفهم الى خطورة ما تهدد به إسرائيل من ضم الضفة الغربية المحتلة وطرد السلطة الفلسطينية ردا على الاعتراف الدولي غير المشهود بالدولة الفلسطينية... 

الرئيس ترامب الذي تبنى الى حد الان مواقف نتنياهو المتطرفة ودافع عنها في كل المناسبات، يعرف الكثير عن الفظائع التي تقترفها إسرائيل يوميا في غزة لكنه يصر على اختزالها في "سردية" نتنياهو مع ما تحمله من مغالطات مفضوحة لم تعد خافية على أحد...

ما تم تسريبه من النقاشات التي دارت خلال هذه "القمة الامريكية العربية الاسلامية" المصغرة، هو ادراك الرئيس ترامب هذه المرة للانعكاسات الكارثية على مشاريعه الشرق الوسطية و خاصة منها اتفاقيات السلام الابراهيمية التي يريد تعميمها على المزيد من البلدان العربية و الاسلامية في عهدته الثانية، وقد تبين له الان ان أغلبية  الدول العربية التي طبعت مع تل أبيب على اساس هذه الاتفاقيات، جادة في قطع علاقاتها مع إسرائيل اذا ما قامت بضم الضفة الغربية و هو خط أحمر لا يمكن لأي نظام عربي القبول به بعد التطورات الاخيرة التي شهدتها المنطقة، وهذا ما أكدت عليه الدول العربية والاسلامية التي تم اختيار قادتها للقاء الرئيس ترامب اذ ان  اغلبها اعضاء في اللجنة الوزارية العربية الإسلامية المكلفة بملف غزة وقامت على امتداد اشهر طويلة بتحركات دولية واسعة شملت كل العواصم الكبرى والمؤثرة من اجل وقف العدوان الإسرائيلي، وهي بالتالي على المام بمختلف المستجدات الخاصة بموضوع اللقاء مع الرئيس الامريكي... وقد حاول هذا الاخير اقناع المجتمعين بأنه قادر على ايقاف الحرب في غزة و منع إسرائيل من ضم الضفة الغربية ولديه خطة سلام متكاملة، خطة تنقصها بكل تأكيد اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، وهو شرط اساسي تضمنته مبادرة السلام العربية التي تم اعتمادها  في قمة القاهرة غير العادية قبل ثلاثة عقود (1996)  وتبنتها لاحقا كافة الدول الاسلامية، وتنص هذه المبادرة بصفة خاصة على ضرورة  قبول إسرائيل بقيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية مقابل قيام الدول العربية بإنشاء علاقات طبيعية مع تل أبيب في إطار سلام شامل...

هذا الموقف المبدئي أعاد تأكيده وبكل وضوح الرئيس الإندونيسي «برابوو سوبيانتو" مطلع الأسبوع امام الجمعية العامة للأمم المتحدة في جلستها المخصصة لحل الدولتين مشيرا الى انه "بمجرد أن تعترف إسرائيل باستقلال ودولة فلسطين، فان بلاده ستعترف فورا بدولة إسرائيل وستدعم كل الضمانات الأمنية لها". إندونيسيا لها ثقل خاص على المستوى الدولي فهي أكبر دولة اسلامية اذ يبلغ عدد سكانها المسلمين وهم يشكلون الاغلبية حوالي 240 مليون نسمة اي نصف العدد الاجمالي للشعوب العربية مجتمعة، والاهم من العدد هو الموقف الثابت لهذا البلد العضو في منظمة التعاون الإسلامي من قضية الاعتراف بإسرائيل رغم الضغوط التي مورست عليه من القوى الغربية وقد نشرت الصحافة الإسرائيلية قبل هجوم السابع من اكتوبر تسريبات بقرب اقامة علاقات دبلوماسية مع دولة اسلامية كبرى ولم يحدث ذلك الى اليوم...

دولة اسلامية هامة اخرى كان لحضورها لقاء القادة الثمانية في نيويورك رمزيته الخاصة و هي باكستان التي ليست عضوا في اللجنة الوزارية العربية الإسلامية المكلفة بملف غزة، ومع ذلك فقد تمت دعوة رئيس وزرائها "شهباز شريف" الحاكم الفعلي لبلاد تعتبر الدولة الوحيدة في العالم الاسلامي التي تمتلك رسميا القنبلة الذرية وترفض الى اليوم الاعتراف بإسرائيل انسجاما مع الموقف الرسمي لمنظمة التعاون الاسلامي،  واللافت للانتباه ان رئيس الوزراء الباكستاني كان قد امضى في الرياض قبيل سفره الى نيويورك بأيام  اتفاق دفاع إستراتيجي مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان تمكن البلدين من وذلك "تعزيز قدرتيهما الدفاعية للردع المشترك بما يحقق أمنهما واستقرارهما". وقد اثار توقيت ابرام هذه الاتفاقية بعد اسبوع فقط من العدوان الإسرائيلي على العاصمة القطرية، اهتماما كبيرا على المستويين الاقليمي والدولي واثار بكل تأكيد انزعاج تل أبيب التي اقدمت لأول مرة على انتهاك سيادة بلد خليجي...   

اما تركيا العضو في الحلف الأطلسي فإنها تظل رغم وجود علاقات دبلوماسية منذ عقود بينها وبين إسرائيل، وتقارب مع حركة حماس منذ صعود حزب العدالة الاسلامي الى الحكم، تظل عضوا بارزا في منظمة التعاون الإسلامي ولها تأثير واضح في العديد من دولها الاعضاء، كما ان جلوس الرئيس أردوغان الى جانب نظيره الأمريكي في القمة المصغرة دليل على المكانة التي تحظى بها تركيا العضو الوحيد من الدول الاسلامية في الحلف الأطلسي.

هذه دول وازنة لا يمكن لإسرائيل ان تستخف بها مثل ما تفعل مع اغلب الدول العربية وتربطها بالولايات المتحدة وعلاقات مميزة منذ عقود ومن المفترض ان تكون كلمتها مسموعة لدى الحليف الامريكي...

و على مستوى شخصي، كنت اتمنى حضور ماليزيا ممثلة في رئيس وزرائها انور ابراهيم اللقاء مع الرئيس ترامب، لما تحظى به بلاده في محيطها الاقليمي وعلى الصعيد الدولي باعتبارها ثالث أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا و يولي هذا البلد أهمية كبرى لمنظمة التعاون الاسلامي منذ تأسيسها وقد رشحت  اكبر شخصياتها التاريخية والاب الروحي لاستقلالها لمنصب اول امين عام للمنظمة و هو الامير "تنكو عبدالرحمان بوترا" في مطلع السبعينات وكان له الفضل في وضع اللبنات الاولى للمنظمة و تعزيز تضامن العالم الاسلامي مع قضية فلسطين و القدس الشريف وقد حافظ كل رؤساء الحكومات الماليزية المتعاقبة على نفس الموقف من هذه القضية و كلنا يتذكر لغة الصراحة التي ميزت مؤخرا خطاب رئيس الوزراء الحالي  انور ابراهيم امام قمة الدوحة العربية الإسلامية الطارئة عندما قال ان بيانات التنديد والادانة التي تصدر عن مؤتمراتنا "لن توقف إطلاق الصواريخ ولن تحرر فلسطين بل لا بد من فرض عقوبات على إسرائيل... لا بد من قطع العلاقات التجارية والدبلوماسية معها"... لهجة حزم كانت ستصل الى اذن ترامب مباشرة، وربما لهذا السبب لم تقع دعوته على غرار نظيره الباكستاني...

سننتظر الايام وربما الساعات القليلة القادمة لنرى ما وعد به السيد ويتكوف، المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الاوسط، من "انفراجة قريبة" بفضل خطة سلام ترامب التي عرضها على القادة العرب والمسلمين الثمانية و "يسعى" لإقناع نتنياهو بقبولها!!

ان غدا لناظره قريب.

نورالدين المازني
مستشار سابق لأمين عام منظمة المؤتمر/التعاون الإسلامي

* الدول المشاركة هي: تركيا إندونيسيا الأردن، قطر، مصر، باكستان، الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.