حكيم قبطني: دلتا الجنوب التونسي أحد الحلول الجدية لمجابهة الشح المائي

الموائد المائية الصحراوية الباطنية للعرق الشرقي الكبير (وثيقة عدد 1) تستغل بصفة مشتركة بين البلدان الثلاثة تونس وليبيا والجزائر وذلك بكميات متفاوتة. تنقسم هذه الموارد المائية المهمة الى مائدة المركؐب النهائي ومائدة القاري المتداخل. تعتبر مائدة المركب النهائي المائدة الاقل عمقا والاكثر استغلالا عن طريق العيون بالمنطقة الشمالية للشطوط الكبرى والنظام التقليدي الفقارة بالجزائر أضافة الى الاف الابار منها المرخصة ومنها العشوائية في مناطق الواحات خاصة بقبلي وغدامس وواد صوف وورقلة الخ. كما تعد مائدة القاري المتداخل الاكثر عمقا والاكثر مخزونا وامتدادا (وثيقة عدد 1)، مقارنة بمائدة المركؐب النهائي، وهي مستغلة عشرة مرات أكثر بالجزائر مقارنة بتونس وبنفس القدر تقريبا بين تونس وليبيا. تتميز هذه المائدة بسمكها الهائل في وسط حوض العرق الشرقي الكبير بالجزائر مع ارتفاع حرارة المياه والملوحة لأكثر من خمس غرامات في اللتر أحيانا لكنها تتميز بملوحة معتدلة قرب مناطق التغذية الطبيعية. بعد مراجعة معطيات جيولوجية وجيوفيزيائية وجيوكيميائية وهيدروجيولوجية أمكن تحديد منطقه ممتدة على طول الطريق الرابطة بين رمادة وبرج الخضراء، وبالتحديد بين بئر الزار وبرج الخضراء، تتميز بوجود خزان رملي على كامل المنطقة وله حرارة ضعيفة وملوحة معتدلة. يمكن اعتبار هذه المنطقة الاستراتيجية، والتي قد نسميها منطقة دلتا الجنوب التونسي، مجالا لتفعيل أحد الحلول الجدية لمجابهة الشح المائي الحالي والمستقبلي إضافة الى حلول تحلية مياه البحر والمياه قليلة الملوحة بالساحل والقيروان واستغلال جدي للمياه المعالجة وتدوير المياه الصناعية الخ. تمتد منطقة دلتا مجردة الجنوب التونسي من حقلين للمياه الجوفية لمائدة القاري المتداخل بجهة برج الخضراء ويمكن ان يتكون كل حقل من 100 بئر عميقة حيث يمكن إدراك الطبقة الرملية للقاري المتداخل على معدل عمق يناهز 700 متر وبسمك 250 متروملوحة لا تزيد على اثنين غرام في اللتر. كما يمكن الاقتصار، في هذه المنطقة، على استغلال المستوى العلوي للباريميان (العصر الطباشيري السفلي بين من 125 مليون و130 مليون سنة) في حدود سمك 150 متر لنقاوته ونفاذيته الجيدة.

(وثيقة عدد 1)

تعتبر الطبقة الجيولوجية للقاري المتداخل نتاجا لرواسب دلتا كريتاسي قديم يمتد من حمادة تينرهرت جنوبا الى الوسط التونسي. تظهر هذه الطبقة جنوبا للعيان على سطح الارض بسلسلة الظاهرالتونسية مع وجود احفوريات لديناصورات واشجار متحجرة كانت متواجدة في مجال الدلتا. تقع منطقة برج الخضراء محل الدراسة في طريق جريان المياه العميقة من الجنوب أي من حمادة تينرهرت نحو الشمال اي بالشطوط الكبرى الفجاج والجريد والغرسة بتونس وملغرير ومروان بالجزائر. تتميز منطقه برج الخضراء بوجودها بالقرب من مكامن التغذية الطبيعية للمائدة المائية وان كانت ضعيفة حاليا لكنها كانت على قدر كبير من الأهمية للتغذية في عصور غابرة وخاصه في الهولوسانأي ما قبل 10000 سنة. في تلك الفترة كانت الصحراءمنطقة خضراء وهذا ما تؤكده مشاهد للفن الصخري لإنسان ما قبل التاريخ الموجودة بسلسلة الظاهر التونسية بغمراسن وايضا بجبال قفصه وعرباطة والثالجة وسقدود والمتلوي. على عكس مناطق قبلي والجريد التي ترتفع فيها ملوحة هذه الطبقة المائية نسبيا فان الملوحة بأقصى الجنوب التونسي تتراوح بين واحد غرام في اللتر واثنين غرام في اللتر. ويمكن التركيز على استغلال المستويات الأقل ملوحة وذلك ان اعتمدنا على استكشاف جيوفيزيائي جيد قبل حفر الابار وتجهيزها.

كما اود من خلال هذا المقال المقتضب التنبيه على اهمية التشاور ورسم الاستراتيجيات المشتركة مع بلدان الجوار وتفعيل أكثر لدور مرصد الساحل والصحراء والاخذ بآراء الأساتذة الباحثين والخبراء في طرح تشاركي جديد. مع العلم ان هناك برمجة للمرحلة الرابعة من مشروع النهر الصناعي العظيم بليبيا والمسماة بمنظومة غدامس الزوارة الزاوية مع امكانية حفر 106 ابار بحقل غدامس بطاقة استخراج للمياه تناهز 250 ألف متر مكعب يوميا. كما نلفت النظر لإمكانية الاستغلال المفرط لمياه هذه الطبقة بالجزائر وبالخصوص بخوض غدامس في حال انطلاق برنامج استخراج الغاز الصخري مع تنامي الطلب الطاقي العالمي.

في الختام، دلتا الجنوب التونسي قد تمكننا من موارد مائية مهمة وعذبة اعتمادا على استغلال ذكي رقمي ومستدام مع مدها على خط يصل برج الخضراء بمدنين مرورا برمادة وتطاوين مع وجود روافد باتجاه الذهيبة وبن قردان وجرجيس لإحياء الجنوب التونسي.

أ. حكيم قبطني
أستاذ تعليم عالي في الجيوفيزياء المطبقة لاستكشاف الموارد الطبيعية