اصدارات - 2020.10.15

قراءة في مذكّرات هيلاري كلينتون "خيــارات صعبة"، أقوال كثيرة وأسرار قليلة

قراءة في مذكّرات هيلاري كلينتون "خيــارات صعبة"، أقوال كثيرة وأسرار قليلة

بقلم د. عادل بن يوسف - عن دار شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ببيروت في سنة 2015 الطبعة الأولى للترجمة العربية لمذكرات النائبة ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، السيّدة هيلاري دِيان رودهام كلينتون، في 637 صفحة من الحجم المتوسط عن ترجمة لميراي يونس. وللتذكير كانت النسخة الأصلية باللغة الانجليزية لهذه المذكرات قد صدرت يوم 10 جوان 2014 عن دار "سيمون آند شوستر" في 600 صفحة تحت عنوان: " Hillary Diane Rodham Clinton, June 10, 2014, Hard Choices, Simon & Schuster, Inc." 

لاقى الكتاب الذي طبعت منه مليون نسخة  رواجا منقطع النظير داخل  الولايات المتحدة وخارجها  لرغبة القراء في استقاء معلومات "طازجة" حول تاريخ الزمن الراهن من داخل المنظومة الأمريكية الرسمية والبيت الأبيض ممّا يفسّر ترجمته إلى عدة لغات أخرى.

المذكرات تقليد أمريكي: ليست هذه المذكرات بالأولى التي تصدر عن مسؤول أمريكيّ سابق، فقد دأب جلّ القادة الأميركان كتابة مذكراتهم إثر خروجهم من مناصبهم على غرار مذكرات وزير الخارجية السابق، هنري كيسنجر "سنوات التجديد" (Years of Renewal)، 1057 صفحة، الصادر سنة 1999... وهو تقليد لم تشذَّ عنه هيلاري كلينتون زمن حكم الرئيس باراك أوباما (بين 2009 و 2013) بعد أن خرجت من حلبة المنافسة الرئاسية أمامه سنة 2008 بالتوصل إلى صفقة تُمنح بموجبها وزارة الخارجية مقابل الانسحاب من المنافسة. وهي كذلك زوجة الرئيس الثاني والأربعين للولايات المتحدة، بيل كلينتون (Bill Clinton) و السيدة الأولى بالبلاد خلال دورتي حكمـــه (بين 1993 و2001). كما صدر لها في 12 سبتمبر 2017 كتابا آخر لها " ماذا حدث "What Happened"...

مسيرة علميّة وسياسيّة مميّزة للمؤلفة: الكاتبة من مواليد 26 أكتوبر 1947بشيكاغو (بولاية إلينوا) درست الحقوق بكلية وليسلسي وكانت الأولى على دفعتها سنة 1969 وناقشت بنجاح رسالة دكتوراه في القانون سنة 1973 خوّلت لها أن تصبح مستشارة بالكنغرس. كما عملت في مجلس الشيوخ الأمريكي بمدينة نيويورك بين 2001 و 2009 ...

أقسام الكتاب ومصادره: جاء الكتاب في 06 أجزاء (كذا) – عوضا عن أقسام - و 25 فصلا، إلى جانب مقدمة وخاتمة وشكر وإهداء رقيق إلى "الدبلوماسيّين وخبراء التنمية الأمريكيّين الذين يمثلون قِيَمَنَا وبلادنا خير تمثيل في الأماكن الكبيرة والصغيرة، الهادئة والمحفوفة بالمخاطر في كل أنحاء العالم". وإلى والدها "هيو إلسورث رودهام (1911 - 1993) ووالدتها ودوروثي إيمّا هاويل رودهام (1919 - 2011)". كما تضمّن خريطة وعشرات الصّور بالألوان توثق لكل ما ورد في الكتاب قبل وأثناء توليها وزارة الشؤون الخارجية... 

ذكرت كلينتون في المقدّمة: "وضعت هذا الكتاب لتكريم الدبلوماسيّين وخبراء التنمية الاستثنائيّين الذين تشرّفت بأن أتقدمهم باعتباري وزيرة الخارجية السابعة والستين" ثمّ تحدثتفي الجزء الأول الموسوم "بداية جديدة" عن لقائها بباراك أوباما بعد خسارتها التصويت الداخلي للحزب الديمقراطي للترشح للانتخابات الرئاسية وشغلها منصب وزيرة الخارجية في فريق أوباما بعد فوزه بالانتخابات... وفي الجزء الثاني "عبر المحيط الهادي"، تحدثت عن آسيا والقضايا التي واجهتها الولايات المتحدة في الصين وبورما… أمّا الجزء الثالث "الحرب والسلام" فقد خصّصته للحديث عن الحرب في أفغانستان وباكستان، والعمليات العسكرية ومحاولات إنهاء الوجود الأمريكي في بلد "طالبان"...، بينما عالجت في الجزء الرابع "بين الأمل والتاريخ"، علاقات بلدها مع دول أوروبا وروسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا وأبرز الأحداث بأوكرانيا وبلاد القرم…

ويعدّ الجزء الخامس "الاضطرابات" الأكثر إثارة والأقرب إلى القارئ العربي لتطرّقها لأحداث "الربيع العربي" في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن... والسياسة الرسمية الأمريكيةتجاه الحرب في سوريا، وأسرار السياسة الإيرانية، والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وكيف توصلت إلى هدنة بين الطرفين...
أمّا الجزء السادس والأخير "المستقبل الذي نريد"، فقد عالجت في فصوله الخمسة مسائل المناخ والبيئة والطاقة والكوارث الطبيعية وفنّ الحُكم في القرن الواحد والعشرين والدبلوماسية الرقمية وأخيرا حقوق الإنسان عمل غير مكتمل... الخ. وعن مصادر المعلومات الواردة في الكتاب، فقد اعتمدت على ذاكرتها الشخصية الجيّدة (بأدقّ التفاصيل أحيانا) والوثائق الرسمية التي بحوزتها زمن وجودها بالكنغرس وخاصة زمن إدارتها لوزارة الشؤون الخارجية من تقارير ومراسلات ومذكرات وخطب وصور وتصريحات ومقابلات...وخاصّة معلومات شخصية وسرية... عن شخصيات دولية.

معلومات مدويّة لترجمات "مفتعلة" للمذكّرات: ظهرت على النات ترجمات "محرّفة" للكتاب كانت أشهرها "كلمة السرّ 360" التي تعمّد واضعوها الحديث عن الكثير من الأمور السياسية الشائكة التى ألقت بضلالها على الدول العربية منذ سنة 2011 إلى اليوم وفي مقدمتها مصر ودور الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية في وصول الإخوان المسلمين إلى سدّة الحكم وكونهم وراء خراب سوريا وليبيا والعراق... و مصر على حافة الهاوية...، ولولا وقوف الشعب مع الجيش لكانت مصر الآن نسخة من سوريا وليبيا... أو إقرارها بكونها زارت 112 دولة لدفعها على الاعتراف بالدولة الإسلامية ضمن مخطّط لتقسيم المنطقة، لكنّ "تحطّم كلّ شيء حين قامت ثورة 30/6 و 3/7 في مصر"، أي حين أطاح الجيش المصري بالرئيس الإخواني محمّد مرسيفي جويلية 2013 بعد تظاهرات حاشدة خرجت احتجاجا على حكمه في ميدان التحرير. كما نُسب إليها حديثا عن أعداء حركة حماس من فلسطينيّين وغيرهم من أنّ الحركة باعت فلسطين من أجل الاستيلاء على صحراء سيناء وإقامة دولتها هناك... وقولها عن تونس يوم 14 جانفي 2011: "... أمَرْنَا من خلال سفارتنا في تونس ليلة 14 يناير بغلق المجال الجوي التونسي و تحريك قوّات المارينز الأمريكية المتمركزة في صقلية نحو تونس في حالة عدم رضوخ الرئيس زين العابدين بن علي للواقع و رفضه مغادرة السلطة ثمّ اتصلت بالمتعاونين معنا في تونس... ". يضاف إلى ذلك بعث الولايات المتحدة لتنظيم "داعش"...، وغيرها من الإدعاءات. لكن بالعودة إلى النصّ الانجليزي وترجمته العربية التي نقدّم ومقارعتهما بالترجمة "الوهمية" (كلمة السرّ 360) وغيرها من الترجمات، تبيّن لنا أنّها ترجمات مفتعلة من طرف أجهزة سياسية وأمنية بالتعاون مع بعض الإعلاميّين، غايتها اتهام أطراف بالتآمر على بلدانها مع جهات خارجية... كما لم نجد في الكتاب ذكرا لمسؤولية الولايات المتحدة في بعث تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"...

• هيمنة الجوانب الشخصية على المذكرات: استعانت الكاتبة بتجربتها كزوجة للرئيس بيل كلينتون طيلة عُهدتين رئاسيتين لتنطلق من داخل اللعبة: لعبة الخيارات الصعبة أمام تفاقم الأزمات الاقتصادية والتهديدات الخارجية المتزايدة المتأتية من إيران وكوريا الشمالية والمنافسة الصينية الشديدة للاقتصاد الأمريكي والثورات المتأجّجة في الشرق الأوسط... وأفاضت الحديث عن محورية آسيا في السياسة الأميركية العالمية وأهمية الصين (بكين المنشقّ) والخلاف التجاري والسياسي معها وخاصّة في بحر الصين (المياه مجهولة المسالك)... كما تضمّن الكتاب آراءها في بعض رؤساء الدول والحكومات، وانتقادها لقادة إسرائيليين عاندوها خلال مسيرتها الدبلوماسية وعرقلوا مخطّطاتها، ممّا أثار ضدّها موجات متناقضة بين السخط والتأييد...

تناولت كلينتون في الفصول الأولى من الكتاب دخولها الانتخابات ثمّ اختيارها كوزيرة للخارجية، لتنتقل بعد ذلك للتعريف بنظريّة القوّة الناعمة  Soft Powerإلى... وزيارتها لطوكيو وبيكين وأندونيسيا وكوريا الجنوبية إلى غاية النقطة الحدودية لها مع كوريا الشمالية...قبل أن يتراجع أوباما مجددا ويعود إلى المنطقة العربية التي كان قد قرّر الانسحاب منها في العراق ومهَّد لذلك بخطابه الشهير في جامعة القاهرة يوم 04 جوان 2009، لكن اندلاع الربيع العربي والأحداث الخطيرة بالعراق وسوريا قد أرغمته على العودة إليها.

أحكام قِيميّة عن رؤساء دول وملوك وأمراء: تحدّثت كلينتون بإعجاب كبير عن سيّدة المعارضة البورمية، أونغ سان سو تشي وكيف انطلقت علاقتها بالضباط البورميّين الرافضين للتغيير (السيّدة والجنرالات). وهنا يظهر حرص الأمريكان على الضغط على خصوم الديمقراطية البورمية وإرغام العسكر على الرضوخ للمعارضة.

وأفردت حيّزا محترما للحديث عن تركيا في الجزء الخاص بقارة أوروبا من كتابها: الاقتصاد التركي ونموه بشكل كبير في الفترة الأخيرة... وبدت حريصة على إزالة حالة عدم الثقة القائمة، لا سيّما من جانب الشعب التركي تجاه الولايات المتحدة. كما ذكّرت بأول لقاء لها معأردوغان حينما كان رئيسا لبلدية اسطنبول في التسعينيات وإعجابها الشديد بسياسته التي مكّنته من التغلّب على سطوة الجيش التركي وإنهاء عصر الانقلابات العسكرية. كما استعرضت بعض الإنجازات الإيجابية التي حقّقتها حكومة أردوغان مثل " إلغاء محاكم أمن الدولة بموجب الالتزامات الخاصّة بعضوية الاتحاد الأوروبي، وإصلاح قانون العقوبات، وتخفيف حّدة القيود على النشر والتعليم باللغة الكردية... ! "

وخصّصت 18 صفحة للشأن الروسي و الرئيس فلاديميـــر بوتـــين...، لا سيّما بعد وصوله إلى سدّة الرئاسة في مارس 2012 لكن على المقاس وبكلّ حذر لكونها كانت على أبواب الانتخابات الأمريكية. انتقدت نظرته للعالم (ص 227) و الرقابة على الصّحف في روسيا (ص 229) و علّقت مطوّلا على "ظاهرة" تبادل السلطة بين بوتين وميدفيديف (ص 230). أقرّت بعجزها عن فهم بوتين قائلة: "... أمضيتُ ساعات طوال أعوام، أفكر في طرائق تساعدني على فهم بوتين... " (ص 241).

كما تحدثت عن عُمان وسلطانها الراحل، قابوس بن سعيد وأشادت بحكمته ووصفتة بـ "الزعيم" لتحديثه لعمان " بالتركيز على التعليم وتمكين النساء والفتيات ووضع الشعب في مركز استراتيجية الدولة الإنمائية... مع المحافظة على ثقافة البلاد ". و عن ملك الأردن كتبت كلينتون:"... نجح ملك الأردن عبد الله الثاني في استباق موجة الاضطرابات التي حرصت حكومات أخرى في المنطقة خلال الربيع العربي أجرى الأردن انتخابات تشريعية ذات صدقيّة وضيّق الخناق على الفساد، لكن الاقتصاد ظل راكدا والسبب إلى حد كبير أنّ الأردن أحد أكثر الدول احتياجا إلى الطاقة في العالم..." (ص 349).

وأوردت حيّزا للحديث عن اتصالاتها بسعود الفيصل حول الوضع بالبحرين ولقائها بالملك عبد الله وزيارتها للمملكة... بعد أن سمعت بالتدخل الخليجي العسكري في البحرين ولقائهابالملك عبد الله في في خيمته الفاخرة بروضة خريم مع حضور للطرفة حول الجِمال أمّا حديثها عن إسرائيل فكان الفصل الأكثر إثارة على الإطلاق فقد جعلتها في موقع الحلم الأمريكي... بحديثها عن لقاءاتها بالمسؤولين في الأراضي المحتلة وفي إسرائيل... لكنها هنا تقوم بتسخين الطبق القديم وتقديمه في شكل طبق جديد وهو من ثوابت سياسة الإدارة الأميركية حيال عملية السلام، أي التفاوض من أجل التفاوض، دون تحديد لسقف أو روزنامة ما...، أي مواصلة سياسة طبخ الحصى دون أن تُلزم نفسها بشيء، في ظل تواصل سياسة الاستيطان الصهيــوني على ما تبقّى من الأراضي الفلسطينية التي من المفترض أن يتمّ التفاوض حولها.

• الربيع العربي ثورة لا مناص منها: وصفت كلينتون ما حصل في العالم العربي بـ"الربيع العربي: الثورة" (The Arab Spring: Revolution) وشدّدت على ضرورة القيام بإصلاحات كما ذكَّرت بخطاب وزيرة الخارجية الأميركية السابقة "كونداليزا رايس" في القاهرة سنة 2005 حين اعترفت: " لنصف قرن فضَّلت أميركا الاستقرار على حساب الديمقراطية ". وما يُحسب لها أنّها تنبّأت بحدوث عاصفة غضب وموجة من الاضطرابات في عدد من البلدان العربية كاليمن ومصر ولبنان، بسبب الفقر والبطالة والفساد، فكلّ المؤشّرات حسب رأيها كانت توحي بحدوث تغيير جذري، وهو ما حصل بالفعل لكن ليس انطلاقا من الدول المذكورة آنفا، بل من تونس في ديسمبر 2010.

• تونس المنطلق: تحدّثت كلينتون عن تحولها إلى الدوحة يوم 12 جانفي 2011 وإلقائها من الغد خطابا بالمؤتمر الإقليمي أمام القادة العرب تطرّقت فيه إلى " البطالة والفساد وتصلب النظام السياسي الذي منع المواطنين من الحصول الكرامة وحقوق الإنسان العالمية..." مهدّدة إيّاهم: " وإذا لم يحصل هذا فان أولئك الذين يتمسكون بالوضع الراهن قد يكونون قادرين على كبح جماح التأثير الكامل للمشاكل في بلدانهم لبعض الوقت ولكن ليس إلى الأبد ". لكن يبدو أنّ القادة العرب لم يكونوا منتبهين لما كانت تقول أو ربما كانوا نياما كما الحال في القمم العربية !

و يبقى السؤال الذي يطرح نفسه: آن لنظام بن علي أن يسقط يوما فقط بعد زيارتها لقطر وخطابها بالدوحة؟ الأكيد أنّها أرادت أن يكون منطلق الربيع العربي من تونس، لكنها لم تعطينا بعض التفاصيل والأسرار عن كيفية إعداد وترتيب هذا السقوط "المفاجئ" من طرف الإدارة الأمريكية وكيف "ضحّت" بحليفها بالأمس القريب، زين العابدين بن علي بهذه السرعة ! 

• تونس مُعدية: أفاضت كلينتون الحديث عن انتقال الاحتجاجات من تونس إلى مصروتوقّفت عند اندلاع شرارة الانتفاضة بسيدي بوزيد في 17 ديسمبر 2010 بحادثة البوعزيزي وإفراط بن علي في استخدام العنف رغم زيارته له في المستشفى... كما ذكّرت بحكمه الدكتاتوريّ وغياب الديمقراطية... لكنّها لم تخطّ ولو كلمة واحدة عن دور الولايات المتحدة - عبر سفيرها بتونس - في فرار بن علي عشية 14 جانفي إلى السعودية ودور بعض المسؤولين السامين في الجيش والأمن في ذلك !

• سقوط مبارك ووصول الإخوان إلى الحكم: لم تتجاهل كلينتون سقوط الرئيس حسني مبارك الحليف التاريخي لبلدها في مصر طيلة 30 سنة وتشبثه بالحكم رغم إنذارات إدارة أوباما له عبر الدبلوماسي والسفير السابق بالقاهرة، فرانك ويزنر (ص 335). ثمّ تحدثت عن زيارتها الأولى لمصر بعد سقوط نظام مبارك في 16 مارس 2011 وزيارتها لميدان التحرير وعبارات الترحاب بها: "مرحبا بك في مصر الجديدة" ولقائها بالنشطاء من الشباب...، لكنها لم تَجِدْ لديهم خطة وتصورا للمرحلة الانتقالية... ثم تحدثت عن زيارتها الثانية في جويلية 2012 و لم تُخفِ ما رافقها من احتجاجات الشباب في شوارع القاهرة وحتى في الفندق الذي تقطنه ضد السياسة الأمريكية، داعين إيّاها إلى الرحيل... وخلال زيارتها هذه روت لقاءها بالرئيس السابق محمّد مرسى ومجموعة من الجنرالات والأقباط الذين كانوا خائفين من وصول الإسلاميّين بسبب اعتداءات الجماعات السلفية عليهم... وتفاجأها بتجديد مرسي والإخوان لاتفاقية السلام مع إسرائيل وتقديمه الدعم لإدارتها في التوصل إلى اتفاق تهدئة بين حركة حماس وإسرائيل بقطاع غزة في 21 نوفمبر 2012... ولم تُخفِ انتقادات نواب الكنغرس لمقرّبتها و رئيسة موظفي مكتبها، الأمريكية من أصول باكستانية، هُومَا محمود عابدين (نشأت في السعودية)، التي اتُّهِمَتْ بالعمل لفائدة تنظيم الإخوان، ممّا حدا بالنائب ماك كاين بالدفاع عنها في جلسة علنية بمجلس الشيوخ وجلوسها أوباما نفسه إلى جانبها بمناسبة حفل عشاء الإفطار السنوي بالبيت الأبيض !

• دعم أمريكي لحكومة الترويكا وللمسار الديمقراطي: تحدثت كلينتون عن زيارتها الأولى لتونس في 17 مارس 2011 ثم زيارتها الثانية لها في فيفري 2012 و وصول "حزب الإسلام المعتدل"، أي حركة النهضة إلى السلطة وقيام نظام "حكم تعدّدي"... كما تحدثت عنالمحاضرة التي ألقتها بقصر النجمة الزهراء بسيدي بوسعيد يوم 25 فيفري أمام 2012 أمام 200 من الشباب... وردا عن سؤال طرحه عليها محام شابّ عن أسباب تعامل الولايات المتحدة مع هذه الحكومات قالت: " يُفترض التعامل مع الحكومات القائمة، نَعَمْ فعلنا ذلك، تعاملنا مع حكومات هذه الدول على ما نقوم به في مكان آخر...". وفي جوابها هذا ما يؤكد أنّ لا شيء يعني للولايات المتحدة غير مصالحها أولا وآخرا !

وفي المقابل لم تتطرّق لزيارتها الثالثة للمشاركة في أشغال منتدى "من أجل المستقبل" الذي عُقِد أيّام 12، 13 و 14 ديسمبر 2012 بتنظيم مشترك بين وزارتي الخارجية التونسية و الأمريكية بحضور وزراء خارجية من مختلف دول العالم ولقائها برئيس حكومة الترويكا حمادي الجبالي وعدد من وزراءه وكبار المسؤولين... وهي جزء من جولة شملت البحرين ومصر وتونــس بين 8 و 14 ديسمبر 2012. و لم تكتم كلينتون تخوّفها من إفلات الربيع العربي من قبضة الولايات المتحدة وضررهِ بمصالحها ومصالح حليفها الكيان الصهيوني بالمنطقة !

• سوريا الأزمة الشرّيرة وبشّار يُدار من قبل أمّه: تفاجئ كلينتون قرَّاءها بالقول: "سألت أميرا سعوديا فيما إذا نجحنا في إقناع الروس بتسوية سلمية بسوريا هل يرضخ لها الأسد؟ فقال لي الأمير: إنّ الأسد يُدار من أمّه (أنيسة مخلوف) وإنه مثل أبيه حافظ الأسد وحشيّ، وسيواصل نهجه الوحشي..." (في إشارة إلى مذبحة حماة 1982). وحين تصل إلى الأسلحة الكيمائية في سوريا واستخدام النظام لهذه السلاح، تعبِّر عن استغرابها لتراجع الرئيس الأميركي أوباما في خطوة أدهشت الجميع لمَّا توجه إلى الكنغرس لأخذ الموافقة التي لم يكن بحاجة إليها... وتحاشيها الكشف عن أسرار كبيرة حول الملفّ السوري...

• ليبيا: كل التدابير اللازمة: خصّصت كلينتون فصلا للملف الليبي وتطرّقت لقمّة وزراء خارجية الثمانية بباريس في مارس 2011 بحضور كل من المتمرّد محمود جبريلوالفيلسوف العرّاب برنار هنري ليفي لإقناع ساركزوي بالتدخل في ليبيــــــا و انتقدت أشكال تعامل الإدارات الأميركية السابقة مع الرئيس الليبي معمّر القذافي الذي وصفته بـ "الدكتاتور العصيّ" متحدثة عن ماضيه وزيارته للولايات المتحدة بمناسبة أشغال الدورة 64 للجمعية العامة الأمم المتحدة ومنعه من نصب خيمته بساحة نيويورك والخطاب التاريخي الذي ألقاه بها يوم 23 سبتمبر 2009... كما تحدثت عن الاجتماعات المطوّلة للنظر في إمكانية التدخل العسكري بليبيا التي انتهت برفض ذلك لـ "عدم وجود مصالح قومية أساسية على المحك في ليبيا " هناك... ولم تُخفِ تعاونها وتنسيقها مع جامعة الدول العربية بشأن ليبيا للإطاحة بالقذافي عقب ثورة 17 فيفري 2011... وخصّصت الفصل 17 للحديث عن "بنغازي تحت الهجوم" ومقتل السفير الأمريكي بليبيا جي كريستوفر ستيفنز وثلاثة من موظفي السفارة في 12 سبتمبر 2012 وتحولها إلى ليبيا واستقبالها من قبل المتمردين قرب الزنتان ثمّ لقائها بكل من جبريل ورئيس المجلس الانتقالي بليبيا، مصطفى عبد الجليل... وانتخابات 2012 وخلصت إلى محصّلة وهي " قدرة ليبيا على قهر إرادة كل الانتقاليّين مهما بلغ عزمهم "...

عموما ورغم ثراء مذكّرات هيلاري كلينتون ودقّة المعلومات الواردة بها والتي تمثّل مادة أولية للمؤرّخين والباحثين في شتى الاختصاصات كالعلوم السياسية والعلاقات الدبلوماسية... في الزمن الراهن وتضمّن الترجمة (شأن أغلب الترجمات اللبنانية) للكثير من الأخطاء على مستوى الصياغة واللغة والمصطلحات المستخدمة...، فإنّ القارئ يلمس بوضوح نرجسيّة صاحبتها واستعلائها أثناء الحديث عن الولايات المتحدة والأمّة الأمريكية، التي تبقى حسب وصفها الأولى والأقوى والأذكى "القوّة الذكيّة" في العالم. وهي لا تختلف في ذلك عن كلّ كتابات الساسة الأمريكان السابقين واللاحقين... وتأكيدا لذلك ما خطّته في المقدّمة من أنّها كتبته: " لأيّ شخص في أيّ مكان يسأل هل مازالت أمريكا تملك ما يؤهّلها للقيادة. بالنسبة إلى الجواب، هو 'نعم' مدويّة " .

كما يبقى القارئ على عطشه حول عديد القضايا والملفّات الشائكة التي لا يجد أجوبة مقنعة لها وتبريرا "لخياراتها الصعبة"، ما عدا خيارا وحيدا و هو الخيار الشخصيّ للكاتبة، البقاء في السباق نحو البيت الأبيض، إذ كانت مرشّحة الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسية الأمريكية سنة 2016، لكنّها للأسف خسرت هذا الرهان لصالح الرئيس الحالي دونالد ترامب،وهذا بدوره "شخصيّة إشكالية" جديرة بالدراسة في سياسته، الداخلية وخاصّة الخارجية منها !

ع.ب.ي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.