محمّد حسن: تدبير أطبّاء الأندلس لمسألة الطاعون أواسط القرن الثامن هـ/ الرابع عشر م

انتشر الطاعون الذي نعتته المصادر بتسميات عديدة، انطلاقا  من شمال الصّين، حتّى بلغ البحر  المتوسّط سنة 749ـ750 هـ/1348ـ 1349م. وفضلا عن العوامل الغيبيّة، غالبا ما فسّر الأطبّاء ظهوره حسب نظريّة أبقراط بفساد الأهوئة والمياه والأطعمة، وتساعد الرّيح على سرعة انتشاره. وذهب ابن الخطيب اعتمادا على أمثلة دقيقة إلى الاحتراز من العدوى. ولئن لم  يتوصّل إلى صياغة نظريّة مكتملة في العدوى، فإنّ  مقاربته التّجريبيّة للمرض قد برهنت عن دقّة ملاحظاته. ودلّل على وجود أسباب بشريّة للطاعون، مبيّنا أنّها تتأثّر بمدى الاستعداد والتهّيّؤ الطّبيعي لقبوله أو العكس. وهو ما رفضه فقهاء المالكيّة الذين اعتبروا المرض من  وخز الجان وامتحانا إلاهيّا.

ويتنزّل موقفه الصّارم إزاء الرّافضين لفكرة العدوى في إطار ظرفيّة مشحونة بالتوتّر وباستشراء المرض. ممّا يحملنا على القول إنّه حصل جدل في الأندلس حول الموضوع، وإنّ  هذه الرّسالة كتبت لمواجهة تيّار الرافضين للعدوى. وبالتالي، تعتبر رسالة ابن  الخطيب أنموذجا واضحا للتّجديد في الطبّ الوقائي، في حقبة سيطر فيها الجمود والتّقليد. فقد أكّد حصولها "بالتّجربة والاستقراء والمشاهدة والأخبار المتواترة". وهو ما  يؤشّر  إلى ظهور البوادر الأولى لطبّ ذي صبغة عمليّة.

ولمّا كان العلاج صعبا، وكانت الأولويّة لطرق الوقاية، فقد تضاربت مواقف النخبة العالمة بين المقاومة والاستسلام والتّشاؤم إزاء المرض الهائل. لم يخصّ التّفسير الدّيني الفقهاء فحسب، بل اعتقدت العامّة في كثير من التّفسيرات والحلول الغيبيّة. أمّا  التفسير العلمي، فقد كرّس الأطبّاء الأندلسيون هذا الاتّجاه ودعوا إليه  بكلّ  وضوح أحيانا. ولم يقتصروا على تكرار ما ورد في كتب حكماء الإغريق القدامى، مثلما ما هو الشّأن بالنّسبة إلى الأطبّاء البيزنطيين، إنّما اعتمدوا إلى حدّ كبير على  التّجريبيّة. ممّا  أدّى إلى التوصّل إلى معطيات علميّة دقيقة، وإن لم تتخطّ حواجز المعرفة في العصر الوسيط. 

وبناء على ذلك، كيف تعاملت النخبة العالمة بالأندلس (ابن الخطيب وابن خاتمة والشقوري) مع هذا الوباء؟ وما هي طبيعة الجدل الذي أثاره؟

محمّد  حسن
أستاذ  التاريخ الوسيط  بجامعة  تونس و عضو  ببيت  الحكمة