هجرة الاطباء الشبان : الاسباب تعددت و الامر 341 كانت القشة التي قسمت ظهر البعير
بقلم الدكتور علاء الدين سحنون - استفقنا اليوم الاربعاء 16 جوان 2021 علي جملة من التهاني والتبريكات التي اجتاحت شبكة التواصل الاجتماعي احتفاءً بقائمة الناجحين في مناظرة المُعادلة لشهائد الدكتورا في الطب والتخصّص بفرنسا، أو كما يُطلق عليه المشرّع الفرنسي مُسمّى”امتحان التثبّت من المعارف”.
من السمات الخاصة بهذا الإمتحان أنّه يقع مرّة في السنة لتمكين مجموعة من الأطباء على اختلاف جنسيّاتهم من حاملي الشهائد غير الأوروبية – و الذين يُمارسون الطب بفرنسا بصفة وقتية – من امتياز الإستقرار بصفة دائمة، والتمتع بنفس الحقوق المادية و المعنوية المكفولة بنصّ القانون لحاملي الجنسية الفرنسية. وعليه، فإنّ المُطّلع على هذه القائمة الإسمية النهائية لهذه المناظرة يختلجه شعور قائم على التناقض الواضح يتراوح بين الفرحة والحزن، الفخر والحسرة، الأمل و الإحباط.
فبقراءة القائمة تعترضك العديد من الألقاب الدارجة والمألوفة لدينا من قبيل: عباس، غشام، نصر، بعزاوي، عبدولي، عمار، عمدوني، لندلسي، عزيز، بجاوي…
فإنّ أغلب الناجحين هم من حاملي الجنسية التونسية، وثمة بعض الإختصاصات حظي فيها التونسيون بجميع المقاعد المدرجة في المناظرة! فهؤلاء الكفاءات نجحوا في مناظرة فرنسية يجب أنْ تضمّ من جهة نظرية جنسيات مختلفة على الأقل جنسيات فرنكوفونية. وكأنّ الحال يعود بالذاكرة إلى سنوات الدراسة بكلية الطب بسوسة والتطلّع إلى قائمة الناجحين، أو حال التطلع إلى قائمة الناجين في مناظرة الإقامة بكليات الطب بتونس.
فرحة فخر و أمل
مأتاها تواجد هذا العدد الهائل من الأطباء التونسيين في هذه القائمة، وهذا إنْ دلّ على شيء فإنّه يدلّ بكلّ صراحة وموضوعية مطلقة دون غلوّ وتبجحٍ عن جودة التكوين الطبي بتونس، وجودة المخرجات المعرفية والإدراكية التي يكتسبها الطالب بمختلف كليات الطب بتونس تجعل منها بحقٍّ صروحا علمية ومعرفية تُضاهي ما هو موجود بأوربا، وتجعلها تتفوق في الآن ذاته عن نظيراتها الإفريقية و المغاربية، رغم النقائص الكبرى التي تشتكي منها في مستويات عديدة ومتنوعة.
معطى أخر يدعو للتفاؤل هو أن جل المتفوقين سنهم دون الثلاثين فيبقى الأمل قائماً أن يعودوا بعد بضع سنوات بخبرة تنفع قطاع الصحة خاصةً وبلدهم تونس عموماً.
حزن حسرة وإحباط
للسائل أن يسأل لماذا يغادر كل هؤلاء؟ لماذا أصبح حلم جل زملائي الشبان وحتى المتمرسين منهم مغادرة البلد؟ هل انقطع الأمل بغدٍ أفضل في بلدنا إنّ بعض البسطاء السذج يفسرون هذه الظاهرة بانعدام الوطنية لدى هؤلاء العقول النيرة فهم يذهبون حتى على حساب ما كلف تكوينهم على الدولة التونسية، لكن أسباب هذا القرار بالهجرة عديدة وعميقة فمنها الاقتصادي و الإجتماعى والأمني والإعلامي والسياسي.
لا يجب أن يغيب على أحد أن الطبيب المتحصل على شهادة دكتورا في الطب والمرسم بعمادة الأطباء لا يستطيع، وبحكم القانون المنظم لمهنة الطب في تونس، أن يمارس أي مهنة أخرى فغياب أي أفق للعمل سواء في القطاع العام أو الخاص يدفع صاحب الشهادة الى البحث عن عمل خارج أرض الوطن سيما واننا نشهد منذ سنوات انهيارا في المنظومة العمومية نتيجة للمراهقة السياسية والفساد المالي والإداري المستشري؛ غياب الأفق في اتباع مسيرة جامعية لما تشهده جامعاتنا من سوء تصرف و مجاملة ومحاباة وغياب إستراتجيات عمل واضحة؛ غياب الأفق في القطاع الخاص في ظل إفلاس الصناديق الاجتماعية وتزايد الأعباء الجبائية المسلطة على الطبيب في القطاع الخاص وتزايد المصاريف اليومية فتجد الشاب الذي خاض التجربة يتخبط في مشاكل لا تحصى ولا تعد ليضطر بعدها إلى الإغلاق وترك المركب. ينضاف إلى كل هذه المشاكل العنف المتزايد الجسدي واللفظي المسلط على كل مسدي الخدمات الصحية وخاصةً منهم الأطباء. هذا العنف هو نتيجة مباشرة للحملات الإعلامية المغرضة التي يشنها البعض على الأطباء بغية الشهرة والبحث على الإثارة ونسب المشاهدة.
هل جنت على نفسها براقش
إضافة إلى ما سبق من أسباب، فالطامة الكبري التي حلت بقطاع الصحة في تونس هي تداعيات الامر 341 لسنة 2019 المنضم لدراسة الطب في تونس اذ ادخل تغييرات في التسميات والصفات لمنتسبي القطاع الصحي وذلك إرضاءً لجهات أجنبية، مما عمق ازمة الاطباء الشبان وجعلهم عاجزين عن الإندماج مع زملائهم ذوي الخبرة من الاطباء المباشرين في القطاع العام والخاص، فهدف هذه الامر الحكومي كان خلق اختصاص جديد وهو طب العائلة تمهيدا لهجرة الاطباء الشبان الى دول الخليج و أوروبا ومن كان عرّابا لهذا الامر كان اول المهاجرين الى كندا (وزير التعليم العالي السابق وطاقمه) فمن إدعى إصلاح ما هو أصلا صالح (الاعتراف الدولي بالكفائات التونسية) قد أفسد الحاضر والمستقبل.
من هنا وفي الختام نستنتج أن لا دخل لوجود الحس الوطني من عدمه في هذه الهجرة فجزء منها عفوي اوجبته الضروف والجزء الآخر أمرٌ دبِّر بليل.
وفي الختام نهنئ من تفوق ونحيي من يرابط ونسأل من المنقذ.
الدكتور علاء الدين سحنون
رئيس لجنة الصحة بالمجلس العربي الافريقي للتنمية المستدامة.
- اكتب تعليق
- تعليق