أخبار - 2022.01.11

هل هي قمة من أجل الديمقراطية؟ أم من أجل حرب باردة جديدة؟

هل هي قمة من أجل الديمقراطية؟ أم من أجل حرب باردة جديدة؟

بقلم: محمد ابراهيم الحصايري

"القمة من أجل الديمقراطية":

هي قمة زائفة من أجل الديمقراطية،
هي رسالة سيئة إلى العالم،
هي قمة تحرّض على الانقسام والمواجهة،
هي قمة تتعارض مع مسار التاريخ،
هي قمة يرفضها المجتمع الدولي،
هي مهزلة سياسية أمريكية،
هي قمة لنفاق الولايات المتحدة وغطرستها،   
هي قمة مثيرة للجدل،
هي مثال لكلمة حق يراد بها باطل،
وهي فعلٌ مشينٌ مضاد للديمقراطية،
هي تمرين على لعبة المشي على الحبال،
هي قمة عكسية النتائج،
وهي قمة مخيبة للآمال...

هذه سلسلة من التقييمات لـ"القمة من أجل الديمقراطية" التي انعقدت، بواسطة التداول بالفيديو، يومي 9 و10 ديسمبر 2021 بمبادرة من الرئيس جو بايدن تجسيدا منه لأحد الوعود التي كان أطلقها خلال حملته الانتخابية.

وهذه التقييمات التي ينبغي أن نلاحظ أنّ بعضها جاء من واشنطن نفسها، وبعضها الآخر جاء من عدد من عواصم الديمقراطيات الغربية الحليفة، هي سلبيّة كلّها، للأسباب الرئيسية الثلاثة التالية:

يتعلق السبب الأوّل بقائمة البلدان المدعوّة. فلقد كانت هذه القائمة عرضة لانتقادات شديدة لأنّ واشنطن، على ما يبدو، استندت في اختيارها على معيار وحيد هو مصالحها واعتباراتها الجيوسياسية الخاصة، فوفقا لتصنيف منظمة "فريدوم هاوس" (Freedom House) المختصة في رصد حالة الديمقراطية الليبرالية في العالم والتي تمولها الولايات المتحدة نفسها، فإن طبيعة العديد من الأنظمة المدعوّة ليست جديرة بالدعوة، ولا ترقى إلى المستوى الذي يؤهلها لذلك.
ودون الخوض في تفاصيل هذا الاختيار الذي يعتبره البعض متعسّفا وغير متماسك، يكفي أن نلاحظ أن إسرائيل التي ما تزال تحتل الأراضي الفلسطينية وتواصل ممارسة جميع أشكال القمع والتمييز والاضطهاد ضد الفلسطينيين، كانت، إلى جانب العراق، أحدَ ممثليْ الشرق الأوسط الوحيدَيْن في هذا المؤتمر الذي حمل اسم "القمة من أجل الديمقراطية".

أما السبب الثاني فهو يتعلّق بصورة الولايات المتحدة في العالم، فباعتراف الرئيس جو بايدن نفسه، لم يعد يُنْظَرُ إلى بلاده باعتبارها معقل الديمقراطية، ويتعين عليها أن "تكافح بلا كلل من أجل الارتقاء إلى مستوى مُثُلِهَا الديمقراطية". ويقرّ العديد من الساسة الأميركيين بأن الولايات المتحدة فقدت "هالتها الديمقراطية" وأن الديمقراطية الأميركية تتعرض لاختبار شاقّ لا فحسبُ بسبب ما تنطوي عليه من أوجه القصور البنيوية المتعدّدة الناجمة عن الاستقطاب السياسي، والظلم العنصري، والانقسام الاجتماعي، والقيود المفروضة على التصويت، ولكن أيضا وقبل كل شيء، بسبب السنوات الأربع الطويلة والمضطربة من جراء الشعبوية والحكم المتقلب التي انتهت في آخر المطاف برفض الرئيس السابق دونالد ترامب الاعتراف بنتائج انتخابات نوفمبر 2020، وتعرّض مبنى الكابيتول لهجوم دامٍ في 6 جانفي 2021.

ولذلك، لا مناص من أن نلاحظ أنّ الولايات المتحدة التي وضعها المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية بستوكهولم على قائمة الديمقراطيات المتراجعة، هي الآن في وضع سيء للغاية لإلقاء محاضرات على الآخرين. ذلك أنه كما يقول كليف أولبرايت Cliff Albright  أحد مؤسسي صندوق الناخبين السود (Black Voters Matter Fund)، لصحيفة نيويورك تايمز: "عندما لا تستطيع حماية الديمقراطية في الداخل، لا يمكنك محاولة الدفاع عنها في مكان آخر. وعندما يون منزلك بصدد الاحتراق، لا يمكنك أن تكون رجل إطفاء لحرائق العالم".

أما فيما يتعلق بالسبب الثالث، فإنّه يتّصل بالمواضيع التي اختارتها واشنطن منفردة لمناقشتها في القمة. وتشمل هذه المواضيع مكافحة الأنظمة الاستبدادية، وتعزيز احترام حقوق الإنسان، ومكافحة الفساد. وتثير هذه المواضيع الثلاثة العديد من الأسئلة كما تستدعي ملاحظات مختلفة.

فأولا وبالذات، تجدر الإشارة إلى أنّ مسألة إدارة جائحة الكوفيد 19 لم تُدْرَجْ على جدول الأعمال على الرغم من حدّتها. وقد كشفت هذه الإدارة التي وضعت المجتمع الدولي، ولا سيما الديمقراطيات الغربية، في حرج كبير، عن افتقار العالم المخيف إلى المعايير الإنسانية والأخلاقية في مواجهة مثل هذه الأزمة غير المسبوقة.

ويعتقد البعض أنّ الغرب خسر المعركة الأخلاقية من خلال سوء إدارته للوباء. وفي الوقت الذي مدّت فيه الصين يدها بسخاء إلى بلدان العالم الثالث، رفضت "كارتالات" صناعة الأدوية الغربية التخلي عن حقوق ملكيتها الفكرية وفضلت جني مليارات الدولارات من الأرباح، على حساب معاناة جزء كبير من البشرية. وبذلك أظهرت أنّها لا تقل شراهة عن "كارتالات" صناعة الأسلحة، والطاقة، والمعلومات...

وعلى أيّة حال، فإنّه من الواضح أنّ الولايات المتحدة، من خلال قمتها من أجل الديمقراطية، تريد أن توهم العالم بأنها تسعى إلى الدفاع عن الديمقراطية، والتمسك بحقوق الإنسان، في حين أنها تصرّ، في ذات الوقت، على تجاهل الحاجة إلى إضفاء الطابع الإنساني على العولمة المتوحّشة والرأسمالية التي أصبحت غير قابلة للسيطرة.

وعلى نفس الغرار، يبدو أنها تريد حشد دول العالم ضد ما تسمّيه قوى الاستبداد، لكنها في المقابل تتجاهل الحاجة إلى إضفاء طابع ديمقراطي على العلاقات الدولية، حتى تتمكن جميع الشعوب من التمتع بنفس الحقوق والحريات، وقبل كل شيء بحقها في تقرير المصير، واختيار النظام الديمقراطي الذي ينسجم مع واقعها الوطني.

ولهذا السبب يعتقد عدد كبير من المحللين أنّ الولايات المتحدة، بإدراجها الموضوعين الأول والثاني على جدول أعمال القمة، لا تسعى في الواقع إلى إنقاذ الديمقراطية، أو تعزيز احترام حقوق الإنسان، بل إلى إنشاء تحالف عالمي يدعمها ويقف إلى جانبها في مواجهتها مع الصين وروسيا.

واعتبارا لذلك، لن يكون من الخطأ القول إن الهدف الأهم ّالذي يسعى إليه الرئيس جو بايدن، من عقد هذه القمة، هو تجسيد شعاره الشهير "أمريكا عادت من جديد"، وإعادة إرساء الزعامة الولايات المتحدة الأميركية بعد أن اهتزت أركانها.

ولعلّ الصين وروسيا محقّتان عندما تعتبران أن الولايات المتحدة، من خلال هذه القمة، لا تستخدم الديمقراطية وحقوق الإنسان إلا  "كسلاح دمار شامل" من أجل تحويل الانتباه عن تناقضاتها الداخلية، والعمل قدر الإمكان على إطالة أمد هيمنتها أحادية الجانب على العالم.

أما بالنسبة إلى الموضوع الثالث، أي مكافحة الفساد، فإنّه من المبرَّر تماما التساؤل عن مدى قدرة واشنطن على قيادة المعركة ضد هذه الآفة، خاصة وأن وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين Janet Yellen تؤكد أن "كميات ضخمة من الأموال غير المشروعة" تتدفّق على النظام المالي الأمريكي، حتى إنه ليمكن القول إنّ "هناك أسبابا تدعو إلى الاعتقاد أنّ أفضل مكان في هذا الوقت لإخفاء وغسل الأموال المكتسبة عن طريق الاحتيال هو، في الواقع، الولايات المتحدة".  وصحيح أنّ الولايات المتحدة صنّفت مكافحة الفساد كمسألة أولوية تتعلق بأمنها القومي، وجلبت إلى طاولة المفاوضات وثيقة عن "استراتيجية الدول لمكافحة الفساد"، ووعدت بالعمل دوليا ضد التهرب الضريبي وجعل النظم الضريبية الدولية أكثر عدلا، غير أنه من حق المرء أن يظل متشكّكا لا سيما عندما يتذكر أنّ السياسة الخارجية الأميركية كانت وستظل دائما تعاني من التناقضات بين المصالح والقيم، وأن واشنطن، وفقا لتقرير صادر عن "معهد كوينسي لفن الحكم المسؤول" ("Quincy Institute for Responsible Statecraft) تدعم معظم البلدان الاستبدادية في العالم.

وتأسيسا على كل ما تقدم، لا يسعنا، في نهاية المطاف، إلا أن نستخلص أنّ الولايات المتحدة، من خلال عقد "القمة من أجل الديمقراطية"، ما تزال تصرّ على الاعتقاد أنّ ديمقراطيتها هي أفضل ديمقراطية أخرجت للناس وهي النموذج الأوحد للديمقراطية  الحقيقية. ورغم أن الرئيس جو بايدن قال للمشاركين إن الديمقراطية "لا تعرف حدودا وتتحدث جميع اللغات"، وأن بلاده "ستقف إلى جانب الذين يتركون شعوبهم تتنفس ولا يخنقونها بقبضة من حديد"، فإن الولايات المتحدة تصرّ، في الواقع وعلى ما يبدو، على رغبتها في "أن تكتسي جميع طيور العالم نفس الريش وأن تغرّد نفس التغريد".

وهذا يعني بكل بساطة أن العالم الآن على أعتاب حرب باردة جديدة.

محمد إبراهيم الحصايري

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.