أخبار - 2022.01.27

حتى لا ننسى المحاولة الانقلابية بقفصة (26-27 جانفي 1980): قراءة في الأسباب والتداعيات

حتى لا ننسى المحاولة الانقلابية بقفصة (26-27 جانفي 1980): قراءة في الأسباب والتداعيات

بقلم أ.د عادل بن يوسف (كليّة الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة)

مقدمة

في الليلة الفاصلة بين 26 و27 جانفي 1980، وتحديدا في حدود الساعة الثانية فجرا قامت مجموعة من الأشخاص بلغ عددهم 49 مسلّحا تونسيّا قدموا من التراب الليبي بمهاجمة مراكز الشرطة والحرس وثكنتَيْنِ عسكريّتينِ بالمدينة قبل أن يوجّهوا دعواتهم إلى الأهالي للانضمام إلى "الثورة المسلّحة" و "الإطاحة بالنظام البورقيبي". ورغم فشل هذه المحاولة في الإطاحة بنظام الحكم، فإنّها كانت بمثابة "الزلزال" الذي هزّ أركان النظام بأسره ودفعه إلى مراجعة خيارته الاقتصادية والاجتماعية والتنموية ثمّ السياسية بالبلاد، لا سيّما بالمناطق الداخليّة.

في طبيعة المحاولة الانقلابية

يجدر التذكير أنّ مجموعة مسلّحة قد وصلت إلى مدينة قفصة قبل تنفيذ العملية بأسابيع لتستقرّ بمشارف المدينة حيث قامت بحفر عدة مطامير لخزن حمولة 04 شاحنات من الأسلحة والذخيرة المتطورة. ثمّ استأجرت منزلا تمّ تجميع كميات هائلة من الأسلحة ومعدات الاتصال والذخيرة به... وقامت فيما بعد بالتعرّف على المدينة وطرقاتها والأماكن الحساسة والثكنات ومقرّات الأمن ومداخل المدينة... وكل ما يتعلق بالعملية ثم واصلت التدرب وترصد حركات الجيش والأمن في سرية تامة قبل أن تحدد اليوم المناسب والوقت المناسب لتنفيذ العمليّة. وقد ثبت لاحقا أنّ عديد التقارير حول هذه التحرّكات كان قد أرسلها الأمن والحرس الوطنيّيْنِ إلى وزارة الداخلية لكنها لم تخرج من بين يدي مدير الأمن زين العابدين بن علي، الذي حرص على عدم إعلام رئيسه، وزير الداخلية الأستاذ عثمان كشريد أو الرئيس الحبيب بورقيبة بها. وهو ما يرجّح امكانية تورّطه مع الطرف الليبي الذي يقف وراءها.

وعن أهداف هذه العملية قال وزير الداخلية الأستاذ عثمان كشريد: " (...) لقد كان الهدف من هذه العملية إحداث اضطرابات في البلاد وتضمّنت الخطّة أن يقوم المرتزقة بعد إحكام سيطرتهم على قفصة و احتلال مراكز السلطة بالمدينة إعلان حكومة وطلب تدخل ليبيا التي كما ذكرت أعدّت طائرات ومعدّات خصيصا لهذا الغرض. وكانت تنتظر إشارة بنجاح المرحلة الأولى للتدخل. وقد اعترف المرتزقة خلال استجوابهم بهذه المعلومات و بأشياء أخرى سنعلن عنها في الوقت المناسب (...)".

وعن سرّ اختيارهم بالضبط للحدود الجزائرية التونسية أضاف: "(...) لم يأت الاختيار عفوياً بل هو مخطط ومدبر فالشعب التونسي يدرك أبعاد وخطورة نظام القذافي وأعماله العدائية ضد تونس وما كان له أن يتقبل عملاً مثل هذا يأتي من هناك لقد اعتقد أنّ مجيء المرتزقة من ناحية الحدود التونسية الجزائرية يمكن أن ينطلي على شعب تونس وسكان قفصة ويخفي هذه اللعبة وكانت النتيجة أنّ تلاحم أهالي قفصة مع جيشهم ومع عناصر الأمن الوطني ووضعوا حداً لهذا المخطط الرهيب (...)".

وقال الأستاذ فؤاد المبزّع وزير الإعلام آنذاك في تصريح خاص بمجلّة الصياد اللبنانية: "(...) إن التحقيقات أكدت تورط النظام الليبي وكشفت عن مؤامرة خطيرة تستهدف إقامة حكومة مؤقتة كان من المقرّر أن تعلن مباشرة بعد نجاح الخطة صباح يوم 28  جانفي الماضي على طلب مساعدات عاجلة من ليبيا (...)".

فما هي أسباب هذه المحاولة الانقلابية، أطوارها، منفّذوها وأسباب اختيارهم على مدينة قفصة بالذات، الأطراف التي تقف ورائها، حصيلتها وتداعياتها على كل من النظام وعلى منطقة الحوض المنجمي بقفصة؟

منفّذو المحاولة الانقلابية

• انتماءاتهم

ينتمي ما يزيد عن 68 % من المشاركين في عملية قفصة وعددهم 49 شخصا إلى الفئة العمرية بين 20 و 30 سنة. أمّا النسبة المتبقية فتتراوح أعمارهم بين 31 و 60 سنة.  و 65 % من هؤلاء هم من العزّاب. و 14 % منهم من ذوي السوابق السياسية وحوالي 86 % لهم سوابق مدنية. ويشتغل 81 % من منفّذي العملية في أشغال يدوية في: البناء، الدهن، النجارة، التجارة والعمل الفلاحي... ولا يشتغل بالعمل الفكري سوى شخص واحد، هو عز الدين الشريف الذي كان معلّما درس بجامع الزيتونة. أمّا نسبة العاطلين فقد قدّرت بحـوالي 10 %. وفيما يتعلّق بالانتماء الجغرافي انتمى غالبية منفّذي العملية إلى الولايات الداخلية حيث تصل نسبتهم إلى أكثر من 78 %، مقابل 10 % من الولايات الساحلية و حوالي 13 % من العاصمة.

وتبرز لنا النسب المعتمدة أنّ أغلبية أفراد الكمندوس المسلّح هم من الشباب غير المرتبطين بعلاقات زوجية، وهو ما ساعد على تجنيدهم في حقل "العمل المسلح" في ظروف اتسمت بالهجرة إلى ليبيا بحثا عن شغل يوفر دخلا قارا بعد أن تعذّر عليهم الحصول على ذلك في موطنهم الأصلي، هذا الموطن الذي لم ينل حظه بدوره من المشاريع التنموية. إنّ النسب المعتمدة تشير بوضوح إلى أن الغالبية العظمى من منفذي العملية هم من أصيلي الولايات الداخلية التي ينتمي إليها أغلب المهاجرين إلى ليبيا.

• قيادة العملية

قاد عملية قفصة المسلّحة شخصان هما عز الدين الشريف (القائد السياسي) وأحمد المرغني (القائد العسكري).

- عز الدين الشريف: أصيل مدينة قفصة، درس لمدة سنتين بالمدرسة الفرنسية العربية قبل أن يلتحق بفرع جامع الزيتونة بقفصة سنة 1948 أين أحرز على الشهادة الأهلية، ثم واصل دراسته بالجامع الأعظم حيث أحرز على شهادة التحصيل قبل أن ينتمي إلى شعبة الآداب و اللغة العربية. في سنة 1957 عمل في سلك التعليم الابتدائي بعد مشاركته في مناظرة في الغرض.

وفي سنة 1962 شارك في المحاولة الانقلابية للإطاحة بنظام الحكم مما أدى إلى محاكمته بعشر سجنه 10 سنوات أشغال شاقّة. بعد انقضاء العقوبة بما في ذلك الفترة التكميلية في 1 جوان 1973 عاد عز الدين الشريف إلى سالف نشاطه المعارض فالتحق بليبيا ليجد بعض رفاقه القدامى الذين مهدوا له الطريق عبر ربطه بـ "مكتب الاتصال العربي"، فتوسعت دائرة نشاطه لتشمل الجزائر و "جبهة البوليزاريو" أين تمرّس على ممارسة تهريب الأسلحة. وبداية من سنة 1978 بدأ عز الدين الشريف في الإعداد لعملية قفصة صحبة رفيقه أحمد المرغني عبر تسريب الأسلحة إلى قفصة والإعداد البشري والمادي للعملية التي تحدّد تاريخها في يوم 27 جانفي 1980.

- أحمد المرغني: من مواليد جرجيس بالجنوب التونسي سنة 1941، زاول تعليما ابتدائيا متقلبا انتهى به إلى الانقطاع عن الدراسة والدخول في الحياة العامة بصفة مبكّرة.

بدأ أولى تجاربه في الهجرة سنة 1962 عندما انتقل إلى الجزائر للعمل قبل أن يتحول إلى ليبيا سنة 1971 لنفس الغرض. وقد تغير مسار حياته بعد أن احتك ببعض وجوه المعارضة وبسبب انتمائه "للجبهة القومية للقوى التقدمية التونسية ". كلّف المرغني في أول اختبار له بتفجير مقرّ الحزب الحاكم في تونس والمركز الثقافي الأمريكي وذلك في شهر جوان من سنة 1972. وقد ألقي عليه القبض قبل تنفيذ العملية وحُكم عليه بخمس سنوات سجنا، قضى منها أربع سنوات فقط بسبب العفو الرئاسي بمناسبة ذكرى عيد الاستقلال سنة 1976. بعد ذلك عاد إلى ليبيا ليمارس نشاطه مجددا في صفوف "الجبهة القومية التقدمية لتحرير تونس" المحدثة منذ مطلع السبعينات ما سنأتي على ذلك. ثمّ التحق بعد ذلك بـ "جبهة البوليزاريو" لقضاء خمسة أشهر في التدرب على الأسلحة الخفيفة، ثم انتقل إلى لبنان لتجنيد بعض التونسيّين في صفوف "الجبهة القومية التقدمية لتحرير تونس" بجنوبه.

دور الجبهة القومية التقدمية لتحرير تونس

في بداية السبعينات شكلت العناصر المتبقية من تيار المعارضة اليوسفية حركة سياسية جديدة حملت اسم "الجبهة القومية التقدمية لتحرير تونس". ويقول أحد قادة الجبهة، عمارة ضو بن نايل: "لقد بدأ نشاطنا منذ عام 1970، وكان أول نشاط علني في العام 1972، حيث أعلن اسم التنظيم في بيروت عبر مجلّة  "بيروت المساء". وقد تزامن هذا الإعلان مع نشر ميثاق الجبهة في المجلة وقد عززت الجبهة القومية التقدمية لتحرير تونس علاقاتها مع النظامين الليبي والجزائري، حيث كانت تتمتع بوجود سياسي شبه علني وشبه سري في ليبيا والجزائر. وعندما أعلن في تونس عن إجراء انتخابات رئاسية عام 1974، قدمت الجبهة القومية مرشحاً باسمها هو الشيخ المسطاري بن سعيد  أحد رموز انقلاب عام 1962، والمحكوم عليه بالإعدام غيابيا، ويقيم في المنفى متنقلا بين طرابلس والجزائر) ليكون منافسا للرئيس الحبيب بورقيبة، الذي كان الحزب الاشتراكي الدستوري قد اتخذ قرارا في مؤتمره بالمنستير في أوت 1974 بتجديد رئاسته وانتخابه رئيسا للبلاد مدى الحياة وصدر رسميا بالرائد الرسمي في 02 مارس 1975. وكان الشيخ المسطاري بن سعيد قد قدم طلب ترشيحه إلـى الانتخابات الرئاسية بوساطة السفارة التونسية في الجزائر.

وفي مقابلة صحفية أجرتها معه جريدة السفير اللبنانية أعلن المسطاري عن برنامجه الانتخابي المتمثل في نقطتين:

1- إسقاط النظام البورقيبي وخياراته السياسية و الاقتصادية والاجتماعية.
2- إقامة مجتمع ديمقراطي قومي في تونس .

وطالب مرشح الجبهة السلطات التونسية، باحترام النصوص القانونية لدستور البلاد، وإفساح المجال لكل الشعب التونسي للمشاركة في الانتخابات الرئاسية بحيث تشمل التوانسة المقيمين في الخارج، والبالغ عددهم 800 ألف شخص. كما طالب بتأليف لجنة محايدة لمراقبة الانتخابات من قبل جامعة الدول العربية. وصعق الرئيس الحبيب بورقيبة آنذاك من سماع مرشح تونسي محكوم عليه بالإعدام ينافسه في تلك الانتخابات الرئاسية، فما كان رده إلا أن صعد الهجوم على الجبهة، ورفض قبول ترشيح المسطاري بن سعيد إلـى الانتخابات الرئاسية. وقد ساق بورقيبة اتهامات لـ "الجبهة القومية التقدمية لتحرير تونس"، تتمثل في تبعيتها لليبيا، وفي سعيها إلـى الوحدة مع ليبيا...

انقسم منفذو عملية قفصة الـ 49 إلى خمس مجموعات وهي على التوالي:

- مجموعة أحمد المرغني: تتكون من 23 شخصا كلّفت بمهاجمة ثكنة أحمد التليلي بقفصة.

- مجموعة بلقاسم كريمي و عبد المجيد الساكري: مهمتها مهاجمة مركز الشرطة بالمدينة.

- مجموعة حسين نصر العبيديو و عبد الرزاق نصيب: مهمّتها مهاجمة مركز الحرس الوطني بالمدينة.

- مجموعتا كل من العربي الورغمّي و نور الدين الدريدي من جهة و عز الدين الشريف من جهة ثانية: تتوليان مهاجمة ثكنة الجيش داخل المدينة.

بدأت الأحداث بإطلاق قذيفة بازوكا كإشارة انطلاق، ونجحت بعض المجموعات في الاستيلاء على بعض المراكز الأمنية قبل أن تلتحق بمهاجمي الثكنة العسكرية بالمدينة.

وتمكّن أحمد المرغني من السيطرة على الثكنة العسكرية الخارجية بعد أن أسر من فيها بسبب قيام الجنود بتلقيح "BCB". وفي مقابل ذلك أبدت الثكنة الداخلية مقاومة حالت دون الاستيلاء عليها. تمكن المهاجمون في صبيحة يوم 27 جانفي من السيطرة على المدينة بعد أن سقطت المراكز الأمنية وثكنة الجيش الخارجية في أيديهم ولم يبق إلا جيب مقاوم بالثكنة الداخلية.

لكن خلافا لما كان متوقعا لم يستجب سكّان مدينة قفصة للنداءات المتكررّة لحمل السلاح والالتحاق بـ "الثورة". كما لم يجدوا المجموعة التي قيل لهم أنها في انتظارهم وعددها 400 نفر. وبسبب غياب التنسيق بين مختلف المجموعات فقد فشلت القيادات في تشكيل "حكومة مدنية".

وتدعم الفشل بقدوم تعزيزات من الفوج الأول للجيش الوطني بالكاف بقيادة العقيد عزّ الدين بالطيّب و قائد اللواء الأول بقابس محمود القنوني بعد اتصال هاتفي بهم من قائد جيش البرّ الفريق محمّد قزارة في حدود الساعة 06.00 صباحا، دخلت المدينة وتمكّنت من السيطرة عليها.

ودوليا ومنذ صباح نفس اليوم اتصل العديد من رؤساء وملوك الدول الشقيقة والصديقة بالرئيس الحبيب بورقيبة للتعبير عن تضامنهم مع تونس. و حسب شهادة أمدنا بها في برنامج الاذاعي الأستاذ رشيد صفر (وزير الدفاع حينئذ) كان أولهم الملك الحسن الثاني الذي عبّر لبورقيبة بالقول "كامل إمكانيات الجيش الملكي المغربي على ذمّة تونس" ! ومباشرة بعد المكالمة أعطى الملك الإذن لوزير دفاعه بالاتصال بنظيره التونسي الذي شكره واكتفى بطلب طائرات نقل فحسب. وقد تحوّلت من المغرب على جناح السرعة 03 طائرات: طائرتان عموديّتان وطائرة نقل عسكرية كبرى استخدمت في نقل الجنود والمعدات والدواء والدم...، من تونس العاصمة إلى قفصة.

كما اتصل الرئيس الفرنسي "فاليري جيسكار ديستان" (Valéry Giscard d'Estaing) بالرئيس بورقيبة وأذن لوزير دفاعه بإرسال طائرات عسكرية من نوع "J.J.N" و "ميراج" (Mirage) للتحليق فوق الأجواء التونسية. و في ذلك رسالة مضمونة الوصول إلى النظام الليبي.

وبالتوازي مع سير عمليات التدخّل نجحت المجموعات المسلّحة في القيام ببعض العمليات داخل المدينة من أبرزها:

- قتل رجل شرطة وأسر أعوان آخرين عند الاستيلاء على مركز الشرطة.

- تعطيل حافلة جزائرية واستخدامها كحاجز من طرف "الثوّار" بعد أن تمّ احتجاز ركّابها كرهائن.

- قتل شخصين يمتطيان سيارة رفضت الامتثال.

- قتل عضو بلجنة التنسيق الحزبي بقفصة الذي جاء يستفسر عما يحدث باعتباره مسؤولا حزبيا.

- رفع النداءات عبر مضخّم الصوت للالتحاق بالثورة و"الإطاحة بحكم بورقيبة الطاغية وحزبه ووزرائه السرّاق".

- محاولة عز الدين الشريف التنسيق مع بعض الوجوه النقابية والمعارضين لكن بدون جدوى.

- أسر ثلاثة أعوان شرطة من طرف مجموعة يقودها متطوّع من الداخل.

- احتجاز 300 جندي كأسرى بقاعة رياضية بالمعهد الثانوي.

- رصاصة طائشة تصيب محمد صالح المرزوقي أحد قادة العملية، ينقل على إثرها إلى المستشفى.

- المهاجمون ينسحبون في اتجاه شمال وشرقي مدينة قفصة.

وبعد عمليات التمشيط تمّ إلقاء القبض على أحد أفراد المجموعة، عبد المجيد الساكري بإحدى المساكن بمسقط رأسه بمدينة المكناسي (كما أفادنا به قائد حامية قفصة، العقيد محمّد البنزرتي في حوارنا الاذاعي معه ببيته بضاحية خزندار). أمّا القائد العسكري للعملية أحمد المرغني فقد ألقي عليه القبض بضواحي حامّة قابس يوم 6 فيفري 1980، فيما استسلم القائد السياسي للعملية عز الدين الشريف. وقد أحيل كامل عناصر المجموعة على محكمة أمن الدولة التي أصدرت في حقّ 11 منهم أحكاما بالإعدام، من بينهم: أحمد المرغني وبلقاسم كريمي وعبد المجيد الساكري وحسين نصر العبيدي وعبد الرزاق نصيب والعربي الورغمي ونور الدين الدريدي وعز الدين الشريف، وقد تمّ تنفيذ الحكم فيهم يوم 17 أفريل 1980 ودفنهم جماعيا.
وفي الساعة الثامنة والنصف من صباح 27 جانفي 1980 أعلن وزير الداخلية الأستاذ عثمان كشريد انتهاء الهجوم واستسلام المعتدين وسيطرة القوات المسلّحة التونسية على الموقف سيطرة تامة وتشكيل هيئة تحقيق في القضية ستنشر بيانا مفصلا بالموضوع منعا لكل التباس.

وعلى الفور قامت مظاهرات تلقائية عبّرت عن استنكارها لهذا الاعتداء الإجرامي وطالبت بمعاقبة المجرمين. كما وردت برقيات الاستنكار والتأييد للنظام على مقرّ رئاسة الجمهورية. ومقابل هذا الإجماع الشعبي كان هناك طرف وحيد أيّد عملية قفصة المسلّحة واعتبرها عملا مشروعا في مواجهة نظام الحكم في تونس، و هو التيار القومي العربي الناصري ممثلا في "الطلبة القوميون الوحدويون" الذين لم يكتفوا بإبراز مواقفهم المؤيدة لهذه العملية في ملصقاتهم الحائطية التي كانوا يصدرونها بالمنابر الطلابية وإنما عملوا على تنظيم بعض المظاهرات المؤيدة لما أطلقوا عليه تسمية "ثورة قفصة" !

حصيلة بشريّة ثقيلة

كانت حصيلة هذه المحاولة سقوط 18 قتيلا وجريح في صفوف المدنيّين، فيما قُتل 38 عونا من الحرس الوطني و3 من الشرطة وجرح قرابة 90 من أفراد الحرس الوطني واعتقال 42 من أفراد المجموعة المنفّذة للعملية.

عوامل اختيار قفصة

لم يكن اختيار المجموعات المسلّحة على مدينة قفصة بالذات وليد الصدفة.

• جغرافيا و تاريخيا

تبعد مدينة قفصة عن الحدود الجزائرية حوالي 100 كلم وعن الحدود الليبية قرابة 70 كلم، شكلت مركز استقطاب تاريخي لأغلب الحركات الرافضة للسلطة الحاكمة، سواء كان ذلك أثناء الفترة الاستعمارية أو إبّان فترة الحكم البورقيبي. وبحكم مناجم الفسفاط القريبة منها، كانت قفصة من الفضاءات المبجلة للحركة النقابية المعروفة باسم "جامعة عموم العملة التونسية" التي أسسها الزعيم النقابي محمد علي الحامي منذ مارس 1924. وهي كذلك إحدى جيوب الحركة اليوسفية و "جيش التحرير الشعبي" الذي أسّسه الطاهر لسود من المقاومين "الفلاّقة" الذين رفضوا تسليم أسلحتهم بعد توقيع اتفاقية الاستقلال الداخلي يوم 03 جوان 1955. كما كانت قفصة مركز دعم وتمويل وتسليح للثورة الجزائرية، قبل أن تكون المكان الذي اختارته مجموعة من العسكريين والمدنيين اليوسفيين للتخطيط وانطلاق "حركتهم الانقلابية" لسنة 1962 على غرار صالح حشاني آمر ثكنة قفصة...

وهي بالإضافة إلى ذلك موطن عز الدين الشريف القائد السياسي لعملية قفصة وأحد أبرز وجوه المحاولة الانقلابية الفاشلة في ديسمبر 1962. كل هذه العوامل جعلت من قفصة موطنا لعدم الاستقرار السياسي فحضيت باختيار منفذي العملية المسلّحة. وتدعم ذلك ببعض المعطيات الأخرى لعل أبرزها قرب الحدود الجزائرية مما سهل توفير الأسلحة والقدرة على التسلل والانسحاب... و ساعد انتماء عز الدين الشريف على إعطاء دور للعامل القبلي، خاصة وأنّ عرش "أولاد عبد الكريم" الذي ينتمي إليه الشريف عرف عنه تمرده على السلطة المركزية أثناء حكم البايات.

• اجتماعيّا

بالتوازي مع كل ذلك شكلت قفصة مركزا للتأزم الاجتماعي بعد أن انعكست عليها نتائج الاختيارات التنموية الفاشلة لفترة السبعينات. فرغم إنتاجها الهام للفسفاط الذي ارتفعت أسعاره بشكل واضح في الأسواق العالمية - شأنه شأن المحروقات والمواد الفلاحية - وهو ما شجّع الحكومة على مزيد التصدير لتوفير العملة الصعبة وإيجاد توازن للميزان التجاري. وقد ساهمت ظاهرة البطالة المتنامية بقفصة في بروز وعي عمالي ونقابي في الفضاءات المنجمية وإلى تنامي حركة الهجرة إلى ليبيا التي قدرت آنذاك بحوالي 51 بالمائة من سكان الولاية.

وهكذا وجد منفّذو العملية في هذه العوامل مجتمعة الأرضية المناسبة للاختيار المكاني والزماني. و في رأي منفذيها عمليّة قفصة هي امتداد لرد فعل شعبي ساخط على الاختيارات الاقتصادية التي عمقت الفروق الاجتماعية وكرست الاستبداد السياسي، فهي في نهاية الأمر امتداد للانتفاضة العمّالية التي عرفتها البلاد في 26 جانفي 1978 بدليل اختيار تنفيذها في نفس اليوم من ذكراها الثانية.

من يقف وراء عملية قفصة؟

رغم أنّ جميع منفذي العملية تونسيّون ينتمون لـ "الجبهة القومية التقدمية لتحرير تونس" ذات التوجه العروبي – اليوسفي كما سبق ذكره، فإنه لم يتمّ التركيز على تلك المجموعة بخلفيتها السياسية بقدر ما تمّ التركيز على الأطراف الخارجية التي تقف ورائهم وبدرجة أولى الطرف الليبي عبر "مكتب الاتصال الخارجي" أحد أبرز مؤسّسات جهاز الاستخبارات الليبي الذي كان يحتل مكانة مرموقة لدى القيادة الليبية وقام باحتضان وتمويل وتسليح الكموندوس بعد تدريبه بجنوب لبنان مع بعض الفصائل الفلسطينيّة. فقد جاء في البيان الرسمي الصادر عن وكالة تونس إفريقيا للأنباء (الوكالة الرسمية التونسية) صباح يوم 27 جانفي ما يلي: " قامت مجموعة مسلّحة صباح اليوم الأحد عند الساعة الثانية بشنّ هجوم مسلح على مدينة قفصة مستخدمة أنواعا من الأسلحة المختلفة. وقد انقسمت إلى ثلاثة أقسام حيث توجهت مجموعة منها إلى ثكنة الجيش و أخرى إلى مركز الشرطة وأخرى إلى ثكنة الحرس الوطني وقد جاء المسلحون من الحدود الجنوبية الغربية... ".

• الدور الليبي

نَفَتْ السلطات الليبية أيّ علاقة لها بعملية قفصة عند انطلاقتها حسب تصريح وزير خارجيتها الذي جاء فيه: " الجماهيرية الليبية غير متورطة بصفة مباشرة أو غير مباشرة بالأحداث الجارية بمدينة قفصة ". إلا أنّ ذلك كان مجرّد موقف سياسي فرضته "العلاقات الدولية والقانون الدولي" الذي يمنع التدخل في الشؤون الداخلية لدولة ثانية وتغيير نظام الحكم فيها بالقوّة.

لكن المتأمّل مليّا في حيثيات الأحداث يلاحظ إقدام النظام الليبي على بثّ أخبار المحاولة دون انقطاع وتقدّم العمليات بالإذاعة الرسمية الليبية. وبالتوازي مع ذلك كانت إذاعة أخرى أحدِثت للغرض تحمل اسم: "صوت تحرير تونس" تبثّ طيلة 24 ساعة دون انقطاع أخبار المحاولة وتدعو "أحرار قفصة والجنوب التونسي" إلى "التمرّد ضد حكومة الهادي نويرة".

وفي ذات السياق فإنّ جذور التوتر بين الجماهيرية والحكومة التونسية تعود إلى سنة 1974 بإلغاء بورقيبة "المعاهدة الوحدوية" التي أسفرت عن ميلاد "الجمهورية العربية الاسلامة" بين تونس وليبيا بعد 03 أيّام من إبرامها بين البلدين بنزل أوليس بجربة في 12 جانفي 1974. فقد تبنت الجماهيرية الليبية خلال تلك الفترة خطا وحدويا يقوم على خيار تحقيق فكرة الوحدة العربية بالقوّة ممّا وضعها في موقع العداء لكثير من الأنظمة العربية التي لابد من الإطاحة بها بواسطة "لجان شعبية" و "لجان ثورية" تتولى مهمة إنجاز "الثورة " وتحقيق الوحدة العربية.

لا شك أنّ عملية قفصة لسنة 1980 كانت إحدى مخطّطات الجماهيرية الليبية التي لا تحتاج إلى إثبات دورها في تنظيمها عن طريق ما يعرف بـ "المكتب العربي للاتصال" الذي وفر الدعم المادي والمعنوي واللوجستي والتغطية الإعلامية لعملية قفصة، التي لم تكن سوى نتيجة لالتقاء مصلحة النظام الليبي ومنفذي العملية الذين ينتمون إلى "الجبهة القومية التقدمية لتحرير تونس" ذات الانتماء العروبي. وهو التنظيم الذي له حسابات قديمة مع النظام البورقيبي في تونس ترجع إلى فترة تصفية الحركة اليوسفية والقضاء على المحاولة الانقلابية لسنة 1962. وهذه المصلحة ربما تكون محكومة بوحدة الخطاب الأيديولوجي القومي العربي، ذلك أنّ الجماهيرية الليبية كثيرا ما ادّعت أنها وريثة النظام الناصري في مصر الذي يُجمع على الانتماء إليه غالبية فصائل الحركة القومية العربية. فهل تحتاج ليبيا إلى تبرير موقفها في تبني هذه العملية وتوفير الدعم الكامل لمنفّذيها؟

وفي حديث إذاعيّ أجريناه مع القائد السابق لحامية الصحراء برمادة حينئذ، العقيد المتقاعد من الجيش الوطني، بوبكر بن كريّم، أفادنا أنّ وحدة من الوحدات التابعة له قد عثرت على آثار حديثة لعلب مصبرات وصناديق خشبية فارغة لأسلحة ومعدات عسكرية وعجلات شاحنات رباعية الدفع العهد على الحدود التونسية- الليبية اتخذت طريقها في اتجاه الجزائر قبل أيام من وقوع الحادثة. وقد قام بتحرير تقرير في الغرض وإعلام رؤساءه بالأمر والتوثيق له. وهو ما يعني أنّ الليبية قد تعمدت الدخول إلى التراب الجزائري للتمويه وإيهام الطرف التونسي أنّ منفذي العملية قد قدموا من التراب الجزائر.

• الدور الجزائري

أثار البيان الصادر عن وكالة تونس إفريقيا للأنباء الدهشة والاستغراب الشديدين في الجزائر حيث استدعى وزير خارجية الجزائر السيد محمد الصديق بن يحيى القائم بأعمال تونس في الجزائر وطلب منه توضيحات في الموضوع، بينما اتصل الرئيس الشاذلي بن جديد بالقائد الجزائري للناحية العسكرية في منطقة الحدود التونسية الجزائرية وطلب منه تقريرا مفصّلا حول الموضوع. و قد أكد التقرير العسكري على أنه لم يتسلّل أي شخص إطلاقا من الحدود الجزائرية نحو تونس ولم يشاهد أيّ تحرك مشبوه على الحدود المشتركة.

وعلى ضوء هذا التقرير اتصل الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد هاتفيا بالرئيس بورقيبة المقيم حينها بنزل "صحراء بلاص" بنفطة (على بعد 100 كلم عن مدينة قفصة) ودار بينهما حديث لمدة نصف ساعة، تأثر خلاله الرئيس بورقيبة شديد التأثر وعبّر عن تقريره لهذه البادرة حيث زوده بتفصيلات عن الهجوم ومصدر الأسلحة والمهاجرين و إبعاد هذه العملية. كما شكر الرئيس الجزائري على روح التضامن الأخوي مع تونس في هذه اللحظة الحرجة وقال: "إنّ هذا لدليل على عمق الروابط الأخوية بين شعبَيْنَا".
إلا أنّ الوزير الأول التونسي الهادي نويرة شكّك في هذا الموقف معتبرا أنّ الحكومة الجزائرية ضالعة في أحداث قفصة مستندا في ذلك إلى اعترافات عز الدين الشريف الذي أقرّ بوجود علاقة تربطه بالسلطات الجزائرية وبجهاز مخابراتها، وهي العلاقة التي نسجت أثناء اشتغال الشريف لصالح جبهة البوليزاريو الصحراوية. و هذا الموقف الجزائري المؤيد لعملية قفصة المسلّحة إلى وجود جناحين داخل حزب جبهة التحرير الحاكم أحدهما ذو خلفية عروبية – إسلامية تربطه علاقات تحالف مع ليبيا. وقد ثبت لاحقا وبعد تحريات دقيقة من السلطات الجزارية أنّ المسؤول السامي بجهاز المخابرات الجزائرية ومستشار الرئيس الجزائري الأسبق، سليمان هوفمان هو من رتّب دخول المجموعة المسلّحة عبر التراب الجزائري دون إعلام مرؤوسيه !

وتأكيدا لذلك صرّح السفير السابق لتونس بالجزائر ورئيس الوزراء التونسي الأسبق الأستاذ الهادي البكوش لبرنامج "شاهد على العصر" لقناة الجزيرة: " (...) إنّ العملية تمت بترتيب جزائري ليبي، حيث وافق الرئيس الجزائري الراحل هوّاري بومدين (قبل وفاته عام 1978) القذافي على " تنظيم عملية لزعزعة النظام التونسي وإن أمكن تغييره (...) "!

لكن وحسب التحقيقات مع المتهمين ثبت أنّ جزءا من المجموعة المسلّحة قد خرج من ليبيا في اتجاه الجزائر وجزء آخر اتّجه من لبنان (حيث تلقى تدريبات بجنوبه) إلى روما  ومنها إلى تونس، ليدخلوا أخيرا تونس عبر الجزائر، مزوّدين بأسلحة ليبيّة غضّ الطرف الجزائري الطرف عنها.

وعموما ورغم فشل المحاولة الانقلابية بقفصة فقد أثبتت متانة الوحدة الوطنية للتونسيّين عامة وسكان قفصة خاصة، الذين رغم معاناتهم اليومية ودقة الظرف السياسي آنذاك فإنهم لم يتجاوبوا مع المسلحين الوافدين من الخارج ضد النظام التونسي القائم. كما أثبتت هشاشة المنظومة الأمنية والعسكرية بتونس وأنّ قفصة نقطة تجاذب هامة بين الجارين الجنوبي والغربي.

نتائج وتداعيات سياسية بالجملة

كانت أولها إعفاء مدير الأمن العمومي، زين العابدين بن علي وتعيين وزير داخلية جديد من طرف الرئيس الحبيب بورقيبة مباشرة دون استشارة الوزير الأول، الأستاذ إدريس قيقة. كما أصيب الأستاذ الهادي نويرة بجلطة دماغية وشلل نصفي منعاه من مواصلة مهامه وأجبراه على الخروج نهائيا من الساحة السياسية في 26 أفريل 1980 وتعيين الأستاذ محمّد مزالي وزيرا أوّل محلّه.
كما دفعت هذه المحاولة السلطات إلى مزيد العناية بالجهات الداخلية عموما وبجهة قفصة بصفة خاصة وتكثيف جهود التنمية الداخلية واللامركزية الجهوية وذلك من خلال اتخاذ عدّة إجراءات عاجلة وأخرى آجلة من أبرزها: نقل مقرّ شركة فسفاط من تونس إلى قفصة لتقريب الإدارة من العمّال - إقامة عديد المشاريع المشغّلة للحد من الفقر والبطالة والتهميش والتفاوت بين الشريط الساحلي والجهات الداخلية – تحسين البنية الأساسية والتجهيزات لفك عزلة الجهة وإدماجها في النسيج الوطني – تكثيف المرافق والخدمات العامة من تعليم وصحّة ورياضة وترفيه وثقافة بإحداث دور شباب وثقافة ونواد رياضية...

- إحداث العديد من المدارس والمعاهد الثانوية والعليا وفي مقدمتها "المعهد العالي لتكنولوجيا صناعات المناجم L’Institut Supérieur des Industries et des Technologies des Mines في سنة 1981.

- تكثيف العروض الثقافية والموسيقية والسماح لها بالعرض بعد أن كانت ممنوعة.
- تطوير الفرقة القارّة لمسرح الجنوب بقفصة (التي تعود إلى سنة 1972) إلى مركز وطني للفنون الركحية والدرامية لاحقا...

ورغم كل هذه المجهودات، يبدو أنّ معادلة التنمية الشاملة وإدماج الجنوب الغربي في النسيج الوطني لم يتحقّقا بالمرّة بدليل مشاركة أبناء الجهة في انتفاضة الخبز سنة 1984 ضد النظام البورقيبي وخاصّة في انتفاضة الحوض المنجمي التي اندلعت في 01 جانفي 2008  وتواصلت إلى غاية جوان من نفس السنة بكثافة ضد نظام بن علي إلى أن قوّضت أسس نظامه بالكامل في 14 جانفي 2011.

خاتمة

اليوم وبعد مرور 42 عن هذه الأحداث الدامية يبدو أنّ البعض من أسبابها لا يزال قائم الذات وفي مقدمتها بطالة حاملي الشهادات العليا بالجهة (المرتبة الأولى وطنيا) وعجز شركة فسفاط قفصة (CPG) وشركات البستنة عن تشغيل كل والتلوث الناجم عن تحويل الفسفاط إلى أسمدة التي استنزفت المائدة المائية الهامة بالحوض المنجمي وتنامي الهجرة غير النظامية لخيرة شباب المنطقة إلى الخارج عبر قوارب الموت... لذا من الضروري إيجاد نموذج تنمية بديلة يعتمد على أنشطة اقتصادية نذكر من بينها توظيف التراث التاريخي والمخزون الحضاري العريق للجهة واستغلال الطاقة الشمسية وإطلاق المبادرة الحرّة في اقتصاد الرقمي وصناعات الذكاء... الخ. ولا اعتقد أنّ ذلك بالعزيز على السلطات الجهوية والمركزية في تونس ما بعد 25 جويلية 2021 !

أ.د عادل بن يوسف
كليّة الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.