أخبار - 2023.12.08

المهدي الجندوبي: تساؤلات حول المهنة الصحفية

المهدي الجندوبي: تساؤلات حول المهنة الصحفية

الصحافة لم تعد حكرا على الصحفيين المهنيين بكل أصنافهم، سواء كانوا من حاملي الشهادات العليا التي تمنحها كليات وأقسام الصحافة في الجامعة، أو من العصاميين الذين دخلوا المهنة بمهارات تحريرية و ثقافة عامة، هي عصارة مطالعاتهم الحرّة وخبرتهم في الحياة، على شاكلة الكثيرين من مؤسسي المهنة منذ قرون دوليا، ومنذ اكثر من قرن بقليل عربيا، أو هم من صنف خريجي الجامعات بكل تخصصاتها خارج علم الصحافة و فنونها، مثل حملة دبلومات الأدب والقانون والعلوم الاجتماعية والفنون الذين يتعلّمون المهنة بالممارسة على الميدان وبعض الدورات التدريبية.

 حوّلت التقنيات الحديثة في مجال المعلومات و انتشار جهاز الكمبيوتر وهو في حد ذاته، في إحدى خدماته العديدة، مطبعة فردية متنقلة و زهيدة الثمن، و انتشار ظاهرة المدوّنين، و بعدها انتشار الشبكات الاجتماعية، و انتشار الهواتف الذكية، بين شرائح عريضة من الناس، و سهولة التقاط الصور الثابتة و المتحركة (الفيديو)، و تخزينها و توزيعها للعموم، و غيرها من ترسانة تكنلوجيا المعلومات بمفهومها الواسع، كل مواطن يريد أن يكتب و يخبر و يدلو بدلوه في سوق الكلام المحلية و العالمية، الى "صحفي بالفعل"، و أصبح كل مراهق (ة) يملك حساب فايسبوك أو تويتر او انستغرام أو تيك توك، يملك صلاحيات كان يحتكرها رئيس التحرير،"القائد الأعلى" لكلّ هيئة تحرير، الى حدود نهاية القرن العشرين، و أخطرها العبارة التي يجيز بها النشر، و التي تختزل كل صلاحياته، و تنزل كالسيف القاطع بين ما ينشر و ما يرمى في سلة المهملات، و هي عبارة تكاد تكون فقدت خطورتها اليوم، "صالح للنشر"، و ما كان صالحا للنشر قليل بالمقارنة مع ما كان "غير صالح للنشر".

طبقات الصحافة و الصحفيين

هل انتهى عهد الصحافة؟ هل ستنتهي الصحافة الورقية؟ كيف ستكون صحافة الغد؟، أسئلة محيّرة أثارت وستثير جدلا مستفيضا، فيه الغث والسمين، وفيه أفكار طريفة كما فيه عواطف جيّاشة وتخوّفات مغلّفة بكلام ظاهره علمي ورصين و باطنه أحكام متسرّعة أو حقائق تنتزع من سياقاتها، و تغيب عنها النسبية و الوعي بتعدد الأسباب والإقرار بصعوبة الفهم النهائي للواقع المتحوّل بدوام.

نعم انتهى عهد الصحافة كنشاط يحتكره بالفعل المهنيون، أي الذين يتفرّغون للعمل الصحفي ويقتاتون منه طوال العمر، لأن الصحفيين الهواة بكل أصنافهم، قادمون أكثر فأكثر. لكني أرى أن الصحافة كانت و ستكون "صحافات"، و تجارب صحفية متعايشة بين النقيض و النقيض، و أميل الى اقتراح استعمال ما كان العرب يسمّونه عندما يصنّفون الشعر وأصحابه الى "طبقات الشعراء"، أي كبارهم و صغارهم، أعلامهم و بسطائهم، حتى انهم اهتموا بالشعر المجهول صاحبه. كما أميل الى مقارنة الصحافة بالمسرح حيث يتواجد ويتكامل مسرح الهواة، مع المسرح الاحترافي، و مسرح المدارس مع مسرح الأوبرا، ويلعب الممثّل المسرحي دورا في مسلسل تلفزي، و آخر في فلم سينمائي و آخر في مسرحية هزلية أو تجارية، و آخر في مسرحية طلائعية تجريبية، لا يحضرها سوى نخبة محبي الفن المسرحي.

في هذا الطيف من التجارب الصحفية لا زالت هناك حاجة ملحّة، ووظيفة جوهرية ضمن المجتمعات الحديثة لصحافة نخبوية في مضمونها، و بسيطة و سهلة في موادها المنشورة و في أسلوبها التحريري، منفتحة على كل "الأطراف الفاعلة" في الحياة العامة، و بصفة أشمل على "الواقع" وكل أوجه "حياة المجتمع"، من كبار المسؤولين الى عامّة الناس ومن حملة العلم ومنتجي المعرفة الى الأميين، ومن الشيوخ الى الأطفال، ومن المؤسسات الاقتصادية المنتجة للثروة الى المستهلك، ولا يقدر على هذه المهمّة "السّهلة الممتنعة"، سوى من يقضّي العمر على مراحل، في الدراسة والممارسة في علوم الصحافة وفنونها وقاعات تحريرها وصفحاتها، ورقية كانت أم إلكترونية، و ميادينها، ولا يفرّق بين الكتب الورقية أو الرقمية وأكبر المراجع العلمية حول المهنة، و"الكتب الحيّة" والصّامتة وأعني المهنيين الذين تمرّسوا بالعمل الصحفي، وما أسماه الفيلسوف الفرنسي ديكارت Descartes في القرن السابع عشر "الكتاب الأبدي للحياة"

ثنائية الكتب والواقع

نخبة المهنيين هي التي تصنع "الصحافة الفعلية"، صحافة تنصهر في الواقع، ومعرفة تتنزّل بالممارسة في بيئة ثقافية وسياسية، لأن المهنيين يواجهون الواقع كل يوم، عندما يجمعون أخبارهم أو يكتبون مواضيعهم، ويكيّفون بعض النظريات والمهارات في بيئة اجتماعية ومؤسساتية مخصوصة، وهذه الصحافة مختلفة عن الصحافة المتخيّلة في أفضل الكتب، وهي وليدة هذه المراوحة بين أفضل الأفكار والممارسات، والواقع الاجتماعي والظرف التاريخي والمرحلة التي يكون فيها كل مجتمع وكل بلد.

طرح مفهوم "الصحافة الفعلية"، المحفوظة في عقول وقلوب المهنيين، ليس استخفافا بالنظريات والكتب، لأنها عصارة لازمة للذكاء الإنساني، بل هو تذكير بأن المعرفة متعددة الأوجه. "صحفي الواقع" يتسلل بين "الألغام" ويمرّ بين خيوط شبكة من الضغوط التي لا تحصى خيوطها، والواقع التونسي ليس واقع فرنسا او أمريكا ولا الواقع التونسي قبل الثورة هو الواقع بعدها، وهذا يصحّ لكل بلد. هذه المهارات والتجارب وهذا التكييف، وهذه الموازنات اليومية التي يقوم بها الصحفي لإنتاج مواضيعه، وتجعله وكأنه يتقدّم في أدغال، يصنع لنفسه طريقا مخصوصا فيها، تعجز الكتب على الإحاطة بها.

فالصحافة ليست نشر الكلام والصّور فقط، وإن كان هذا الجانب جوهريا في هذه الصناعة التي تتوجّه الى العقول والقلوب عبر "رسائل إعلامية"، والصحافة ليست فقط نصوصا مكتوبة، مهما بلغت الإتقان التحريري، و إن كان التحرير آخر خط في سلسلة الأعمال الصحفية، و الصحافة ليست علوما و ثقافة راقية، مكانها أدراج المكتبات و المخازن الرقمية للمعرفة، و إن كانت شرطا لازما لجودة مضامين الموضوعات الصحفية، والصحافة ليست فقط جماهير عريضة من المتابعين والمتفاعلين، وإن كان جمهور المواطنين العريض هو الهدف في نهاية الأمر من كل العملية الصحفية، والضامن لتدفّق الأموال من الإعلانات ومن مبيعات الجرائد.

كذلك، الصحافة ليست تقنيات طباعة و تجهيزات ارسال فقط، و إن كانت شديدة التأثر في مضمونها و فنونها بكل أشكال تكنولوجيا المعلومات بكل مستوياتها منذ  ظهور الطباعة الى آخر صيحة في مجال الذكاء الاصطناعي (مثل برمجية تشات جي بي تي التي تسمح بتوجيه طلب الى الكمبيوتر في شكل سؤال حول أية مشكلة فكرية أو تقنية، و الحصول على إجابة مكتوبة فورية بأكثر من لغة).

والصحافة ليست مؤسسات اقتصادية ورأس مال و منظومة إدارية من صنف القطاع العمومي أو القطاع الخاص، وإن كانت تحتاج الى هذه الأطر الاقتصادية و المنظومات التي تضمن المال و تهيكل التحرير، وتحوّل الفرد الكاتب المبدع الى "مكنة" تنتج وتوزّع المعلومات. 

فالصحافة هي محصّلة كل هذه الابعاد في نفس الوقت، متكاملة ومتناقضة، فإذا اختزلت في واحد منها يصعب فهمها، وتنتفي القدرة من الاستفادة الجماعية من فضائلها، و "يغترّ" و "يلتذّ" بممارستها كل جاهل لها ولعلومها ولفنونها، وكلّ من ترك التواضع كمقوّم من مقوّمات التعلّم. الصحافة في أعلى "طبقاتها"، كانت وستكون أكثر فأكثر صناعة نخبة ذهنية، حتى وإن بدت رسائلها ومواضيعها بسيطة وسهلة، وهذا ما يسمح بتداولها بين الناس، تشترط تكوينا سابقا رفيع المستوى وطويل المدى ضمن جدران المدارس أو بالنسبة للعصاميين كما غيرهم، بين رفوف المكتبات وحلقات الابداع الأدبية والعلمية بكل أصنافها، و قدرات تحريرية عليا و مهارات فنية متنوّعة.

الصحافة ضمن المهن الفكرية رغم تعاظم دور التكنولوجيات

المتغيّر الرئيسي اليوم وغدا، هو أنه على "صحافة النخبة" هذه أو "صحافة الاتقان"، التي لا تتجه إلى المواطن الناخب فقط، ليسقط في صندوق الانتخاب، ورقة مساندته لزيد أو عمرو، ولا تتجه إلى المواطن المستهلك فقط الذي تسعى الإعلانات الى إفراغ جيبه، لكنها تتجه إلى "المواطن الذكي" في كلّ أوجه حياته، عليها أن تتعايش مع طبقات أخرى من الصحافات و من ضمنها صحافة "الجمهورعايز كدا"...التي لا تقلّ أهمية، لأنها تصل الجماهير العريضة، وقد تكون القناة الغالبة و النّمط السائد للوصول الى عقول الناس وقلوبهم، وهذا أخطر الرهانات في المجتمعات الحديثة، حتى أن البعض يتحدّث عن "اقتصاد الانتباه"، أي كل هذه الصناعات الثقافية التي تشدّ الناس وتتحوّل الى نشاط رئيسي عبر القراءة والتصفّح الالكتروني والاستماع أو المشاهدة، ضمن جدول أوقاتهم اليومي.

والصحافة كنشاط النخبة، يصحّ عليها أكثر من أي وقت مضى، ما قيل فيها قديما أنها "مهنة المتاعب" مع اختلاف أوجه التّعب. وجانب من هذا التّعب الذي نخصّص له هذا الكتاب، هو التواضع لتعلّم علومها وفنونها، التي رسّختها آلاف الكتب الصادرة عالميا بمختلف اللّغات، وكذلك الصحافة المحفوظة في عقول المهنيين المتمرّسين وقلوبهم، ثمرة ممارساتهم وتجاربهم، و هي كنز مخفي، يصعب الوصول اليه من غير زمالة طويلة، تسمح بنقل الإرث بأسلوب صامت بطيء، "قطرة قطرة"، من جيل الى آخر.

صمّام الأمان وطوق النجاة للصحافة و للصحفيين الاحترافيين اليوم، هو تميّزهما في كل ما يستسهله هواة "الكتابة الفورية" في المواقع الالكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، أي "الصحفيين بالفعل" وبصدفة تكنولوجيا المعلومات، سواء في اختيار المواضيع في علاقة مع واقع المجتمع حتى تكون "التغطية" فعلية وشاملة و متوازنة لكلّ الأطراف الفاعلة في الساحة العامة، ولكل الطبقات والقضايا الجوهرية التي يواجهها كل مجتمع إنساني، أو الحرص على تدقيق الأخبار وعدم الانجراف إلى تيّار الأخبار المتسرّعة والكاذبة التي تستهوي لجدّتها الظاهرية وطرافتها المصطنعة، أو جودة النصوص الإعلامية وثرائها وفائدتها كغذاء فكري وروحي، وقيمة أفكار مقالات الرّاي التي تنشرها حتى لا تكون نصوصا يغلب عليها التعبير النرجسي و يغيب عنها الاقناع، و هذا ما سنفصّله في باب من أبواب الكتاب.

العلوم بمعنى تراكم المعارف والفنون الصحفية، هي التي "ستنقذ" الصحافة، إن وجدت من يتبنّاها منهجا في عمله ويصبر على تعلّمها وممارستها ويضمن الظروف الموضوعية والمادية والأطر المؤسساتية المناسبة لبقائها. المعركة لن تحسم تكنولوجيا، وان غاب الورق كوعاء مادي للصحافة، بل ستحسم فكريا وفنيا، وتشترط قدرة كل من يشتغل في هذا الحقل، سواء كان من المستثمرين وأصحاب المؤسسات أو القيادات التحريرية بكل مستوياتها، أو الصحفي القاعدي، وهو الجندي المرابط على أرض الميدان، الذي لن تحسم المعركة من غير إعلاء دوره وتثمينه وتأمين رزقه اليومي والسّماح لقدراته الفكرية والحرفية بالانتعاش و النّماء في بيئة الحرية والذكاء و الخيال و الابتكار و التعاون و التواضع و المسؤولية، لأن العمل الصحفي يبقى عملا فكريا بالأساس، رغم تعاظم حضور التكنولوجيات في العمل اليومي، و هو بحاجة الى معادلة صعبة، بين العمل الفردي الذي يسمح بالتجديد و الابتكار و العمل الجماعي ضمن هيئة تحرير و سياسة تحريرية، و إن كانت لازمة فلا يجب أن تكون خانقة.

الصحافة الإلكترونية بحاجة إلى إرث الصحافة التقليدية

الانتقال من الصحافة الورقية الى الصحافة الالكترونية، ليس مجرد تغيير في الوعاء مثلما تصور ذلك في مرحلة أولى أصحاب الصحف الذين وضعوا نسخة الكترونية من جرائدهم على مواقع في الانترنت، مطابقة للأصل على الورق. فذلك لا يعد الا اهدارا للعديد من الامكانات التقنية التي تتيحها و سائل الاعلام والاتصال الحديثة والتي يمكن أن تدخل نقلة نوعية حقيقية تمس مختلف أوجه ممارسة المهنة الصحفية.

إنتاج الرسائل الإعلامية نشاط فكري بالأساس، لذلك من الطبيعي أن تلجأ كل وسائل الإعلام من الصحافة الى الإعلام الإلكتروني، الى موروث فكري إنساني نشأ وتطور في مختلف مجالات الإبداع الفكري، مثل الأدب والتاريخ وغيرها من الحقول. ولكنه لا يمكن أن ننكر أيضا أن الرسالة الإعلامية إضافة الى بعدها الفكري شديدة الارتباط بطبيعة الأداة المستعملة لتشكيلها وتخزينها و نشرها.

هذا الالتقاء بين المكون الفكري للرسالة الإعلامية الذي يحدد مضمونها والمكون التقني الذي يحدد شكلها وظروف إنتاجها، وطرق توزيعها، أدى الى نشأة أساليب و قوالب خاصة بالصحافة المكتوبة و الراديو و التليفزيون، ابتكرتها الممارسة المهنية و قننتها و سمحت بنقلها عبر الأجيال كتب الصحافة و الإعلام.

نشأت الصحافة المكتوبة في القرن السادس عشر ميلادي وتوسع انتشارها الجماهيري، مطلع القرن العشرين، واعتمدت الكتابة لصياغة رسائلها. وإذا كانت الصحافة جديدة النشأة فأن الكتابة فن قديم اعتمدته الإنسانية لصياغة آدابها ومن الطبيعي أن تحاكي النصوص الصحفية الكتابة الأدبية. ولم تنجح الصحافة في تطوير أسلوب مميز عرف بالأسلوب الإخباري إلا مع ظهور وكالات الأنباء في منتصف القرن التاسع عشر، التي طورت أسلوبا اعتمدته فيما بعد الجرائد وأصبحت تدرسه مدارس الإعلام التي نشأت في نهاية القرن التاسع عشر وانتشرت بين الحربين في أروبا وفي النصف الثاني من القرن العشرين في البلدان النامية.

وعند نشأة الراديو في العشرينات من القرن العشرين كان من الطبيعي أن يعتمد أسلوب الصحافة المكتوبة، فكانت النشرات الإخبارية الإذاعية "جرائد منطوقة"، إلى أن تراكمت التجربة ونشأت أساليب عمل وإنتاج خاصة بالراديو، أصبحت تدرس في كليات الإعلام. وتكررت التجربة نفسها، عند نشأة التليفزيون، فكانت في حقبة أولى"إذاعة مصورة"، إلى أن ابتكر الإعلام التليفزيوني أسلوبا خاصا.

ومن الطبيعي أن يكون الإعلام الإلكتروني في مرحلة أولى شديد الارتباط بأساليب إنتاج وأشكال إعلامية صاغتها كل من الصحافة والراديو والتليفزيون إلى أن تتراكم التجربة ويبتكر الإعلاميون أساليب وقوالب خاصة أكثر ملاءمة تتيحها هذه الوسيلة الإعلامية الحديثة. وكما أنشأت كل وسيلة إعلامية أساليبها المميزة، بدأ الإعلام الإلكتروني و هو في خطواته الأولى يبتكر و يطور أسلوبه المميز و هذا الاتجاه سيكون أكثر وضوحا في السنوات القادمة.

عبر كل هذه المحطات التاريخية التي تداخل فيها البعد الفكري للعمل الصحفي مع البعد التكنولوجي الذي تعاظم من مرحلة الى أخرى، يبقى السؤال الجوهري: كيف يمكن للصحافة أن تراكم أرقى أساليب عملها المتوارثة منذ عشرات السنين مع متطلّبات أحدث تقنيات المعلومات؟ فالتكنولوجيا لم تلغ جوهر المهنة الصحفية، ولكنها بعثرت أساليب عملها المتقادمة.

نعم الصحافة ابنة دهرها، فماذا يعلّمنا الدهر عن الصحافة سواء كانت تقنياتها مطابع القرن التاسع عشر، الذي عرف نشأة الصحافة الشعبية في أمريكا وبعض البلدان الأوروبية، أو صفحات الفايسبوك التي يكتبها اليوم المراهقون، كما الوزراء والأدباء؟
يحيط الكتاب بأهم أشكال الكتابة الصحفية من الخبر الى الرّأي ويمنح نصائح لتنظيم العمل الصحفي، لكنه لا يتناول الوجه الجديد للصحافة الالكترونية، لأن صاحب الكتاب يجهل هذا المجال وان كان يعي انه مجال المستقبل وتوفّرت فيه اليوم عدة كتب جيّدة ودورات تدريبة مفيدة.

لكني أرى أن ارث الصحافة التقليدية، أي صحافة ما قبل الانترنت وما قبل الشبكات الاجتماعية، وهو ما يحاول كتاب "التحرير الصحفي من الخبر الى الرأي" تقديمه، يمكن أن يكون منجما من الأفكار والحلول والمهارات القديمة التي اثبت الزمن قيمتها الراسخة والصالحة قبل الانترنت وبعده، لأن الصحافة الالكترونية، وإن ألغت الطباعة والورق، وإن سمحت للقارئ بالتعليق الفوري اسفل المقال وحوّلته من متلقّ سلبي الى شريك في الكتابة، دائم التفاعل، وإن طوّرت هذه الصحافة الحديثة أساليب عمل جديدة وبعض الأشكال المستحدثة، فهي لم تلغ كل المهارات السابقة وكل أشكال الكتابة الصحفية قبل الانترنت، بل هي على العكس من ذلك، في حاجة الى هذا المنجم من الخبرات السابقة، تترك ما لم يعد يصلح و تضيف الجديد و تكرّس القديم المتجدد الذي يعبر الزمن والتقنيات.

مقدمة كتاب التحرير الصحفي من الخبر إلى الرأي،
نشر مجمع لطرش للكتاب المختص، 2024، 428ص.

 

المهدي الجندوبي
مشرف على مدوّنة تعنى بالتحرير الصحفي
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.