أخبار - 2024.07.12

الحق في الصورة في عصر المشهد والصورة: ماذا عن تقنية النقل المباشر (اللايف) في الحفلات الخاصة

الحق في الصورة في عصر المشهد والصورة:  ماذا عن تقنية النقل المباشر (اللايف) في الحفلات الخاصة

بقلم الأستاذة نجاة البراهمي - أستاذة التعليم العالي بكلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس. المحامية لدى التعقيب

1- لم أكن لأكتب هذا المقال لولا أن مشهدا قد استرعى انتباهي على شبكة التواصل الاجتماعي. و صورة الحال ان أحدهم قد شارك مع متابعيه فيديو لسهرة فنية خاصة بالإحتفال بزواج وكانت المشاركة مفتوحة بحيث أصبحت متاحة للجميع بما فيهم كاتبة هذا المقال. استرعى انتباهي مشاركة احدى الصديقات لفرح العائلة المستضيفة وكانت مفعمة فرحا و وودا و متناغمة مع مع أجواء الفرح  الخاصة غناءا و تصفيقا و رقصا. لم أشأ مخاطبة صديقتي حتى لا أعكر صفو يومها و لا أنال من استحقاقاتها من الفرح و الترويح عن النفس ومشاركة أهلها و أصحابها بهجة الفرح ومتعته. لكنني تحمست في المقابل للتّعليق على الواقعة في المطلق لأنها ليست في الحقيقة بواقعة معزولة بل أصبحت واحدة من الظواهر التي اكتسحت مجتمعنا و أصبحنا نتعايش معها و كأنها الأصل و نقيضها الاستثناء. فالتقنية أصبحت من التقنيات التي يركن إليها السواد الأعظم من الحرفيين و المهنيين وغيرهم بغاية التعريف بأعمالهم و منتوجاتهم و الترويج لها و استقطاب الحرفاء, شعارهم في ذلك "الحاضر يبلغ للغايب" و ينتهي المشهد فعلا بالانتشار فيصل الحاضر بالغائب. و في وصله لكليهما للأسف نيل من حق الحضور أو بعضهم في الصورة إذا ما اعتبرنا ان البعض  منخرط بدوره في منظومة حب الظهور و لا حرج لديه من انتشار صورته على مواقع التواصل الاجتماعي.

وبغاية التعليق وجب التذكير بالنصوص القانونية المنظمة أولا و التساؤل عن مضمون بعض العقود مع متعهدي الحفلات و الفنانين ثانيا.

I- الحق في الصورة: الموجود

2- بغاية قراءة الواقع اتجه بدءا التساؤل عن مبدأ تنظيم مختلف العلاقات القانونية بين مختلف الأطراف المتداخلة في تنظيم الحفلات وكذلك أولئك الذين يشاركون في ذلكم الفرح كحضور مدعو او كمتعاونين او كخدم لاهل الفرح وغيرهم (أ) هذا من جهة وعن وعي هؤلاء بمختلف حقوقهم وخاصة منهم الحق في الصورة (ب).

أ- مبدأ تنظيم مختلف العلاقات القانونية بين مختلف المتداخلين في تنظيم الحفل

3- إن مختلف العلاقات داخل المجتمع محكومة بمبدأ "لا يعذر الجاهل بجهله للقانون" و يستتبع ذلك أن كل فرد داخل المجتمع محمول على معرفة القانون و على تحمل تبعات جهله به بما معناه ان ليس لاحد ان يتعلل في صورة مواجهته بمخالفة قانونية بكونه يجهل القانون و لم يكن له علم بمنطوقه.

4- وانطلاقا من ذلك اتجه التساؤل عما اذا كان مختلف المتداخلين في تنظيم الحفلات مدركين لمحتوى هذه القوانين وهل أن مختلف العقود التي يقتضيها تنظيم الحفلات الخاصة مدروسة و محكومة بالقوانين و التراتيب الجاري بالعمل. مجموعة من الأسئلة التي تطرح و من أهمها:

كيف تكتب وتصاغ عقود متعهدي الحفلات.
كيف تكتب وتصاغ العقود بين المستفيد من الحفل و متعهد الحفلات.
كيف تكتب وتصاغ العقود بين المستفيد من الحفل و الفنان مباشرة في صورة علاقة مباشرة يغيب فيها متعهد الحفلات.
هل يستشير صاحب الحفل اهل الذكر قبل ابرام العقد بغاية الوقوف على حقه في ضمان حقه وحق من يحضر حفله مدعوا في الصورة.
هل يقع الاعتماد على عقود نموذجية أم هنالك ملاءمة ومواءمة باختلاف الأحوال وظروف كل حفل و مراكز الأطراف.
هل يقع تنظيم الحق في الصورة وكيفية حمايته.

5- إن مشاهدة الواقع وملاحظة ظاهرة "التضخم" في استعمال الصورة و في التعاطي خاصة مع تقنية البث المباشر المعروفة ب"اللايف" في كل مكان و زمان يجعلنا ندرك أن في الامر ثقافة كونية لتجوز استعمال الصورة وهي ثقافة تكاد تسيطر و تحجب ضرورة الالتزام بالنصوص القانونية المنظمة للحق في حماية المعطيات الشخصية بصفة عامة و للحق في الصورة بصفة خاصة. و لا جدال في انه بين "التجوز والجواز حقوق ستنتهك و أضرار ستلحق بهذا أو بذاك. وعليه وبغاية تفادي مثل هذه الاضرار و الاخطار وجب التنبيه إلى  والتذكير بالاطار القانوني المنظم لهذه المسالة.

ب) الاطار القانوني لحماية الحق في الصورة

6- وجب التفريق في هذا المقام بين القانون المنظم لحماية المعطيات الشخصية بصفة عامة والقانون المنظم للحق في الصورة بصفة خاصة.
1- قانون حماية المعطيات الشخصية: هل تعتبر الصورة معطى شخصيا على معنى القانون

7- ينظم المشرع التونسي معالجة المعطيات الشخصية صلب القانون عدد63 لسنة 2004 المؤرخ في 27 جويلية 2004 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية. ويتساءل البعض عما اذا كانت الصورة تلحق بالمعطى الشخصي على معنى هذا القانون. و غاية الجواب اتجه تعريف المعطيات الشخصية على معنى احكام هذا القانون الذي ورد في فصله الأول ان المعطيات الشخصية هي: "كل بيانات تمكن من تحديد شخص طبيعي بشكل مباشر او غير مباشر باستثناء المعلومات المتصلة بالحياة العامة".
قانونيا ثار جدل حول تكييف الصورة و مدى اعتبارها معطى من المعطيات الشخصية التي يحميها قانون المعطيات الشخصية يبدو أن لا جواب واضح في القانون التونسي و ذلك على خلاف المشرع المغربي الذي نص في القانون عدد 08/09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتية  تجاه معالجة المعطيات الشخصية الذي ألحق الصورة بالمعطيات الشخصية.

2- النصوص القانونية المنظمة للحق في الصورة في حد ذاته

8- يجدر التفريق هنا بين حالتين اثنتين: التقاط الصورة في مكان عام أو في مكان خاص. و يطرح السؤال حينئذ حول ماهية كل من المكانين و ما هو الخيط الفاصل بين المكان الخاص و المكان العام. وتتمثل قيمة التفرقة في كونه اذا كان التقاط الصورة في مكان خاص فان الحق في الصورة سيكون مستتبعا من مستتبعات حماية الحياة الخاصة و أما إذا كان التقاط الصورة في مكان عام فإن الحماية ستكون خاضعة الى منظومة خاصة.

وأتجه في هذا المقام للتذكير بالإطار القانوني الذي يحمي الحق في الصورة في كلتا الحالتين: بداية فإذا تعلق الامر بإلتقاط الصورة في المكان الخاص بدون ترخيص من صاحبها فإن الامر سيكون بمثابة مخالفة لقاعدة دستورية مناطها الفصل 30 من الدستور الذي يقتضي أن: "تحمي الدولة الحياة الخاصة و حرمة المسكن و سرية المراسلات و الاتصالات و المعطيات الخاصة". و لا جدال أن من مقومات حرمة المسكن حرمة الصورة.
و يندرج هذا الفصل في اطار منظومة دولية كونية لحماية حقوق الإنسان بصفة عامة و الحق في الصورة بصفة خاصة.

9- و لم يكتف المشرع الدولي بتكريس الحق في الصورة بل رتب على الاخلال بذلك الحق عقوبة جزائية صارمة اذ اقتضى الفصل 226-1 من المجلة الجزائية الفرنسية ما يلي: "يعاقب بالسجن لمدة عام و بخطية قدرها 45 الف أورو كل من يستعمل صورة شخص موجود في مكان خاص بدون ترخيص منه".

و لانجد في المجلة الجزائية التونسية نظيرا لهذا الفصل إذ لم يجرم المشرع التونسي صراحة الاعتداء على الحق في الصورة. إلا أنه يمكن أن نجد في احكام الفصل 256 من المجلة الجزائية سندا لهذه الحماية. اذ اقتضى هذا الفصل ما يلي: "الانسان الذي يذيع مضمون مكتوب او تلغراف او غير ذلك من الكتائب التي لغيره بدون رخصة من صاحبها يعاقب بالسجن مدة ثلاثة اشهر". ويبقى تطبيق هذا الفصل رهين اعتبار الصورة من الكتائب من جهة و تقدير القاضي للفعل المجرم المتمثل في "اذاعة مضمون الكتائب" من جهة أخرى.و يطرح السؤال حينئذ حول مدى تحمل فعل "اذاع" لمعنى الالتقاط والاستعمال و النشر للصورة. ولا يخفى ما لتحديد هذه العبارة من أهمية في ظل المبدأ القانوني الثابت المتفرع عن مبدأ الشرعية القانونية للجرائم والعقوبات والذي مفاده ان "النص الجزائي لا يئول و إن جاز تأويله فإن ذلك التاويل يكون ضيقا".

وأما إذا كان التقاط الصورة في مكان عام فان حماية الحق في الصورة سيكون على أساس قواعد المسؤولية المدنية و يستلزم الامر تبعا لذلك إثبات مقومات المسؤولية الثلاث من فعل ضار و ضرر و علاقة سببية. و هو السند الذي أسس عليه فقه القضاء الفرنسي واجب التعويض للمتضرر في الفضاء العام من النيل من حقه في الصورة.

II- الحق في الصورة: المنشود

دعم ثقافة احترام الحق في الصورة

10- يجب دعم ثقافة الوعي بالحق في الصورة كواحد من الحقوق الذاتية للإنسان من خلال العمل على توسيع مدونات السلوك التي يتجه اعتمادها كملحق لمختلف العقود المنظمة للحفلات الخاصة و فيها تذكير بمقومات الحق في الصورة أولا و بأهمية المحافظة عليه و بارتقائه الى نفس المرتبة القانونية كغيره من سائر الحقوق الذاتية للإنسان و بالتذكير أخيرا بمقتضيات القانون الذي يعاقب مدنيا وجزائيا على التعدي على الحق في الصورة.

عمليا يتجه دعم صياغة مختلف العقود المنظمة للعلاقات بين مختلف المتداخلين في تنظيم الحفل الخاص والتنصيص الصريح على بند "ضرورة الترخيص في التقاط الصورة و استعماله". و بصفة اكثر دقة: ففي العلاقة بين صاحب الحفل والمدعو فعلى صاحب الحفل واجب الإشارة في نص الاستدعاء الى كون فعاليات الحفل ستصور وسيقع نقلها نقلا مباشرا إن كان الامر كذلك حتى يتحلل صاحب الفرح من أي مسؤولية في صورة الاخلال بالحق في الصورة.

وبين صاحب الحفل و متعهد الحفلات وجب تنظيم كيفية تعاطي هذا الأخير مع الصورة و المشهد.

ويجب كذلك التنصيص على حق الفنان من عدمه في مشاركة الحفل على المباشر في إطار مايسمى بتقنية اللايف. صحيح أن هذه التقنية تساعد الفنان على التعريف بنشاطه ومهاراته وقدراته لدى العموم إلا انها تنال من حق الحضور في الصورة.

و قد يكون الأهم من كل ذلك ادراك الجميع بان الصورة مرآة للشخص فأين منزلها و منزلتها منزل الشخص و منزلته.

الأستاذة نجاة البراهمي
أستاذة التعليم العالي بكلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس
المحامية لدى التعقيب

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.