أخبار - 2025.02.25

نورالدين المازني: شهادة للتاريخ حول تأسيس منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة، "ايسيسكو"

نورالدين المازني: شهادة للتاريخ حول تأسيس منظمة المؤتمر-التعاون- الإسلامي

بقلم الاستاذ نورالدين المازني، مستشار سابق لأربعة أمناء عامين متتالين لمنظمة المؤتمر-التعاون- الإسلامي حاليا - شخصية تونسية كبيرة كانت وراء التأسيس الفعلي لواحدة من ابرز مؤسسات العمل الاسلامي المشترك، هي منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة، "ايسيسكو"، أدلي بهذه الشهادة في الوقت الذي تستعد فيه المنظمة بداية من اليوم لاحتضان اجتماعات الدورة السنوية الخامسة و الاربعين لمجلسها التنفيذي في تونس برعاية السيد رئيس الجمهورية و بحضور وفود جميع الدول الأعضاء الـ53 بالمنظمة.

وتأتي هذه الاستضافة لاهم اجهزة المنظمة بعد انقطاع استمر خمسة عشر عاما اذ يعود تاريخ الدورة الوحيدة وهي الثلاثين في ترقيمها التسلسلي التي استضافتها بلادنا الي شهر جوان / يونيو 2009. "يونسكو" خاص بالعالم الاسلامي، كان حلما راود منذ ما يزيد عن نصف قرن النخب المثقفة من قادة الاصلاح والتجديد في أمتنا "تجسيدا لما يزخر به العالم الاسلامي من إمكانات حضارية متميزة ذات إسهام مشهود في مسيرة الحضارة الإنسانية"...

ومن حسن الطالع ان هذا الحلم وجد طريقه الى الإنجاز بوتيرة متسارعة بدأت بقرار من وزراء خارجية الدول الاسلامية في الدورة السنوية العاشرة لاجتماعاتهم التي احتضنتها مدينة "فاس" المغربية خلال شهر ماي 1979 والذي نص ولأول مرة على انشاء "منظمة اسلامية دولية للتربية والعلوم والثقافة للتنسيق بين الوكالات المتخصصة بمنظمة المؤتمر الإسلامي في مجالات التربية والعلوم والثقافة، وبين الدول الأعضاء، ويكون مقرها المغرب".

و بعد خمسة أشهر فقط من صدور هذا القرار ، تم انتخاب شخصية تونسية كبيرة من بناة الدولة الحديثة ، كرابع أمين عام للمنظمة الأم، منظمة المؤتمر الإسلامي المعروفة اليوم بمنظمة التعاون الإسلامي، و هي ثاني منظمة دولية بعد الامم المتحدة من حيث الدول الأعضاء التي تضمها وعددها 57 بلدا، موزعة بين اربع قارات، الامين العام التونسي هو الراحل الاستاذ الحبيب الشطي، شخصية سياسية ودبلوماسية و كذلك اعلامية، جمعت ببن الاصالة و الانفتاح واتساع شبكة علاقاتها مع شخصيات مؤثرة في مختلف أنحاء العالم، تولى حقيبة الخارجية في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة و عمل قبل ذلك مديرا لديوانه وممثله في مناسبات كثيرة وخاصة مؤتمرات القمة ذات الطابع الإقليمي والدولي، كما تولى منصب سفير تونس في عواصم بلدان شقيقة وصديقة لعل من أبرزها الرباط والجزائر، وقد مكنته مختلف هذه المسؤوليات رفيعة المستوى من ربط علاقات وثيقة بعدد من قادة العالم الاسلامي و خاصة العاهل المغربي، الملك الحسن الثاني و السعودي الملك خالد وولي عهده آنذاك قبل ان يخلفه، وهو الملك فهد بن عبد العزيز، تغمد الله جميعهم بواسع رحمته وطيب ثراهم،،، لذلك وجد الحبيب الشطي كل الدعم من الدول الاسلامية دون استثناء منذ تسلمه لمهامه و جمع من حوله مجموعة من المستشارين و الخبراء من مختلف الاختصاصات و الجنسيات، و نالني شخصيا شرف العمل الى جانبه كمستشاره الإعلامي و احد اقرب مساعديه طوال السنوات الخمس التي قضاها على راس الامانة العامة للمنظمة...

وحظي ملف المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة- ايسسكو- ومتابعة تنفيذ قرار تأسيسها باهتمامه الشخصي منذ بدء مهامه الجديدة من خلال تشكيل لجنة من الخبراء ذوي الاختصاص لوضع النظام الأساسي للمنظمة الوليدة واقتراح ميزانيتها، وقد صادق عليهما المؤتمر الإسلامي الحادي عشر لوزراء الخارجية الذي انعقد في ماي 1980 بالعاصمة الباكستانية اسلام اباد، وتم تكليف الأمانة العامة بالتنسيق مع المغرب دولة المقر بالدعوة الى عقد المؤتمر التأسيسي للمنظمة.

كان طموح الامين العام آنذاك كبيرا في الارتقاء بأداء المنظمة واستكمال مؤسساتها واستئناف مؤتمرات القمة الاسلامية بعد طول انقطاع، و هكذا تمكن في ظرف وجيز وبتعاون وثيق مع القيادة السعودية من استئناف تنظيم مؤتمرات القمة بعد توقف استمر سبع سنوات من تاريخ انعقاد القمة الاسلامية الثانية في لاهور بباكستان في 1974. ولأول مرة في التاريخ تم افتتاح القمة الاسلامية الثالثة في مكة المكرمة وتحديدا بجوار الكعبة المشرفة وكان ذلك في جانفي / يناير 1981، قبل ان تستأنف أعمال القمة في الطائف ،لذلك عرفت بقمة مكة المكرمة والطائف، وقد شكلت تلك القمة الانطلاقة الحقيقية للمنظمة اذ صدرت عنها قرارات كبرى وخاصة في مجال تعزيز التضامن الاسلامي وتنظيم العمل الاسلامي المشترك و ومؤسساته الجديدة، ومن أبرزها المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة ( ايسسكو) ، اذ حثت القمة الدول الأعضاء على "دعم هذه المنظمة وذلك بتيسير مختلف الوسائل الكفيلة بقيام كيانها والشروع في ممارسة المهام المنوطة بها" و في عهد الراحل الحبيب الشطي وبحضوره الشخصي و كنت الى جانبه ، اكتملت حلقات تأسيس "يونسكو" العالم الاسلامي التي تعرف اليوم باسم " منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة " بعقد مؤتمرها التأسيسي في الثالث من ماي 1982 بمدينة (فاس) ، الذي صادق على ميثاقها.

و من باب الصدق و الأمانة، اعتمد الحبيب الشطي في تحقيق هذا الإنجاز الكبير على عدد من ابرز مثقفي العالم الاسلامي أورد منهم على سبيل الذكر لا الحصر اسماء كل من البروفيسور عبد الهادي بوطالب مستشار الملك الحسن الثاني والذي تولى فيما بعد منصب اول مدير عام للمنظمة الوليدة والدكتور العلامة محمد المختار ولد أباه من موريتانيا وانتخب لاحقا امينا عاما مساعدا لمنظمة المؤتمر الاسلامي- و من تونس كل من شيخنا الجليل الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة الذي تم اختياره كأول أمين عام لمجمع الفقه الاسلامي الدولي والدكتور عبدالله التركي من المملكة العربية السعودية و الدكتور نجم الدين بامات الفرنسي الجنسية و الأفغاني الاصل و الشيخ بكاري درامي من مالي و البعض منهم جاؤوا بتوصية خاصة من مدير عام يونسكو في ذلك العهد، السنغالي احمد امختار امبو الذي ربطته بالحبيب الشطي علاقات وثيقة و كان متحمسا لفكرة انشاء يونسكو خاص بالعالم الإسلامي.

أرجو من خلال هذه الشهادة ان اكون قد أبرزت الدور المحوري الذي لعبته شخصية تونسية مرموقة في انشاء هذه المنظمة العريقة التي يتولى اليوم قيادتها الدكتور سالم بن محمد المالك بنفس جديد ورؤى تقدمية تتماهى مع التحولات الكبرى التي يشهدها عالمنا مع ما تحمله من تحديات باستطاعة -ايسسكو- مواجهتها باعتبارها "جدار الصدّ الأوّل في مواجهة كلّ أشكال التطرّف والجمود الفكري والإرهاب، على أنّ يكون العمل مشتركا بين كافة الدول الأعضاء في هذه المنظمة"...

نورالدين المازني
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.