المفكر الفرنسى والمتخصص فى الشرق الأوسط جيل كيبيل لـ »الأهرام«: الحرب فى أوكرانيا تهدد التوازن الأساسى للنظام العالمى
• «التطرف» فى أزمة.. لكن الاضطرابات المقبلة فى الشرق الأوسط نتيجة الحرب ستمنحه فرصا للعودة
• لا أؤمن بإمكانية وجود «ناتو» شرق أوسطى.. و التحدى فى المنطقة هو إعادة بناء مركزيتها على المستوى العالمى
• فى أوروبا .. الجهاديون والإخوان المسلمون واليمين المتطرف يعززون بعضهم بعضا
فتحت الحرب الروسية ـ الأوكرانية قوس أسئلة الأزمات الإقليمية والدولية لتتساقط على الرؤوس كأحجار الدومينو، وأفضت إلى عالم وتحالفات جديدة تتشكل، وفى لحظة مفصلية يعيشها الشرق الأوسط « منطقة الرمال المتحركة» فى ظل معاناته التاريخية من صراع القوى العظمي، يبقى قوس الأسئلة مفتوحا عن شكل المستقبل على المدى البعيد، أو حتى على المدى المتوسط، وفى حوار مع «الأهرام» يستعرض جيل كيبيل، المفكر الفرنسى والمتخصص فى الشرق الأوسط، التغير الهائل فى الشرق الأوسط وأثر الحرب الأوكرانية على النظام العالمى، كما يلقى الضوء على الأزمة التى يعيشها المتطرفون ويقارن بين «الانفصالية الإسلامية» والفتنة الطائفية التى عاشتها مصر فى عقود مضت.
وكيبيل هو مؤلف لأكثر من 20 كتابًا عن العالم العربى الحديث، تُرجمت إلى 17 لغة، وبدأ مسيرته الأكاديمية فى مصر، حيث عاش من 1980 إلى1983، وشهد عن كثب اغتيال الرئيس السادات، وصعود الحركات الإسلامية السياسية، إضافة إلى رصد التاريخ العالمى للحركات المتطرفة، من أفغانستان «القاعدة» و«داعش»، كما درس التطورات العديدة لمسلمى الشتات فى أوروبا، وأعد عام 2017 دراسة عن «الإرهاب فى فرنسا» حلل فيها الهجمات الأخيرة من قبل تنظيم داعش وآخرين، وهذا العام عين مبعوثا خاصًا للرئيس الفرنسى ماكرون، للعلاقات مع محيطها فى شمال إفريقيا والساحل والشرق الأوسط، وقد أدلى برأيه فى هذا الحوار بصفته الشخصية فقط .. وإلى نص الحوار..
ما الظواهر الجديدة التى من الممكن أن تخلقها الحرب الروسية ـ الأوكرانية، وهل سنشهد تحالفات جيوستراتيجية جديدة وحالة من الاستقطاب السياسى؟
أعتقد أن تلك الحرب من شأنها تغيير قواعد اللعبة بشكل رئيسى فى المشهد العالمى، فقد هاجمت روسيا، القوة النووية، دولة جارة وجزءا من القارة الأوروبية والمرشحة حاليا لعضوية الاتحاد الأوروبى، لذلك فإن الحرب الحالية تهدد التوازن الأساسى للنظام العالمى، وتعطل أسواق النفط والغاز، التى تمثل أهمية لدول القارة العجوز، وصادرات الحبوب من أوكرانيا، ما يهدد دولا مثل مصر التى تعتمد بشكل كبير على مثل هذه الواردات، كما أنها تخلق تحالفات جديدة فى الشرق الأوسط ككل، وإذا ظلت أوكرانيا محتلة، ولو جزئيًا، فسيعطى ذلك للصين مدخلا لغزو تايوان، كما أن عددا من الدول الموالية للغرب التى كانت مستعمرة من قبل أوروبا قد حافظت على موقف محايد، لا سيما فى إفريقيا وآسيا، ويبدو أن التصعيد العسكرى لا مفر منه بالنسبة للكثيرين، الذين يحبسون أنفاسهم من امتداد تلك الحرب، وذلك فى الوقت الذى أصبحت فيه الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، اللتان كان لهما تأثير كبير على الشئون العالمية فى العقدين الأولين من القرن الحادى والعشرين، عاجزتين، إن لم تكونا غير ذى صلة بالقضية.
الشرق الأوسط كان أحد أهم المسارح التى دارت فيها الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي؟ فهل نعيش أجواءها مرة أخرى؟ وما أبرز أشكالها؟ وهل سيعود الشرق الأوسط إلى لعبة الشطرنج الكبرى؟
لقد تغير الشرق الأوسط بشكل هائل منذ الحرب الباردة، معاهدات السلام بين مصر، ثم الأردن، مع إسرائيل، ومؤخراً «اتفاقيات إبراهام» مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، استطاعت من خلالها الدولة اليهودية أن تقلل بشكل كبير من حدة التوتر العربى الإسرائيلي، وهو الأمر الذى يوفر وسيلة إقليمية للمواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا، أضف إلى ذلك فإن قطر انجذبت أيضا إلى روح هذه الاتفاقيات، والتى تتمثل فى إنشاء نوع من «المشروع المشترك» بين أموال النفط العربية وإسرائيل «الدولة الواثبة»، ببيئتها التكنولوجية الضخمة، ومشروع نيوم فى المملكة العربية السعودية هو جزء لا يتجزأ من نفس المشروع، فقد اتجهت المملكة غربا نحو البحر الأحمر وقناة السويس، على الرغم من أنها لا تستطيع قبول اتفاقيات إبراهام رسميا، حيث إنها ستظل، فى هذه المرحلة، ضارة لوضعها حيث يلقب ملكها بـ «خادم الحرمين»، كما تواجه قيادة السعودية للإسلام على المستوى العالمى تحديات كثيرة.
إن جاذبية الازدهار الإقليمى تحت رعاية الولايات المتحدة هى التى أبقت روسيا فى مأزق، كما قللت من جاذبية الإخوان المسلمين، حيث إن السياسة الرئيسية لهم فى الشرق الأوسط هى توفير ما يرجح كفة الأغلبية فى الكنيسيت لأى حكومة إسرائيلية وذلك بفضل أربعة ممثلين لمنصور عباس، عضو الكنيست وزعيم القائمة العربية الموحدة ونائب رئيس الحركة الإسلامية، يا لها من مفارقة تقول الكثير عن التغييرات التى تحدث فى المنطقة: «الدولة الصهيونية» التى كان يتم سبها كثيرا البارحة لا يمكن أن تعمل اليوم إلا بفضل دعم التيار الإسلامى، ... حتى يتمكن الحزب الإسلامى من ضخ الأموال فى الأحياء العربية الإسرائيلية المتداعية!!.
ماذا سيكون تأثير هذه الحرب على الإرهاب العالمى فى ظل الاضطرابات الاجتماعية والأمنية التى تسببها، والتدفق الهائل للأسلحة إلى أوكرانيا المتوقع وصولها إلى السوق السوداء؟
كانت حرب أوكرانيا أولا وقبل كل شيء محاولة من قبل الرئيس الروسى بوتين لاستعادة وضع دولته كقوة عظمى، وكان عرض القوة يهدف إلى ذلك، على الرغم من أنه من غير المؤكد أن زعيم موسكو الهرم (المسن) لديه رؤية واضحة للمخرج، باستثناء التسليح القوى ضد الغرب.. وفى غضون ذلك ، فإن عدم التوازن العالمي، الذى أطلق العنان لنا جميعا فى كل من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من ناحية، وأوروبا من ناحية أخرى، يعد مثيرا للقلق، « أعمال شغب الخبز» أو «تظاهرات الخبز»، على رأس الحكومات المزَعْزَعة الاستقرار فى السواحل الجنوبية والشرقية للبحر الأبيض المتوسط، سوف تترجم إلى هجرات غير شرعية متجددة إلى أوروبا، بعضها نذير للإرهاب من ناحية، وصعود لليمين الأوروبى المتطرف كرد فعل من ناحية أخرى، مشيرا إلى أن الكثير من الأسلحة التى استخدمها «داعش» على الأراضى الأوروبية تم تهريبها من الترسانات السوفيتية السابقة، أخطرها الرشاش «إيه كيه 47» السيئ السمعة.
عانى الشرق الأوسط على مدار تاريخه من ويلات الحروب، ربما بسبب سوء فهم الجذور التاريخية البعيدة والقريبة التى تغذى هذه الصراعات؟ فكيف يمكن غلق قوس أزماته التى لا تنتهي؟
فى مسيرتى المهنية التى استمرت أكثر من 40 عامًا كمتخصص أكاديمى فى البحر الأبيض المتوسط، حاولت أن أضع منظورا تاريخيا للصراعات التى تتكشف أمام أعيننا، للأسف لم يتم أخذ هذا المنظور فى الاعتبار من قبل القوى الموجودة، وهو الآن يعود علينا بالانتقام من قوى الشر، وقد يكون هذا هو السبب وراء تكليفى من جانب الرئيس إيمانويل ماكرون بالمهمة الحالية ، وأقترح أن يجتمع دعاة المجتمع المدنى وقادة دول البحر الأبيض المتوسط بدون استثناء لإغلاق «قوس الأزمات» التى ذكرتها. !
أمام المشهد المأساوى الذى يعيشه العالم هل نحن بصدد ظهور الجيل الجهادى الخامس؟ وما مكامن خطورته ومناطق انتشاره؟
لقد كرست الكثير من الاهتمام لذلك فى كتابى الأخير «النبى والوباء» (2021)، لاحظت أن الهجمات الإرهابية الأخيرة التى تعرضنا لها فى فرنسا أو النمسا فى خريف عام 2020، كانت من نوع مختلف، على عكس نمط العمليات السابق للقاعدة أو داعش، لم يكن الجناة ينتمون إلى سلسلة القيادة، لقد تم حشدهم بأنفسهم فى أهداف القتل لأنهم قرأوا على هواتفهم المحمولة رسائل نشرها «رواد أعمال الغضب»، والتى حددت أفرادًا أو كيانات مختلفة على أنهم «أعداء الله» و «المرتدون»، والكفار، إلخ، هذه الظاهرة التى أطلق عليها «جهادية الجو»، لأنها تحد كبير للأجهزة الأمنية المدربة على تحديد الأشخاص الذين يصدرون الأوامر...
إذا كانت النكسة العربية الكبيرة التى نجمت عن هزيمة يونيو 1967 قد خلقت حالة من الفراغ التى أسهمت فى تنامى الإسلام السياسي، فإن الدول الأوروبية تشهد منذ سنوات تنامى الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة، من رحم الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فكيف ترى تأثير الحرب فى تفكك الاتحاد الأوروبى؟
لا أعتقد أن الاتحاد الأوروبى يسير على طريق التفكك، بل على العكس من ذلك، فقد أدت التهديدات، سواء من الحرب الروسية - الأوكرانية، أو من هجمات الجهاد الإرهابية، إلى إيقاظ تلك الدول، وإن لم يكن كافياً، وعلينا نحن الأوروبيين بناء سياسة أمن ودفاع محلية قوية، لا تعتمد - فقط - على الولايات المتحدة، رغم أننا بالطبع حلفاؤها.. ألمانيا التى أسست ازدهارها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على غياب الإنفاق الدفاعى وعلى وصولها المميز إلى الغاز الروسى الرخيص، حققت تحولا مهمًا خلال الحرب الروسية ـ الأوكرانية، وخصصت 100 مليون يورو لإعادة بناء الجيش، علاوة على انضمام عضوين جديدين لـ«الناتو»، هما السويد وفنلندا.
مع انحسار داعش أى نوع من الصراع سيشهده الشرق الأوسط الفترة القادمة، وما مستقبل الإرهاب والتطرف؟
المتطرفون فى أزمة كما ذكرت لقد تم القضاء على معظم عناصر داعش بفعل التفجيرات التى تعرضت لها «دولتهم» المارقة فى الشام والعراق بين عامى 2016 و 2019 ، لكنهم يحاولون إعادة التنظيم، وتعلم الدروس من إخفاقاتهم السياسية، وبناء إستراتيجية جديدة، لكن أعتقد أن الكم الهائل من المعرفة المتراكمة بعد دراسة القاعدة وداعش يسمح لنا بتحليل أفضل لما يدور فى أذهانهم، لا يزال التهديد قائماً بالطبع، والاضطرابات القادمة فى المنطقة نتيجة الحرب الروسية ـ الأوكرانية سوف تمنحهم ـ بلا شك ـ فرصاً للعودة، على سبيل المثال إن دول الاتحاد الأوروبى يعيد الآن مواطنوها من داعش الذين تم احتجازهم فى معسكرات كردية شمال شرق سوريا تحت مراقبة وحدات حماية الشعب الكردية، وفى حال وقوع هجوم تركى على الحدود السورية سيؤدى إلى تفكيك مخيماتهم والخروج منها، وبالتالى السماح لعدد من الجهاديين المخضرمين بإعادة تنظيم أنفسهم بهدف إعادة بناء شبكات عالمية.
العالمان العربى والغربى تحديدا يعيشان دون اتفاق على ما يسمى «تحالف الرعب» بين أيديولوجية الإسلام السياسى الجهادوى والأيديولوجية المعادية للإسلام، حيث بات يدعم كل من الجهاديين المتشددين وحركات الإسلاموفوبيا بعضهما البعض، فما تأثير ذلك ثقافيا وفكريا ودينيا؟
إلى حد ما، يعزز الجهاديون والإخوان المسلمون واليمين الأوروبى المتطرف بعضهم البعض، فى الواقع، طبقا لديناميكية صورة المرآة.
أبو مصعب السوري- المنظر السورى لداعش الذى تلقى تعليمه فى فرنسا (جنبًا إلى جنب مع الأردنى أبو مصعب الزرقاوي)- وضعا تصورا لكل ذلك اعتبارا من عام 2005، فقد اتفقا على أن استمرار الهجمات العمياء على المواطنين الأوروبيين من شأنه أن يعزز الشعور المعادى للمسلمين بين السكان ومن ثم يجمع المسلمون الأوروبيون أنفسهم «تحت راية النبي» - على حد تعبير الظواهرى عام 1997 «فرسان تحت راية النبي» ، ويلجأون إلى الجهاديين للدفاع عنهم... مثل أهل السنة العلمانيين العراقيين الذين انضموا إلى داعش لحمايتهم من الميليشيات الشيعية بعد الغزو الأمريكى فى مارس 2003... فى الوقت الراهن، تطورت هذه الظاهرة، التى تؤخذ على محمل الجد من قبل الوكالات الحكومية فى أوروبا، فقط ضمن دوائر محدودة ... يمكنك إضافة سيناريو مفاده أن بعض القوى فى أقصى اليسار تغازل الآن ناخبى الإسلام السياسى من الأحياء المحرومة، من بين المواطنين الأوروبيين المنحدرين من أصول مسلمة مهاجرة أو المتحولين إلى الإسلام ... شىء شبيه بما يفعله الائتلاف الإسلامى فى اسرائيل!.
تشكل الأديان عبر التاريخ أحد العوامل الرئيسة للصراعات، على ذكر الحركات الدينية، فإن هناك رؤى تذهب إلى أن الحرب الروسية - الأوكرانية هى بالأساس ذات أبعاد دينية؟ فما تحليك لتلك الرؤى؟
أنا لست خبيرًا فى روسيا ... ما أفهمه عن حرب أوكرانيا، هو أن هناك أيضًا قضية هوية بين الكاثوليك فى غرب أوكرانيا والأرثوذكس فى الجزء الشرقى من البلاد، ناهيك عن القضية اليهودية فقد كانت أوكرانيا مسقط رأس اليهودية الحسيدية المحافظة، التى اضطهدها النازيون، وأقامت فيما بعد شبكات قوية فى جميع أنحاء العالم، لذلك عندما كانت إسرائيل فى البداية تغض الطرف عن الحرب (لم يصوت نتنياهو ضد الغزو الروسى لشبه جزيرة القرم فى عام 2014، لأن روسيا وإسرائيل اتفقتا على تقاسم الأجواء السورية)، كان هناك بعد ذلك رد فعل قوى من اليهود المحافظين فى إسرائيل، الذين يسيطرون على الكثير من الأصوات، وتبنت الدولة اليهودية موقفا أكثر تأييدًا لأوكرانيا، على الأقل رسميًا...
كيف ترى اللحظة الحالية فى فكرة تشكيل «الناتو الشرق الأوسطى» ضد «الأعداء المشتركين» كما عادت إلى السطح قبل زيارة الرئيس الأمريكى جو بايدن إلى المنطقة؟
لا أؤمن بإمكانية وجود ناتو شرق أوسطى – أو «ميتو» وهو الاسم الذى اقترحه حلف الناتو فى عام 2017 لتأسيس ناتو شرق أوسطى تابع له باسم (منظمة معاهدة الشرق الأوسط)، هذا يذكر بـ «سنتو» - حلف بغداد - فى أعقاب الحرب العالمية الثانية الذى غرق فى الفشل، التحدى فى الشرق الأوسط الآن هو إعادة بناء مركزيته على المستوى العالمي، ليس بسبب أنه نضج بالحروب بين إسرائيل والعرب التى دخلت فيها قوى أجنبية لاعبة، أو فى الوقت الراهن بين ما سبق ذكره وإيران، ولكن بسبب أنه يمكن أن يهيئ الانتقال نحو الطاقة النظيفة وأن يكون أحد منتجيها الرئيسيين- وهو الشىء الذى كان فى طور الإعداد كنتيجة لوباء «كوفيد-19»، أعتقد أن زيارة الرئيس بايدن كانت لديها أهداف أكثر تواضعا - أولها مساعدته على تأمين أغلبية ديمقراطية فى الكونجرس فى انتخابات التجديد النصفى التى ستجرى خريف هذا العام، والتى لا تعد بوادرها كبيرة حتى اليوم إذا صدقنا استطلاعات الرأي.
مع ما خلفته أزمة كورونا من أزمات اقتصادية لدول المنطقة، وما سببته الحرب من آثار طويلة الأمد، هل تتفق أن هناك عقبات كثيرة تواجه الولايات المتحدة حال تشكيل ناتو جديد؟
بعد نهاية إدارة الرئيس الأمريكى السابق ترامب، اندلعت حرب أوكرانيا، والتى أدت إلى اختلاف الصورة نوعا ما، أعتقد أنه بالنسبة للعديد من دول الشرق الأوسط، أولاً وقبل كل شيء مصر - ولكن ليست هى فقط - فإن القضية الملتهبة هى إيجاد طريقة للخروج من مشكلة الحبوب والأمن الغذائى التى تلوح فى الأفق فى غضون أشهر، وهى توازى الشتاء البارد القادم فى أوروبا إذا لم يتم حل مشكلة الغاز، فى تصورى فإن مثل هذه الاعتبارات الواقعية يجب أن تؤدى إلى تنظيم مؤتمر كبير يضم دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا، لأننا نصنع الآن منطقة ممتدة، وعلينا التفكير فى مستقبلنا معًا.
استحدثت الحكومة الفرنسية هيئة جديدة «منتدى الإسلام» للتخلص من التطرف، هل تعتقد أن هذا المنتدى يمكن أن يبنى جسور الحوار وبناء الثقة بين المسلمين فى فرنسا والمجتمع الفرنسي؟ إن اليمين المتطرف فى فرنسا سيأخذ هذا المنتدى كمرحلة لنشر آرائهم حول الإسلام؟
لقد قيل وكتب الكثير فى العالم العربى عن «الإسلاموفوبيا» الفرنسية المفترضة، وهى حملة شجعها فى الغالب جماعة الإخوان المسلمين الدولية وأقرانها، خطاب الرئيس ماكرون ضد «الانفصالية الإسلامية»، أى ضد إنشاء جيوب يسكنها سلفيون وإخوان ومن شابههم الذين يقومون بوضع فهمهم الجامد للشريعة فوق قانون الجمهورية الفرنسية العلمانية، قد خرج للعلن قبل عشرة أيام من قطع رأس مدرس من قبل جهادى شيشانى قرأ منشورًا على تويتر يشيطنه، لأن المعلم طلب من تلاميذه مناقشة رسوم شارلى إبدو، تلك التغريدات تم إرسالها فى كل مكان من قبل «رواد الأعمال الغاضبين» الإسلاميين الذين ذكرتهم فى السطور السابقة، إن «الانفصالية» تضاهى ما سميته بـ «الفتنة الطائفية» فى مصر التى أعتبرها غير مقبولة لأنها أرادت تدمير الدولة والقيم المصرية باسم رؤية متطرفة للدين تهدد النسيج الوطنى، للأسف، لقد كنا، إذا جاز لى القول، «ضائعين فى الترجمة» وأسيء فهمنا إلى حد كبير فى العالم العربى والإسلامي، ربما يكون هذا هو السبب وراء مطالبة شخص لديه بعض المعرفة بالشرق الأوسط بتقديم بعض الأفكار لإصلاح سوء الفهم، موضحا أن «منتدى الإسلام فى فرنسا» يهدف تحديدًا إلى إعطاء مسئولية تجنيد الأئمة وإدارة المساجد لجمعيات من المواطنين الفرنسيين المسلمين الموثوقين، على الرغم من أن الكثير من المشكلة، كما أظهر قطع رأس المعلم، متجذر فى الإنترنت.
كيف تغيّر العالم خلال عقدين على أحداث 11 سبتمبر؟
لم ينجح بن لادن فى بناء دولة، وهو ما حققه تنظيم داعش الإرهابى بين عامى 2014 و 2017، بطريقته المارقة، لكنه قدم مثالا للعديد من الشباب الغاضب وأقام خطوط «صدع» جديدة داخل المجتمعات، وكذلك بين الدول، أعتقد أننا لم نقيم بعد حجم الضرر، ناهيك عن إيجاد الحلول، لهذا السبب أعتقد أن على المجتمعات المدنية والقادة المعنيين أن يأخذوا الأمر بجدية.
- اكتب تعليق
- تعليق