الاقتصــاد والديمقــراطيـة: علاقات شراكة أم صراع ؟
بقلم المنجى المقدم - تطرح مسألة الديمقراطية اليوم بحدّة وتستحوذ على الاهتمام داخل كل الأوساط وعلى جميع المستويات. فمع هيمنة العولمة النيوليبرالية منذ أواسط الثمانينات من القرن الماضي، دخل العالم في حقبة جديدة تبلور فيها بصفة تدريجية اتجاه عام يدعو الى إرساء أنظمة ديمقراطية.
إن الأزمات الاقتصادية والمالية التي شهدها العالم منذ ثمانينات القرن الماضي قد زادت في تدعيم هذا الاتجاه بما أن التداعيات السلبية لهذه الأزمات انعكست بصفة أخطرعلى البلدان ذات الأنظمة الديمقراطية الضعيفة في الوقت الذي تمكنت فيه البلدان ذات الديمقراطية المتطورة من التقليل من الأثار السلبية لهذه الأزمات. وهذا دليل على جدلية العلاقة بين الديمقراطية والتنمية الاقتصادية.
إن العلاقات بين النمو الاقتصادي والديمقراطية معقدة جدّا، نظرا الى ان هذه العلاقات تطغى عليها سمة الشراكة أحيانا وطابع العداء أحيانا أخرى. لقد ظلت هذه العلاقات محل نقاشات وجدالات واسعة. فعند تحليل محتوى هذه العلاقات، من المفترض تحديد اتجاه السببيّة بين هذين المفهومين. بعبارة أخرى، هل أن اقتصاد السوق هو الذي يحدد ويكيّف الديمقراطية أم أن الديمقراطية هي التي تمثل شرطا لكل نمو لهذا الاقتصاد؟
أولا ـ أسبقية الاقتصاد على الديمقراطية
حسب هذه المقولة، لا يحتاج النمو الاقتصادي إلى الديمقراطية ليقوم بدوره، بل إلى أعوان اقتصاديين يتمتعون بدرجة معينة من الاستقلال ويتحركون داخل إطار مجهز بقواعد لعبة مستقرة ومعروفة ولا تتطلب البتّة احترام حقوق الإنسان والديمقراطية.
هذه المقولة تعطي للاقتصاد الأولوية المطلقة وتعتبره أرقى من السياسة وهو ما يترتب عنه فكر واحد يعتمد على مجموعة من المفاهيم الرئيسيّة المتمثلة في اليد الخفية للسوق المصلحة لكل الاختلالات والمنافسة، القدرة التنافسية والتبادل الحر والعولمة،والخصخصة وتقلص دور الدولة، الخ..... ولقد فرض هذا الفكر هيمنته إلى درجة أنه كبل كل محاولات التفكير الحر. الشيء الذي جعل Alain Minc يقول بأن: "الرأسمالية لا يمكن أن تنهار لأنها الحالة الطبيعية للمجتمع. الديمقراطية ليست الحالة الطبيعية للمجتمع. السوق نعم"(1).
ما هي المكانة التي يمنحها هذا الطرح للديمقراطية؟
هذه المقولة تعتبر أن الديمقراطية، أي ممارسة الحريات السياسية، لا يمكن الوصول إليها إلا بعد بلوغ درجة معينة من النمو الاقتصادي الذي يمثل الشرط الضروري والكافي لممارسة الديمقراطية لأن هذه الأخيرة لا تستتب الا بوجود حد أدنى من النمو الاقتصادي المسبق. فكلما ازدادت ثروة الشعب، ازداد طموحه إلى مزيد من الديمقراطية ويصبح من الصعب على دولته رفضها له. إذن، التنمية الاقتصادية، حسب هذه المقولة، هي التي تساعد على فرض الديمقراطية وليس العكس. فمع النمو الاقتصادي، يصبح من مصلحة العمال وأصحاب رؤوس الاموال بأن تكون الدولة ديمقراطية لأن الدولة غير الديمقراطية لا يحبّذها الرأسماليون لأنها تمثل عرقلة لمشاريعهم ولا العمال لأنها تشكل حاجزا أمام ممارسة حرياتهم النقابية وتحسين أوضاعهم الاجتماعية.
إذن، تعتبر هذه المقولة بأن الديمقراطية هي وليدة النمو الاقتصادي وان هذا الأخير هو الضامن لمجتمع ديمقراطي. لذلك، يجب أن تمنح الأولية للاقتصاد، أي إلى الحريات الاقتصادية وليس للحريات السياسية.
تزعم هذه المقولة بأن الديمقراطية مضرّة للأداء الجيّد للاقتصاد لأنها:
• تمكّن الإجراء من التحركات النقابية ومن فرض قوانين الشغل وأنظمة الحماية الاجتماعية. وهو ما من شأنه أن يمنحهم كثيرا من السلطة وبالتالي يجعل الديمقراطية خطيرة.
• تساعد على الزيادة في الأجور التي كثيرا ما تعتبر مضرة بالاستثمارات وبالجدوى الاقتصادية وبالقدرة التنافسية.
• الديمقراطية كثيرا ما تمثل أرضا مواتية لتحقيق المساواة التي يمكن أن تضعف ديناميكية المجتمع بوصفها تشجع العقلية الاتكالية والتهرب من الجباية وهما عاملان من شأنهما أن يحبطا العمل والاستثمار.
اذن تدعي هذه المقولة أن الاقتصاد يمثل شأنا مهمّا لا يجب أن يترك تحت هيمنة العامل السياسي وتحت رحمة الممارسات الديمقراطية. لذلك فإن الديمقراطية يجب أن تكون خاضعة للاقتصاد. يعتبر (2)Robert Barro .أن الديمقراطية لا تمثل النظام المثالي بالنسبة لاقتصاد السوق. حسب هذا المفكر، فإن كمية ضعيفة من الديمقراطية تشجع النمو، لكن العلاقة بين الديمقراطية والنمو تصبح سلبية تدريجيا بعد الوصول إلى درجة متقدمة من الديمقراطية. عندما يقع إدخال كمية من الديمقراطية في نظام لا يزال دكتاتوريا، فإن ذلك يساعد على النمو من خلال الحد من السلطات التعسفيّة للنظام الدكتاتوري. لكن، إذا وقع إدخال كميات إضافية من الحريات السياسية، فإن الديمقراطية العصرية، حسب Barro دائما، من خلال بروز طبقة واسعة من المستفيدين من السخاء السياسي، تضعف الحريات الاقتصادية وحق الملكية وتخلق مناخا مناسبا لممارسة سياسة إعادة التوزيع. بحيث تستعمل المجموعات ذات المصالح الفئوية الديمقراطية للاستحواذ على ثروات الآخرين وBarro يؤكد على أن دولة الرفاه هي تعبير عن هذا الانزلاق. وهو ما جعله يصرح بأن النمو لا يحب كثيرا الديمقراطية. هذه الأخيرة ليست ضرورية للنمو ولا يمكن، في أي حال من الأحوال، أن تضمن الرخاء أو تخلق مواطن الشغل.
يعتبر Barro أن النظام السياسي الأكثر نفعا للجدوى الاقتصادية هو النظام الذي يؤمن الحرية للأسواق ويضمن حقوق الملكية. ويعتبر أن هذا النظام يوجد في منتصف الطريق بين الدكتاتورية المطلقة والديمقراطية. يضع Barro سلما للديمقراطية من 0 (دكتاتورية مطلقة) إلى 1 (ديمقراطية) ويعتبر أن النظام السياسي المثالي هو ذلك الذي يتطابق مع 0،5. ما فوق 0،5 يصبح تطور الحريات السياسية مضرّا بالنمو. لقد كتب في هذا المجال :" عندما تبلغ الحرية السياسية حدّا معينا، فإن كل انتشار إضافي للديمقراطية يولّد ضغوطا على تنمية البرامج الاجتماعية التي تعيد توزيع الثروات. هذه البرامج تضعف حوافز الاستثمار والجهد وبالتالي فهي غير مساعدة على النمو"(3).
في كل الحالات، يعتبر هذا الطرح أن النمو الاقتصادي هي الذي يكيّف الديمقراطية وذلك على الأقل للأسباب التالية:
• النمو يمكن من توجيه موارد بشرية ومالية لفائدة الشأن العام ومن المحافظة على حد أدنى من التضامن الضروري للحصول على انخراط المواطنين.
• النمو يدّعم الممارسة التعاقدية.
• غير أن النمو لا يمكن أن يؤمن الديمقراطية بصفة آلية بما أن هناك دكتاتوريات مزدهرة (مملكات البترول) وأيضا ديمقراطيات فقيرة.
في الخلاصة، تعتبر هذه المقولة أن الديمقراطية هي معرقلة للاقتصاد بسبب تدخل الدولة الذي لا مناص منه داخل الأطر الديمقراطية. فمن خلال تقليص دور الدولة وإلغاء القيود على السوق وعلى المنافسة يقع خلق الثروات بصفة مجدّية وتحقيق التشغيل الكامل. على أية حال، فإن حرية السوق أكثر جدوى من الإجراءات الثقيلة للديمقراطية.
ثانيا – علويّة الديمقراطية على الاقتصاد
إن تطبيق مقولة أسبقية الاقتصاد على الديمقراطية أظهرت العديد من المساوئ. ان الغاء العامل السياسي لفائدة العامل الاقتصادي ينجرّ عنه هيمنة اقتصاد السوق بصفة متوحشة وعجز ديمقراطي كبير وصعوبات جمّة للنشاط الاقتصادي نفسه. وهذا ما تعبّر عنه الاختلالات الخطيرة للاقتصاد العالمي من بطالة مكثفة وتفاقم اللامساواة والفقر في البلدان الغنيّة في حين أن الأوضاع في البلدان النامية ازدادت خطورة بزيادة البطالة والجوع والتهميش.
إن هذه المساوئ هي التي زادت في قيمة المقولة المعاكسة، تلك المقولة التي تعتبر أن الاقتصاد يجب أن يكون خاضعا للديمقراطية وليس العكس وأن الصراع بين الاقتصاد والديمقراطية يجب أن يحسم لفائدة الديمقراطية. هذه المقولة تؤكد أن النمو الاقتصادي لا تستفيد منه الا أقلية والديمقراطية تمكّن من إصلاح هذا الإجحاف. وهذا يعني أن كل سياسة اقتصادية يجب تقويمها من خلال قدرتها على تدعيم أو إضعاف الممارسات الديمقراطية وعلى زيادة أو نقصان مساهمة المواطنين في النظام السياسي. هذا المعيار يعتبر اليوم الأفضل لان أية سياسة، مهما كان حجمها، لا تستطيع النجاح إلا عندما تكسب مشاركة المواطنين. في هذا المجال كتب Nicolaï ما يلي : "الديمقراطية، سواء كانت مستنيرة أم لا، هي النظام الوحيد الذي يقبل علنيّا الوجود الاجتماعي الحتمي لصراع المصالح والآراء والأحاسيس، لكن يعتبر كذلك بأن التصرف الجيد في هذا الصراعات يمكّن في نفس الوقت من مواصلة التقدم وتعميق الديمقراطية : مزيد من الحرية السياسية ومزيد من تساوي الحظوظ"(4).
تعتبر هذه المقولة أنه إذا حدثت تنمية اقتصادية في ظل دكتاتورية فإن هذه التنمية لا تعمر طويلا وتضمحل تحت تأثيرات الرشوة والمحسوبية والقمع. بعبارة أخرى، حتى وإن كان هناك دكتاتورا مستنيرا يقود السياسة الاقتصادية ويؤمن نموّا سريعا لاقتصاده، فهو لا يمكنه أن يضمن بطريقة صادقة أن الحريات الناتجة عن هذه السياسة قادرة على التواصل. من جهة، يمكن لهذا الدكتاتور، بحكم السلطات التي يمتلكها، إلغاء هذه الحريات بدون إعلام مسبق، ومن جهة أخرى يمكن أن يموت أو يرحل ويقع تعويضه بدكتاتور آخر غير مستنير.
ولذلك، فإن الديمقراطية هي الوحيدة القادرة على تدعيم الحريات السياسية وتجعلها أكثر مصداقيةـ
تشكل الديمقراطية عاملا مساعدا على التنمية للأسباب التالية:
• الديمقراطية تشجع على الحرية والمساواة والاستقرار السياسي والمسؤولية والشفافية. وهي بذلك تساعد على التنمية الاقتصادية على المدى الطويل.
• الديمقراطية تمنع حدوث الصراعات الكبرى بفضل إجراءات الحوار والتفاوض.
• الديمقراطية تضمن التصرف في الشؤون السياسية وتحدّ من المحسوبية والرشوة.
• الديمقراطية تسهل مشاركة أكبر عدد من السكان في التضامن الاقتصادي والاجتماعي. بحيث أن المواطنين الذين يمارسون حرياتهم السياسية الأساسية بمقدورهم أن يشاركوا بصفة نشيطة في تنمية بلدانهم من خلال تحديد الأوليات والاستراتيجيات وفرض التغييرات السياسية الجوهرية.
• على صعيد المؤسسات، تمكّن الديمقراطية الأجراء من المساهمة في القرارات الكبيرة التي تهم هذه المؤسسات، وبذلك، يتحملون أكثر مسؤوليات ويتخذون بوادر أكثر. وهو ما يساعد على تحسين إنتاجية المؤسسة ويكون له تأثيرات ايجابية على التنمية الاقتصادية.
في النهاية، وحسب هذه المقولة، فإن الديمقراطية تضمن الحريات الاقتصادية وبالتالي تساعد على النمو الاقتصادي.
ثالثا – التكامل بين الاقتصاد والديمقراطية
تقر المقولتان السابقتان بأن هناك صراع بين الديمقراطية والاقتصاد. غير أن العلاقات بينهما ليست بالضرورة عدائية، بل يمكن أن تكون مترابطة وحتى متكاملة.
ان مقولة التكامل بين الاقتصاد والديمقراطية ليست بالجديدة بما أن (5)M.Friedman يعتبر أن الحريات الاقتصادية والحريات المدنية والسياسية متكاملة وأن بعضها يدعم البعض الآخر. وهذا يعني أن توسيع الحقوق السياسية (الديمقراطية) يمكن أن يساعد على تدعيم الحقوق الاقتصادية وبالتالي النمو الاقتصادي. لذلك، فان كل نمو للاقتصاد يكون في حاجة إلى الديمقراطية والعكس بالعكس. ويعود ذلك للأسباب التالية:
• من جهة، الديمقراطية تمنع إقصاء جزء من المواطنين من طرف السوق. لأنه في غياب الديمقراطية، من المحتمل أن يقصي السوق كل مواطن لا يمتلك قدرة شرائية كافية. ومن هنا جاءت ضرورة تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية.لذلك، لا بد للديمقراطية أن تمارس عند اتخاذ القرارات الكبرى التي تهم إعادة توزيع المداخيل والثروات، خاصة السياسة الاقتصادية والاقتطاعات الإجبارية ونظام الحماية الاجتماعية...
• من جهة أخرى، لا يجب أن تكون السوق تحت الهيمنة الكاملة للسياسة لأنه لا يمكن أن يعهد بإعادة توزيع الثروات والمداخيل إلى الديمقراطية وحدها. فإذا كان الحديث عادة على عجز السوق، فمن المهم التعرّض كذلك إلى عجز الديمقراطية. "إن ترك الاختيارات والتحكيمات الاقتصادية إلى أداء الاغلبيّات المتأرجحة من شأنه أن يجعل الديمقراطية محفوفة بالمخاطر سواء في ما يخص الجدوى الاقتصادية الشاملة أو مصلحة الأفراد المنتمين للأقلية ومستلزمات العدالة الاجتماعية بصفة عامة"(6) . لذلك، فإن الديمقراطية يمكن أن تحدث عدم استقرار يمكن أن يؤدي الى الطعن في وجود الديمقراطية.لذلك فإنه من الضروري تحقيق حد أدنى من التعديل الديمقراطي للاقتصاد في إطار وطني من أجل تفادي أي انحراف أو مغامرة يمكن أن يهددا الديمقراطية.
زيادة على ذلك، فإن مسألة العلاقات بين الاقتصاد والديمقراطية يتم الحسم فيها من خلال الرجوع إلى مسألة أخرى لا تقل أهمية وهي مسألة الجدوى الاقتصادية. هذه الأخيرة لا يمكن تحقيقها إلا جزئيا من طرف السوق. ومن هنا جاءت ضرورة اللجوء إلى تدخل الدولة الذي يعبر عن نفسه من خلال السياسة الاجتماعية التي لا يجب أن تعتبر كمجرّد جزء مكمّل للسياسة الاقتصادية لأنها بكل بساطة لا يمكن فصلها عن الديمقراطية. بعبارة بأخرى، لا يمكن تحقيق الديمقراطية بدون سياسة اجتماعية تسدّ فيها الديمقراطية عجز السوق. فبدون ديمقراطية، يكون القبول بالسوق وحتى وجود السوق مهدّدين.
في هذا الصدد، لا بد من الإشارة الى مسألتين أعطتا أبعادا جديدة لطبيعة العلاقة بين الاقتصاد والديمقراطية : العولمة والإصلاحات الاقتصادية.
• ان عولمة الاقتصاد التي تبلورت في الثمانينات من القرن الماضي لم ترافقها عولمة الديمقراطية. هذا يعني أن الهيمنة الحالية لاقتصاد السوق لم يصاحبها تعميم عالمي للديمقراطية. لقد فرض اقتصاد السوق سيطرته وتقلص تدخل الدولة الاقتصادي والاجتماعي. فباسم الجدوى الاقتصادية، تعاظم دور السوق وانخفضت تدريجيا مساحة الديمقراطية. بعبارة أخرى، هناك تغيير في ترتيب القيم : الجدوى أولا والديمقراطية في ما بعد. لقد نتج عن ذلك أضعاف للديمقراطية بسبب هيمنة العولمة الواقعة تحت تأثير النيوليبرالية المتوحشة والتي لا يمكن ان تؤدي الا لمزيد من الفقر والاقصاء والتهميش في البلدان المتقدمة والفقيرة على حد السواء. كيف يمكن الحديث عن الديمقراطية في عالم تتجاوز فيه ثروة حفنة من الأشخاص مداخيل بلدان كاملة يسكنها مئات الملايين من الأفراد وتتفاقم فيها اللامساواة ؟.
هذه هي الأسباب التي تجعل العولمة عامل اضعاف للديمقراطية. وهو ما يقف وراء ذلك الخطاب المنتشر جدّا والذي يعتبر أن الديمقراطية عرقلة للتنمية.
• فيما يخص الإصلاحات الاقتصادية، فقد ظلت منذ الثمانينات من القرن الماضي محل نقاشات تتعلق أساسا بكيفية تطبيقها وبشروط نجاحها. ومن بين هذه الشروط علاقاتها بالديمقراطية. هل أن الديمقراطية عامل نجاح أو فشل لهذه الإصلاحات؟ إن المقولة المتداولة كثيرا تتمثل في اعتبار أن الحكومة المتسلّطة قادرة على القيام بالإصلاحات بصفة أجدى من الحكومة الديمقراطية.
إن الدراسة التي قام بها John Williamson(7) لثلاث عشرة حالة إصلاحات اقتصادية جوهرية حاولت أن تبيّن أن هذه الأفكار ليست صحيحة. تتركب العيّنة التي اختارها صاحب الدراسة من بلدان غنية وبلدان فقيرة ومن أنظمة ديمقراطية وأخرى قمعيّة. أبرز صاحب الدراسة أربع مجموعات من البلدان:
• المجموعة الأولى، ممثلة بأربع بلدان نجحت فيها الإصلاحات لكن بحكومات تعسفيّة (كوريا الجنوبية في 1979، اندونيسيا في 1982، الشيلي في 1983 والمكسيك في 1987).
• المجموعة الثانية، توجد فيها بلاد وحيدة. تركيا وهي حالة خاصة لأنها معقدة. الإصلاحات باشرتها حكومة ديمقراطية وقعت الإطاحة بها من طرف الجيش. هذا الأخير أعاد فيما بعد السلطة إلى حكومة أخرى ديمقراطية واصلت القيام بالإصلاحات بنجاح.
• في المجموعة الثالثة، هناك ست بلدان ديمقراطية نجحت في الديمقراطية بلا منازع وهي اسبانيا (1982) واستراليا (1983) وزيلندا الجديدة (1984) والبرتغال (1985) وكولومبيا (1989) وبولونيا (1990).
• أخيرا المجموعة الأخيرة، تتكوّن من البيرو (1980) والبرازيل (1987). هذان البلدان، رغم حكومتيهما الديمقراطيتين، فشلا في الإصلاحات، لكن ذلك لم يمنع الديمقراطية من الازدهار.
إن مختلف هذه الحالات تبيّن أن الفكرة القائلة بأن الحكومات الديمقراطية هي أقل قدرة من الحكومات الغير ديمقراطية على إنجاح الإصلاحات هي فكرة خاطئة. بعبارة أخرى، يمكن للديمقراطية والإصلاحات الاقتصادية أن تتطابقا وتتعايشا بصفة جيّدة.
منجي المقدم
كلية العلوم الاقتصادية والتصرف
جامعة تونس المنار
1) « Démocratie et marché : questions à Ignacio Ramonet », Le passant Ordinaire, n°21, août – septembre 1998.
2) R.Barro : « The determinants of Economic Growth », The MIT press, Cambridge, 1997.
3) R. Barro : نفس المصدر
4) André Nicolaä : « Etat de droit, démocratie et développement », Forum de Delphes, Paris.
5) M.Friedman : « Capitalism an Freedom », The University of Chicago Press, 1962.
6) J.P. Fitoussi : « le déficit démocratique de l’Union Européenne », Alternatives Economiques, n°56,2003.
7) John *williamson : « The Political Economy of Policy, Reform », Institute for International Economics, Washington, DC, 1994.
- اكتب تعليق
- تعليق