محكمة الجنايات الدولية: التحديات والرهانات
بقلم عاطف حمزاوي - إستفاق التونسيون يوم 24 ديسمبر 2020 على خبر خسارة المرشح التونسي، أستاذ القانون الدولي هيكل محفوظ، لانتخابات عضوية محكمة الجنايات الدولية وذلك بعد خسارته التصويت في الدور الثامن والأخير أمام مرشحة دولة سيراليون. خسارة مرة ولكن يمكن القول أنها كانت متوقعة أمام ضعف التحضير والحشد لهذا الموعد الهام رغم أفضلية المرشح التونسي والسمعة الطيبة التي يحظى بها داخل الأوساط القضائية والديبلوماسية.
قد يطول الحديث هنا عن أسباب خسارة المرشح التونسي ولكن يمكن القول عموما أن الأستاذ هيكل محفوظ كان ضحية ضعف الأداء الديبلوماسي للخارجية التونسية حيث اكتفت رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية بتوجيه رسائل خطية لمختلف دول العالم لدعم المرشح التونسي في حين إستماتت دول أخرى في الدفاع عن مرشحيها من خلال إعتماد إتصالات مباشرة والتسويق لحملته على غرار سيراليون التي أصدرت بيانا لدعم مرشحها خلال الإجتماع السنوي لأعضاء محكمة الجنايات الدولية يوم 17 ديسمبر الماضي في حين لم يصدر عن الجانب التونسي أي بيان وربما يعود ذلك لغياب وجود سفير تونسي بلاهاي وهو الذي تعود على تلاوة البيان وهذه قضية أخرى تطرح أيضا عديد نقاط الإستفهام...
وإذا تجاوزنا خيبة خسارة هذه الإنتخابات فيمكن القول أن هذا الحدث قد أثار فضول التونسيين سواءا على المستوى الشعبي أو على مستوى النخب حيث تعددت الآراء حول أهمية هذه الهيئة القضائية الدولية التي لم تستأثر باهتمام التونسيين من قبل ودورها في فصل النزاعات الدولية ومدى إستقلاليتها. هذا الجدل يستوجب منا البحث في تاريخ هذه المحكمة وعلاقة تونس بها وأهم القضايا المطروحة أمامها والتحديات والرهانات التي تواجهها.
تأسست المحكمة الجنائية الدولية سنة 2002 في لاهاي بهولندا، وتختص بمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ويبلغ عدد قضاة المحكمة الجنائية 18، ويتم تجديد انتخاب 6 قضاة كل 3 سنوات. وقد إنضمت تونس بعد الثورة إلى عضوية هذه المحكمة، فقد صدر في 14 ماي 2011 الأمر عدد 549 لسنة 2011 المتعلق بالمصادقة على انضمام الجمهورية التونسية إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وإلى اتفاق امتيازات المحكمة وحصاناتها وأصبحت تونس بذلك أول دولة في شمال إفريقيا وخامس دولة عربية، تنضم إلى المحكمة الجنائية الدولية، لتصبح الدولة العضو رقم 116.
عالجت محكمة الجنايات الدولية منذ إحداثها عديد الملفات الشائكة المتعلقة بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ولكن آخر القضايا المطروحة على جدول أعمالها هيا التي تطرح جدلا متصاعدا ورهانات حقيقية قد تهدد حتى وجود هذه المحكمة هذه القضايا هي القضية التي تقدمت بها السلطات الفلسطينية ضد السلطات الإسرائيلية و إتهامها بإرتكاب جرائم حرب بالأراضي الفلسطينية والقضية الأولية التي فتحتها المحكمة للتحقيق في إرتكاب الجنود الأمريكيين لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بأفغانستان
فلسطين ومحكمة الجنايات الدولية
30 أفريل 2020 كان يوما مفصليا في التاريخ الحديث، حيث أعلنت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا الولاية القضائية لمحكمة الجنايات الدولية على الإنتهاكات والجرائم في الأراضي الفلسطينية وأنه يمكن للسلطة الفلسطينية نقل الإختصاص الجنائي على أراضيها إلى لاهاي وإسناد المحكمة صلاحية التحقيق في جرائم حرب في فلسطين.
إن أهمية هذا القرار تتجاوز إمكانية ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية لكبار السياسيين والضباط العسكريين الإسرائيليين ومحاكمتهم بتهم جرائم حرب، فله تداعيات كبيرة على القضية الفلسطينية بما أن إعتراف المحكمة بالولاية القضائية هو إعتراف بالدولة الفلسطينية وسيادتها، كما سيكون لهذا القرار تداعيات كبيرة على مستوى العلاقات الدولية بما أن الدول الأعضاء في المحكمة مطالبة بتنفيذ طلبات الإعتقال والتسليم الصادرة عن محكمة الجنايات الدولية. وقد تم بالفعل فتح تحقيق في جرائم حرب إسرائيلية بعد أن أحال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي في 22 ماي 2018 الوضع في فلسطين إلى مكتب المدعي العام، مطالباً المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق، وفقاً للولاية القضائية الزمنية للمحكمة، في الجرائم السابقة والجارية والمستقبلية في إطار السلطة القضائية للمحكمة، والتي تُرتكب في جميع أنحاء أراضي دولة فلسطين. ووفقاً للطلب، فإن دولة فلسطين تضم الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، كما حددها خط الهدنة لعام 1949، وتشمل الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة.
يبرز هنا بوضوح اثنان من أكبر التحديات التي تواجه القانون الدولي في هذه القضية: الأول يتعلق بواقع كَوْن بعض المعايير القانونية الدولية أقل وضوحاً من المفاهيم التي تم تطويرها في النظم القانونية المحلية. والثاني هو عدم إنفاذ القانون على المستوى العالمي. ففي بعض مجالات القانون الدولي، لم يتم نقل السلطة القضائية إلى سلطة أعلى من الدول على الإطلاق، أو نُقلت جزئياً فقط، كما يتضح من الالتزام العالمي الجزئي بالمحكمة الجنائية الدولية. لفهم هذه التحديات وتبعات القرار وجب الرجوع هنا إلى تأسيس المحكمة والمقاصد منه.
تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية التي هي محكمة دولية دائمة بموجب معاهدة نظام روما الأساسي في 1جويلية 2002. وتتمثل سلطتها في ممارسة ولايتها القضائية على أشخاص فيما يتعلق بأخطر الجرائم التي تثير قلقاً دولياً، والمعروفة بأنها جريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان. والأهم من ذلك أن ولاية المحكمة الجنائية الدولية مكمّلة للولاية القضائية الجنائية الوطنية. وحتى كتابة هذه الأسطر، هناك 123 دولة طرفاً في النظام الأساسي. وقد وقّعت عليه الولايات المتحدة وإسرائيل عام 2000، ولكنهما أبلغتا الأمين العام للأمم المتحدة بعد ذلك بعامين أنهما لن تصادقا عليه، وبالتالي لن تكونا مقيّدتين بأي التزامات تترتب عليه. وبدون هذا التصديق، فإنهما ليستا طرفاً في المعاهدة. أما الدول الأخرى التي ليست أطرافاً في النظام الأساسي، فيمكنها الإنضمام إليه عبر إيداع طلب انضمامها لدى الأمين العام للأمم المتحدة. وقد قام الجانب الفلسطيني في 2 جانفي 2015، بإيداع طلب انضمامهم إلى المحكمة الجنائية الدولية لدى الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بان كي مون، الذي أشار إلى أن نظام روما الأساسي سيدخل حيّز التنفيذ لدولة فلسطين في 1 أفريل 2015. وفي الوقت نفسه، أشار إلى أنه يتعين على الدول أن تتخذ قرارها الخاص فيما يتعلق بأي مسائل قانونية تثيرها الطلبات التي عممها الأمين العام للأمم المتحدة وهو ما أعتبر رسميا ترخيص لإنضمام السلطة الفلسطينية للمعاهدة.
وفي 22 ماي 2018، أحال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي "الوضع في فلسطين" إلى "مكتب المدعي العام، مطالباً المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق، وفقاً للولاية القضائية الزمنية للمحكمة، في الجرائم السابقة والجارية والمستقبلية في إطار السلطة القضائية للمحكمة، والتي تُرتكب في جميع أنحاء أراضي دولة فلسطين. ووفقاً للطلب، فإن دولة فلسطين تضم الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، كما حددها خط الهدنة لعام 1949، وتشمل الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة. وجب الإشارة هنا أن السلطة القضائية للمحكمة الجنائية الدولية تقتصر على الجرائم التي يُزعم ارتكابها إما على أراضي الدول التي هي أطراف في نظام روما الأساسي (بما في ذلك سفنها وطائراتها المسجلة) أو من قبل مواطني هذه الدول. وبما أن إسرائيل ليست طرفاً في النظام الأساسي، فإن السؤال الذي كان مطروحا قبل إعلان المحكمة قرارها هو ما إذا كان يمكن اعتبار دولة فلسطين طرفاً.
في 20 ديسمبر 2019، وبعد إجراء التدقيق التمهيدي الإلزامي، أعلنت المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودة أنه تم استيفاء جميع المعايير القانونية لفتح التحقيق. وبالنظر إلى المسائل القانونية والوقائعية المثيرة للجدل لهذه القضية، فقد قررتْ الحصول على قرار من الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية بشأن نطاق الولاية الإقليمية للمحكمة في وضع فلسطين، والتأكيد على أن الأراضي التي يجوز للمحكمة ممارسة اختصاصها عليها بموجب المادة 12 (2) (أ) تشمل الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة. وفي نفس اليوم أعلنت إسرائيل موقفها الرسمي بهذا الشأن، بتصريحها بأن المحكمة الجنائية الدولية لا تملك الولاية القضائية الإقليمية لأن فلسطين لا يمكن اعتبارها دولة، ويرجع ذلك أساساً إلى افتقارها إلى السيطرة الفعلية على الأراضي التي تدّعيها. أما من الجانب الفلسطيني فقد تم في 16 مارس 2020 تقديم الموقف الرسمي للمحكمة والذي أشاروا فيه إلى العدد الكبير من الدول والمنظمات الدولية التي تعتبر فلسطين دولة، وإلى ضرورة أن تحكم المحكمة الجنائية الدولية في ولايتها وفقاً للغرض من نظامها التأسيسي. كما سمحت الدائرة التمهيدية أيضاً لسبع دول وست وثلاثين منظمة وشخصية بتقديم ملاحظاتهم لغاية 16 مارس 2020 وطالِبت مكتب المدعي العام بتقديم رده بحلول 30 مارس ثم تم تمديد الموعد النهائي لمدة شهر واحد قبل أن يتم التصريح بالقرار في 30 أفريل 2020.
ورغم أن الدول السبع التي قدمت ملاحظات (أستراليا والنمسا والبرازيل وتشيكيا وألمانيا والمجر وأوغندا) أقرت بأن دولة فلسطين لا تستوفي حالياً الشروط التي بموجبها يمكن اعتبارها دولة على النحو المقصود في المادة 12 (2) (أ) من نظام روما الأساسي ورغم تأكيد كل من وزارة الخارجية الكندية ووزير الخارجية الأمريكي أن دولة فلسطين لا تستوفي معايير الدولة بموجب القانون الدولي وغير معترف بها كدولة ولا ينبغي أن تشارك في المنظمات الدولية بهذه الصفة، فإن الموقف الفلسطيني كان قويا حيث أن موقفهم كان مدعوما بطلبات "أصدقاء المحكمة" كجامعة الدول العربية التي تمثل اثنتين وعشرين دولة، ومنظمة التعاون الإسلامي التي تمثل سبعة وخمسين دولة.
إن هذا الموقف زيادة على إنعكاساته على العلاقات الدولية فإنه أيضا يطرح إشكالات جدية حول إستقلالية المعايير القانونية الدولية في سياق السياسي فعلى الرغم من أن القانون الدولي يتميز أحياناً بمواقفه القاطعة، إلا أنه لم يتمكن من تحديد مفهوم الدولة أو الاعتراف بها على نحو دقيق. والقضية الفلسطينية ليست المثال الوحيد هنا (كوسوفو، على سبيل المثال)، لكنها من بين أكثر الحالات تعقيداً. فوفقاً للدول التي تدعم موقف إسرائيل، يجب تقييم ولاية المحكمة الجنائية الدولية وفقاً لنظام روما الأساسي واتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، لأن نظام روما المذكور هو معاهدة دولية. وهذا يعني اللجوء إلى المعايير التقليدية لمفهوم الدولة بموجب القانون الدولي، والتي تتطلب عادة سيطرة حكومية فعالة على الإقليم المعني وفي الوقت الحاضر، تمارس السلطة الفلسطينية نوعاً محدوداً فقط من السيطرة على أجزاء معينة من الضفة الغربية ولا تسيطر على قطاع غزة أو القدس الشرقية وبالتالي فإن اختصاصها الجنائي في هذه المناطق محدود ونتيجة لذلك، يصعب تحديد الولاية القضائية الوطنية التي ستكمّلها المحكمة الجنائية الدولية في هذه الحالة. ومع ذلك إعتمدت المحكمة، النسبية التي تبرز في بعض الأحيان عند تطبيق معايير الدولة. على سبيل المثال، تم الاعتراف بتايوان من قبل خمس عشرة دولة فقط في جميع أنحاء العالم، على الرغم من استيفائها للمعايير التقليدية إلى حد كبير، في حين لا تزال الصومال تعتبر دولة بعد فترة طويلة من انهيار حكومتها المركزية. كما تم أيضاً مراعاة الغرض الذي من أجله أُقِرّت المعاهدة عند محاولة تفسير أحكامها؛ فقد تأسست المحكمة الجنائية الدولية بهدف عدم السماح لادعاءات ارتكاب جرائم خطيرة بالمرور دون تقصي وعقاب.
وفي ضوء هذه التعقيدات، يبدو أن النظر في الحجج القانونية الدولية المتعلقة بنظام روما الأساسي أو الدولة الفلسطينية بمعزل عن السياق السياسي الدولي الذي يتم طرحها فيه، كانت مهمة شاقة. ولا يبدو من قبيل المصادفة أن البلدان ذات العلاقات الإسرائيلية الجيدة دعمت مطالبات إسرائيل القانونية بشأن هذه القضية، في حين أن الدول التي تشارك الفلسطينيين في اللغة و/أو دين هي التي دافعت عن وجهة النظر القانونية الفلسطينية. رغم كل هذه التعقيدات أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرارها في 30 أفريل 2020 وجددت تأكيدها أن للمحكمة الجنائية في لاهاي صلاحية التحقيق في جرائم حرب أرتكبت في فلسطين وأعلنت المدعية العامة فاتو بنسودا أنها تريد فتح تحقيق شامل في جرائم حرب محتملة في الأراضي الفلسطينية مما أثار رد فعل إسرائيلي غاضب و إتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي المحكمة بمعاداة السامية .
المحكمة و إمتحان أفغانستان
يبدو أن القضية الفلسطينية وفتح تحقيق في جرائم حرب إرتكبت من قبل مسؤولين إسرائيليين ليست التحدي الوحيد الذي يواجه محكمة الجنايات الدولية والمدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودة. فقد أذنت المحكمة في 5 مارس 2020 بفتح تحقيقات في جرائم حرب مزعومة في أفغانستان وقد تم إتخاذ هذا القرار بالإجماع بعد إستئناف القضاة في لاهاي ونقض حكم سابق قضى برفض التحقيقات بدعوى أن الأمر لن يكون في مصلحة العدالة. وتعتزم المحكمة التحقيق في جرائم مزعومة أرتكبت على أراضي أفغانستان إبتداءا من ماي 2003. ومن المتوقع أن تجري المحكمة تحقيقا في جرائم حرب مزعومة ارتكبت على يد الجيش الأميركي في أفغانستان وأعضاء في وكالة الاستخبارات المركزية في مراكز احتجاز سرية في أفغانستان وعلى أراضٍ في دول أخرى أطراف في نظام روما الأساسي، ومن حيث المبدأ تقع هذه الفترة بين 2003 و2004 كما ستعمل المدعية العامة على التحقيق في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ارتكبها طالبان وشبكة حقاني، وجرائم حرب ارتكبت على يد قوات الأمن الوطني الأفغاني.
ويأتي قرار المحكمة بعد أيام من توقيع اتفاق سلام بين واشنطن وطالبان وأصدر وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، بيانا وصف فيه قرار المحكمة بأنه "طائش" وعارضت إدارة ترامب بشدّة فتح المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً في أفغانستان وأعلنت الولايات المتحدة، غير المنتمية للمحكمة في مارس الماضي عقوبات غير مسبوقة ضد هذا الجهاز القضائي الدولي، مع فرض قيود على منح تأشيرات دخول لأي شخص مسؤول مباشرة عن هذا التحقيق ضدّ عسكريين أميركيين. وقبل أسبوع من إصدار القرار رفضت الولايات المتحدة الأمريكية منح تأشيرة دخول لأراضيها للمدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودة كما أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في 2 سبتمبر الماضي، إدراج كل من المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، ومسؤولاً آخر في المحكمة على لائحة العقوبات الأميركية. وفي العادة يدرج على تلك اللائحة المتهمون أو الذين أثبت أنهم ارتكبوا جرائم حرب وفساد، وليس هؤلاء الذين يحاولون مقاضاة مرتكبي جرائم الحرب وتحقيق العدالة.
ولفهم حالة الذعر الأمريكية من قرار المحكمة الجنائية الدولية يجب العودة إلى سياق عمل المحكمة الجنائية الدولية فرغم أن الولايات المتحدة ليست طرفاً في نظام روما الأساسي للمحكمة وليس للمحكمة سلطة على مواطني الدول غير الأعضاء فيها إلا إذا صدر قرار من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بخصوص قضية بعينها فإن المشكل بالنسبة للسلطات الأمريكية هو أن أفغانستان دولة عضو في المحكمة، وهذا يعطي المحكمة سلطة التحقيق والملاحقة القضائية لأي شخص متهم بارتكاب جرائم حرب على الأراضي الأفغانية أو مرتبطة بالنزاع فيها عندما ترى أن السلطة الوطنية لم تقم بأي تحقيقات حقيقية في الجرائم المحتملة. ولأن المحكمة فتحت التحقيق في مارس الماضي، بعد النظر في قضية ما إذا كان يحق لها البدء بذلك لمدة عامين، فإنه يتوجب على الحكومة الأفغانية تقديم الأدلة بأنه يمكنها إجراء تلك التحقيقات بشكل نزيه وحقيقي.
أخيرا يتجلى لنا الإهتمام الذي أصبحت تتمتع به المحكمة الجنائية الدولية اليوم ليس فقط كهيئة قضائية دولية تحقق في الإنتهاكات الدولية و جرائم الحرب بل أيضا كهيئة دولية محايدة لا تخضع لضغوطات الدول الكبرى و تكتسي قراراتها القضائية صبغة سياسية في بعض الأحيان مثل الإعتراف بالدولة الفلسطينية كدولة لها السلطة المطلقة على أراضيها و السلطة القضائية على الجرائم المرتكبة على أراضيها وهو ما يمكن من تدويل تلك القضايا و إصدار قرارات ملاحقة دولية لمرتكبي تلك الجرائم. و يبقى السؤال الأهم هل ستحتفظ المحكمة بتوجهاتها المحايدة و سلطة قرارها بعد إنتخاب مدعي عام جديد يخلف الغمبية فاتو بنسودة بعد أيام من تجديد ثلث أعضاء هيئة المحكمة.
عاطف حمزاوي
مختص في علم الإجرام والعلوم الجنائية،
وخبير دولي في الأمن وقضايا الإتجار بالبشر والجريمة المنظمة.
- اكتب تعليق
- تعليق