مختار اللواتي: الرمرمة وتقلُّبُ المواقف وَلَّى عهدُهما
لقد عانينا الكثير من وعودٍ كاذبة لم تر النور، بل حلّت مكانها أفعالٌ إما اعتباطيةٌ غبية أو انتقاميةٌ مدَبَّرة تركت جميعُها أوخم العواقب في المواطنين وفي المجتمع بصورة عامة وفي الدولة في النهاية..
الغريب أن الجميع يردد هذا الإستخلاصَ البديهيَ المرئيَ بالعين المجردة. ولكنْ تحديدُ المسؤولية، هو ما يختلف عليه الفرقاء السياسيون بالأساس والنخبُ بعد ذلك..
خذوا مثالا الحملةَ القديمة المتجددة على المحتكرين والإحتكار، وهي فرعٌ من الحرب القديمة المتجددة كذلك على الفساد والفاسدين المفسدين.. فلا هما حققتا غاياتهما ولا قُضي على الإحتكار والمحتكرين ولا على الفساد والفاسدين..
وتأكدوا أنه لن يُقضى على أيٍ من الوبائين الناخريْن في النسيج الاجتماعي للبلد وفي مفاصل الدولة التي برهنت في مختلف مراحل الحملتين عن عجزها أمامهما..
وهذا الإقرار بالأمر الواقع ليس مبعثه التشاؤم أو التنبير التونسي الأصيل، فأنا من طبيعي دائمُ التفاؤل ولكن بعقلانيةٍ أشدُّ عليها بالنواجذ لتكون بوصلتي عند اختلاط السبل وانتشار الضباب أمام العيون..
وحتى أكون معكم صريحا أقول إن رئيس الدولة عازمٌ صدقاً على تنقية البلاد من كل أنواع الأدران التي تعوق سير دواليب الاقتصاد ومؤسسات الدولة، ولكنَّ دورَ ومسؤوليةَ الرئيس اختلطت لديه بدور المدرس الحريص على استعمال مختلف الطرق البيداغوجية، المجرّبة أوالمبتكرة، لإيصال المعلومة الصحيحة إلى تلامذته أو طلابه، مع مداومة نصحهم إلى أقوم المسالك كي لايقعوا في أخطبوط الغش أو التكاسل، وحتى ينجحوا في دراستهم ويكونوا أُطُراً نافعة لوطنهم ولدولتهم. وهذا الأسلوب والتمشي لايصلح غالبا في تسيير دولةٍ هي منهَكةٌ ومنهوشةُ الشحم واللحم حدَّ العظم..
لطالما كرر رئيس الجمهورية أن إنفاذ القانون العادل على كل الخارجين عليه هو الحل لمقاومة الفساد والفاسدين، بمن فيهم المحتكرون، وأن القضاء المستقل النزيه هو السبيلُ لإعلاء القانون العادل ذاك..
وها نحن مازلنا ننتظر تحقيق وعده، فيما المحتكرون والفاسدون ماضون في احتكارهم وفي فسادهم وإفسادهم.. بل لقد شعرت أن تحذيرات رئيس الدولة أصبحت بمثابة التنبيهات لأولئك بأن يأخذوا احتياطاتهم ويطوروا أساليب احتيالهم وغشهم وفسادهم.. وحتى عند سماعنا خبر مداهمة أحد مخازن المحتكرين، تأتينا أخبار مدموغة من نقابات تشكك في صدقية كون السلع المخزنة هي بفعلِ أو من أجلِ اّلإحتكار..
أكثر من هذا، بالأمس الأول فقط، أي يوم الجمعة، أسمع بطبلة أذنيَّ إمام صلاة الجمعة، وهو يعدد فضائل شهر شعبان، يقول إن قيام ليلة الجمعة وصيام كل جمعة فيه، تُغفر بها ذنوب صاحبها لكامل ذلك الأسبوع. وقيام ليلة النصف من شعبان وصيام يوم النصف منه، تُغفر بهما ذنوب كامل الشهر. أما قيام ليلة القدر وصيام نهارها فتُغفر بهما ذنوب كامل السنة..
قد تقولون مادخل هذا فيما كنت تتكلم عنه من فشل حملات القضاء على الإحتكار وعلى الفساد، أقول حلمكم، ووسعوا بالكم معايا، فإذا مااطمأن المسلم إلى عِلم صاحبنا الإمام، فلن يهاب تحذيرات رئيس الدولة ولا القانون، عادلا كان أو ظالما، فالله قد وعَده بالغفران، ولا ضيْرَ من مواصلة الإنحراف وتخريب المجتمع واله غفور رحيم..
ياسادة ياكرام، مادامت دولتنا متأرجحة بين طبيعة الدولة المدنية وطبيعة الدولة الدينية فلن يُفلح فيها أي قانون.. بل ستبقى الكلمة الفصل لمثل ذلك الإمام الذي يأتي بأحاديثه مدعمة بالآيات وبالأحاديث النبوية أو المروية عن الصحابة وأهل البيت والتابعين، مثلما فعل شيخنا..
على الدولة عاجلا، فتح معاهد خاصة بتكوين أيمة الجوامع وحصر دورهم في تبيان فضائل الأخلاق وفعل الخير والتراحم والتوادد بين المواطنين وسائر البشر والإخلاص للعلم وحب العمل واحترام القانون والولاء للوطن. وبكل هذه الصفات الحميدة نفوز بحب الخالق ورضاه، وليس العكس..
كما إنه يتحتم من ضمن التصحيحات الواجبة إعلانُ الدولة المدنية التي تضمن حرية المعتقد والضمير فعلا وليس قولا فحسب. ولكن من دون فرض أي منهما على الآخرين. فعلوية القانون هي الضمانة الوحيدة لتماسك النسيج الاجتماعي والإفلات من تأويلات مثل ذلك الإمام وأولئك المفتين والزعماء الدينوسياسيين الذين يسطون على أدمغة البشر يلوثونها، لا يغسلونها، ليتحكموا في أفكارها وسلوكاتها.
وفي انتظار أن يتحقق ذلك، يتعين على المنظمات الوطنية وعلى كل من يقرون بالحال المزري الذي وصلت إليه الدولة، أن يوحدوا الجهد لتقديم الإقتراحات ومشاريع البدائل لإعادة بناء هياكل الدولة ومؤسساتها على أرضية صلبة لخير كل مواطناتها ومواطنيها بمساواة تامة..
أما الإعلان عن المساندة من جهة والمطالبة في نفس الوقت بالزيادة في الأجور والتعجيل بتطبيق الإتفاقات الممضاة والتعجيل بمراجعة الإتفاقات واجبة المراجعة، فيما الدولة مفلسة وأعياها التسول بحثا عن دائنين قدامى أو جدد فأمرٌ يستدعي التقويم والتصحيح إن كانت الغاية وطنية صرفة وليست ذات وجهين، لا قدر الله.
مختار اللواتي
- اكتب تعليق
- تعليق