صدور الترجمة العربية لرواية "عودة كازانوفا"
عرفت رواية "عودة كازانوفا" للكاتب النمساوي الكبير أرتور شنيتزلر المنشورة سنة 1918 نجاحا كبيرا، حيث تجاوزت طبعاتها الأربعين بعد مرور أقل من ثلاث سنوات على نشرها. وتُرجمت الرواية إلى لغات عديدة واستُلهمت في فلم سينمائي، أوائل التسعينات من القرن الماضي، من بطولة الممثّل الفرنسي الشهير ألان ديلون، شأنها شأن أعمال أخرى للمؤلّف وجدت طريقها إلى الشاشة الكبيرة.
وشخصية كازانوفا هي شخصيّة إيطالية تاريخيّة حقيقيّة من القرن الثامن عشر، حيث كان عازف كمان وكاتبا ومبعوثا سياسيا تنقل في أنحاء أوروبا ودخل السجن بسبب أفكاره. غير أنّه تحوّل إثر وفاته إلى "أسطورة" اهتمّ بها الأدباء والفنانون لا سيما في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، في مجال الثقافة الألمانية. غير أنّ رواية شنيتزلر تتميّز، مثلما قيل، بمحاولة نزع السحر عن تلك الأسطورة بشكل يمكن اعتباره تشريحا ساخنا لتلك الشخصيّة، فضلا عن كونها تتضمّن تناصًّا مثمرا مع أعمال كلاسيكيّة في الأدب الألماني منذ عصر الباروك واعتمادها على تقنيات سرديّة متعدّدة كان شنيتزلر من السبّاقين إليها في عصره مثل المونولوغ الداخلي و"الأسلوب غير المباشر الحرّ" وتيّار الوعي. يُضاف إلى ذلك عمق التحليل النفسي والمعالجة الحداثية للهويّة باتّجاه التحرّر من قسر الماهية الواحدة المغلقة والانفتاح على التناقضات ومصالحتها في بوتقة الذات. وفي هذه الرواية يتخلّى شنيتزلر عن المكان المفضّل في كلّ أعماله السرديّة والمسرحيّة أي فيينا وغاباتها ليختار إيطاليا ومدينة البندقيّة وما حولها تحديدا.
لقد عاش شنيتزلر (1862-1932) في العاصمة النمساويّة التي كانت في تلك الفترة، مثلما يرى البعض، رَحِمَ الثقافة الأوروبية الحديثة في مجالات مختلفة. وقد اعتبره فرويد في رسالة شهيرة بتاريخ 14 مايو 1922 "توأمه" واعترف بتأثير هذا الأديب عليه بعد أن قرأ أعماله التي ظهرت قبل ظهور التحليل النفسي. غير أنّ شنيتزلر بدوره قد تأثّر بأعمال فرويد وكان بينهما تفاعل نشط من خلال نقاشات مباشرة. ورغم الفارق النسبي في السنّ فإنّ نقاط التشابه بين الرجلين كثيرة. فشنيتزلر بدوره طبيب من أصل يهودي، لم يتخلّ يوما عن مهنته وكتب في مجال البحوث الطبيّة وهو مثل فرويد لديه تفكير نقدي ثاقب جعله يتحفّظ مثله على أسس تفكير الحركة الصهيونية. غير أنّه قبل كلّ ذلك كاتب كبير قارنه النقاد بهنريك إبسن وأنطون تشيخوف وكان أدباء النمسا من معاصريه يطلقون عليه لقب "الأستاذ".
صدرت الترجمة العربية للرواية عن الألمانية بقلم الكاتب والمترجم التونسي محمد المهذبي، عن دار صفحة سبعة للنشر بالسعودية.
- اكتب تعليق
- تعليق