عزّ الدّين المدني في حديث رمضـــــان (5) - مؤسّسو دولة تونس الحديثة : فتحي زهير ضمن الوحدة التّأسيسيّة العامة

بقلم عزالدين المدني - ... هل نعرف حقًّا مُكوّنات المجمع التّونسي الحديث؟ أقصد بطبيعة الحال التّجمّعات الحزبّية السّياسيّة الكبيرة الضخّمة والصّغيرة النّحيفة والأصغر الّتي لا تتألف أكثر من عشرة أشخاص تقريبًا، وهي التّجمّعات الحزبّية العريقة مثل حزب الإصلاح والحزب الحرّ الدّستوري (المنعوت بحزب الغرانطة) والحزب الشّيوعي والحزب الاشتراكي والحزب الحرّ الدّستوري الجديد (البورڨيبي) والحزب المنصفي. وهي تجمّعات حزبيّة مخضرمة أي تأسست غالبيتها على عهد الاستعمار واستمرّ نشاطها إلى ما بعد عهد الاستقلال ثمّ حضورها الفاعل إلى أعقاب السّنوات السّتّين والسّبعين من القرن العشرين.
أمّا الجديدة من التّجمّعات الحزبية فهي حزب أحمد المستّيري المنشقّ عن الحزب الحرّ الدّستوري البورڤيبي وحزب التّجمّع والسّابع من نوفمبر وحزب النّهضة وحزب صوت الطالب المتمرّد وحزب الأمانة العامة والحزب التّونسي البُعَيْثي العراقي والحزب التونسي البعثي العُرُوبي السّوري... وأحزاب أخرى كثيرة العدد ظهرت بعد الانتفاضة التّي عصفت بالرّئيس ابن علي و بنظامه وبالموالين له، من جرّاء التّضخّم السيّاسي الشّعبي والبورجوازي الصّغير في البلاد كتضّخم العملة النّقديّة الدّيناريّة وسقوطها في الهزال والضّعف والضّياع عن مستقبل تونس ومصيرها. ولا وجود لبحوث تعرّف خاصّة ببعض الأحزاب التي ظلتّ في الظلّ مع استثناء فقد بدأ والحمد للّه التعريف بالحزب الشيوعي الذي بقي معظمه نكرة إلّا من مناضليه.
ومن جهة أخرى، لا نجد تجمّعًا حزبيًا واحدًا يلمّ شتات المفكّرين والمؤرخين الأكفاء والعلماء والباحثين والكُتاب والشّعراء والفَنّانين على قلّة عددهم. وهم أصحاب الرأي ومرجع الشّعب مرجعا ملموسًا محسوسًا لا دعائيًا ولا ديماغوجيًّا وهم عصارة الوطن ونُسغُ الأمّة ومُخُّ الحضارة الباقية. فهناك شغور بل في الحقيقة هناك فراغ وخلاء ملقع وسكوت مطبق مؤسف في جلبة الرّهانات على الغد القريب والبعيد. فأين القارئ وأين المستمع؟
لم تكن الأوضاع السيّاسيّة والاجتماعية على أحوال تلك الأيام الرّديئة الضّحلة المشار إليها التي سُمّيت بالثورة الّتي عاشها الشّعب التّونسي بخداع الرّؤية وبزورها الكلامي الزّاهي، وإنّما كانت أوضاع تونس ديناميكيّة متوثّبة غداة حصول البلاد على حرّيتها واستقلالها ومصيرها النّوراني المشرق. كانت تلك الأيّام السّعيدة الّتي شرع فيها رجال ونساء من صلب الحديد بروح متعالية لتأسيس الدّولة التّونسيّة الحديثة قد وضعوا أمام بصائرهم هدَفًا لحياتهم لا محيد عنه: في خلق تونس الحديثة على أساس لا يسيخ ولا حتّى يتزعزع، والجيل عقب الجيل في صعود مستمرّ بفضل الارتباط بين الدّول والأمم الأخرى بل تونس هي الأفضل في عيونهم وصدورهم وأدمغتهم المفعمة فلا يكون ذلك ولا يتحقّق بعشق جمع الأموال والعقارات لا بالتّحايل للوصول إلى الكراسي الذّهبيّة الفخمة واحتكارها لا للتّحكّم المسَلَّط على الرّقاب ولكن بالتّحرّر والحرّية والعمل الفاعل الحريص على التّأسيس والتّثقيف وفتح الدّنيا عريضة عميقة عالية للشعب، إذ لكلّ فرد تكريم وإسعاد، ومحبة للإندفاع نحو الخلق والإبداع والاختراع والابتكار والبحث والذّوق والجمال، ودعم للأنْسَنَة على كلّ صعيد...
تألّفت جماعة متلاحمة متكاتفة متضامنة صارت كوحدة عامة ويدًا بذراع فاعلة: أحمد بن صالح والمنجي سليم والطيّب المهيري والحبيب بورقيبة والهادي نويرة والحبيب الشطي ومحمود المسعدي والباهي الادغم والشّاذلي القليبي ومصطفى الفيلالي وأندري باروش والفرجاني بالحاج بن عمار ومحمّد المصمودي وأسماء أخرى قد شذّت ذاكرتي حتّى عن الإشارة إليهم اليوم. ولكن لا أنسى مطلقا كان من بينهم فتحي زهير، ولا يمكن أن يغيب عن الوحدة التّأسيسيّة العاملة الواعدة. وهذا هو القصد لكتابة هذه الحلقة، تعليقًا على كتاب» فتحي زهير «للكاتب الباحث الحرّ الموهوب الأستاذ فاخر الرّويسي لا يمكن أن يفهم المرء دور هذا المؤسّس المشيّد ولا أن يدرك معناه ولا معنى تأسيس تونس الحديثة بعد الاستقلال إلّا بكونه ضمن تلك الوحدة المتفاعلة والمتعاونة والمتناصرة العاملة في سبيل ازدهار شعب تونس لا غير.
عزّ الدّين المدني
يتبع
قراءة المزيد
عزّ الدّين المدني في حديث رمضـــــان (1) : المبدع والإبداع الأدبي الحرّ ومشاكله
عزّ الدّين المدني في حديث رمضـــــان (2) - ظروف البحث الأدبي الحرّ ومشاكله: كتب فاخر الرويسي مثالا
عزّ الدّين المدني في حديث رمضـــــان (3) - الكاتب والباحث فاخر الرويسي وشذرات من سيرته
عزّ الدّين المدني في حديث رمضـــــان (4) - البحث الأوّل: كتاب عن العميد فتحي زهير