قمة الاتحاد الإفريقي السابعة والثلاثين تنعقد نهاية هذا الأسبوع وسيترأسها بلد مغاربي...

بقلم نورالدين المازني. متحدث رسمي -سابقا- باسم الاتحاد الافريقي -  القمم الافريقية موعد يحرص قادة القارة السمراء على حضوره لانه يشكل فرصة هامة على مستوى اللقاءت المباشرة و التشاور والمشاركة في اتخاذ القرارات حول اهم قضايا القارة و مشاغلها... اول البنود المدرجة على جدول اعمال القمة هو اختيار رئيس لها، و عادة ما يتم التوافق قبل انعقاد القمة على البلد العضو المرشح للرئاسة الدورية التي تتداول عليها المجموعات الإقليمية الخمس للاتحاد الإفريقي و تمثل على التوالي كلا من الشمال و الشرق والغرب و الوسط والجنوب، وهو اجراء يتبعه الاتحاد منذ تاسيسه في 2002 عندما عوض منظمة الوحدة الافريقية...

الدورة 37 للقمة الافريقية نهاية هذا الاسبوع سيحتضنها مقر الاتحاد الإفريقي باديس ابابا يومي 17 و 18 فيفري الجاري ويسبقها اجتماع المجلس التنفيذي على مستوى وزراء الخارجية يومي 14 و15 من نفس الشهر... الرئاسة الدورية لهذه القمة ستعود الى مجموعة شمال افريقيا، بعد ان تداولت عليها المجموعات الإقليمية الأربعة الأخرى. 

الى اليوم، لم يعلن رسميا عن اسم البلد الذي سيتولى الرئاسة وهذا الامر يتطلب توافقا بين البلدان المعنية، الجميع يعرف المشاكل التي تمر بها بلدان شمال القارة منذ فترة طويلة والأسباب التي من اجلها تعطلت مسيرتها نحو التكامل على غرار ما تحققه التجمعات الإقليمية الأخرى من تقدم... اتمنى ان تتجاوز مجموعة الشمال كل العقبات وتتوافق على البلد الذي سيتولى رئاسة القمة في دورتها الجديدة حتى لاتضيع عليها هذه الفرصة وتنتقل الرئاسة آليا الى مجموعة اخرى... آخر المعلومات المتوفرة تشير الى حصول هذا التوافق على بلد يشكل جسرا حقيقيا بين شمال القارة وبلدان افريقيا جنوب الصحراء و معروف بعلاقاته المتوازنة مع الجميع وهو موريتانيا، رغم ان هذه الاخيرة شغلت المنصب سنة 2015 مثلها مثل مصر التي تراست القمة في 2020 باعتبار انتمائها الى مجموعة الشمال حسب التصنيف المعمول به لدى الاتحاد الافريقي، ليبيا ايضا تراست القمة مرة واحدة قبل الثورة...

اتمنى ان تتاح الفرصة لكل من الجزائر و تونس و المغرب لتولي الرئاسة الدورية للاتحاد عندما يعود الوئام الى دول المغرب العربي مثلما تتطلع الى ذلك شعوب هذه المنطقة التي لم تنقطع صلاتها على الإطلاق... والجدير بالذكر ان هذا المنصب تتنافس عليه بشدة الدول الأعضاء عندما يحين موعد مجموعتها لانه يسمح لرئيس القمة بلعب ادوار هامة داخل القارة وخارجها و التحدث باسمها في المحافل الدولية و هذا يساعده، الى جانب الدفاع عن قضايا القارة، في تسليط الاضواء على مشاغل مجموعته الإقليمية والدفاع عن مصالحها كما يعتبر رئيس القمة أحد كبار حكماء القارة و مرجعا تلجا اليه الدول الاعضاء عند الازمات...

قمة الاتحاد الافريقي هذا العام أمامها ملفات شائكة و قضايا تتطلب معالجات سريعة، والرئيس المرتقب وهو الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني له من الحكمة و التجربة و العلاقات الوثيقة مع نظرائه من القادة الأفارقة، ما يسهل مهامه رغم دقة الاوضاع التي تمر بها بلدان الجوار الموريتاني مثل الازمة الدستورية التي حصلت مؤخرا في السنغال بسبب قرار احادي من الرئيس المنتهية ولايته "ماكي سال" وحزبه الحاكم، بتاجيل الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة للخامس و العشرين من هذا الشهر إلى نهاية العام الجاري لاسباب لت تقنع احدا، الاوضاع هناك قد تتخذ ابعادا خطيرة تزعزع الأمن والاستقرار في بلد عرف منذ حصوله على الاستقلال في مطلع الستينات بالتداول السلمي على السلطة و لم يشهد على امتداد تاريخه الحديث اي انقلاب عسكري... المعارضة في الداخل وكذلك المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا "ايكواس" و الاتحاد الافريقي و العديد من الاطراف الإقليمية والدولية تضغط على الرئيس السنغالي للتراجع عن هذا القرار غير الدستوري الذي قد يزيد من الاحتقان في المنطقة باكملها و قد يشجع رؤساء اخرين على النسج على منواله.

وأمام القمة ايضا ملف الساحل الافريقي و التطورات المتلاحقة التي تشهدها منذ الانقلاب الحاصل في النيجر خلال شهر جويلية المنقضي واخرها هذه التطورات، قرار انسحاب ثلاث بلدان من مجموعة -ايكواس - تحكمها حاليا مجالس عسكرية، و هي مالي وبوركينا فاسو والنيجر و علانها عن تشكيل تحالف جديد اطلقت عليه اسم تحالف بلدان الساحل، التطور الجديد من شانه ان يعرض المنطقة الى تعقيدات اضافية ، خاصة و ان عضوية هذه البلدان معلقة على مستوى مجموعتها الإقليمية و كذلك في الاتحاد الافريقي، و قد سلطت على انظمتها العسكرية المنقلبة على الشرعية الدستورية، العديد من العقوبات التي اضرت باقتصادياتها الضعيفة اصلا، لأن البلدان المعنية مصنفة من أفقر دول العالم و هذا ما تسبب في المزيد من المعاناة لشعوبها، واعتقادي الشخصي ان هذا التحالف غير قابل للاستمرار إذ سيحرم المواطنين هناك من حرية التنقل و الإقامة و العمل التي تسمح بها مجموعة بلدان--- ايكواس- التي تضم خمسة عشر عضوا ، هذا علاوة على افتقار البلدان الثلاث المنسحبة الى منفذ على البحر واعتمادها على موانئ اجوارها لاستيراد حاجياتها الأساسية الى جانب اعتمادها الكبير على الطاقة والكهرباء من البلدان المجاورة مثل النيجر حيث يعتمد شمال البلاد على الكهرباء من الجارة  نيجيريا...

هناك ايضا ملفات اخرى امام القمة، من بينها الملف الليبي الذي يوليه الاتحاد الإفريقي اهتماما خاصا ويسعى مع الأمم المتحدة وبقية الشركاء الاقليميين والدوليين الى تسريع اجراء انتخابات عامة عن طريق حوار ليبي ليبي قبل نهاية العام، و هناك مؤتمر مصالحة يجمع كل اطراف النزاع تحت اشراف الاتحاد الافريقي خلال شهر افريل القادم و تحتضنه مدينة "سرت" ولابد من الاعداد له جيدا و اقناع الجميع بضرروة المشاركة الايجابية و البناءة في اعماله و الالتزام بمقرراته... وسيكون النزاع المسلح في السودان من اوليات القمة بعد ان دخل شهره العاشر و كانت نتائجه كارثية على البلاد والعباد.

و من المنتظر ان يجدد الاتحاد الافريقي دعمه للمساعي التي تبذلها الأمم المتحدة عن طريق مبعوث الأمين العام الجديد الى السودان، الصديق رمطان العمامرة، من اجل تشجيع أطراف النزاع على ايقاف الاقتتال و اللجوء إلى التفاوض ومعالجة الازمة الانسانية غير المسبوقة التي خلفتها حرب الاشقاء... ولا ننسي القضية الفلسطينية التي داب الاتحاد الإفريقي على ايلائها كل الإهتمام و دعوة رئيس السلطة الفلسطينية لحضورها، و قمة هذا العام لها مغزى خاصا مع استمرار العدوان الاسرائيلي دون هوادة على غزة منذ خمسة اشهر و ارتكابه لمجازر شنيعة تصل إلى حد الابادة الجماعية وقد ادانتها ممارسات الاحتلال محكمة العدل الدولية وامرت بايقافها بعد مساعي مكثفة بذلتها واحدة من أكبر الدول القارة الداعمة منذ عهد الزعيم نلسون مانديلا وهي جمهورية جنوب افريقيا... جدول اعمال حافل و نزاعات لا تنتهي امام الرئيس الجديد للاتحاد الافريقي وقادة القارة الافريقية...

نورالدين المازني
متحدث رسمي -سابقا- باسم الاتحاد الافريقي