أخبار - 2020.09.11

مولدي الأحمر : فنجان قهوة مع المنصف المرزوقي...الصادق مع نفسه والواهم في السياسة

مولدي الأحمر : فنجان قهوة مع المنصف المرزوقي...الصادق مع نفسه والواهم في السياسة

بعد شهور قليلة من سقوط نظام بن علي، دُعيت إلى مؤتمر علمي في الدوحة، فوجئت خلاله بوجود جميع الوجوه السياسية التي عارضت بن علي قبل الثورة: إسلاميون وشيوعيون ونقابيون وقوميون..وكان من بينهم المنصف المرزوقي. في اليوم الثاني من المؤتمر، الذي خاضت أوراقه في جوانب مهمة من أحداث الثورة وأسبابها (نشرت أعماله لاحقا في كتاب)، قمت مبكرا كعادتي ونزلت لأتناول فطور الصباح في مطعم الفندق، ولم يكن وقتها فيه غيري والمنصف المرزوقي. جلسنا إلى نفس الطاولة وكانت تلك المرة الأولى في حياتي التي أقابله فيها. كان لطيفا لكنه كان يشعرك دوما بأنه متوتر، أو كمن يريد للزمن أن يتقدم بسرعة. حول فنجان القهوة دار بيننا الحوار التالي: قلت له أنت مثلي تكونت في مدرسة تونس الحديثة ودرست في فرنسا وفكرك كله علماني، وقد عبرت عن ترشحك للانتخابات ولك حزب تدعو له، لكنك أعلنت نفسك أيضا حليفا لحزب النهضة ذو المرجعية الدينية، فكيف تقنعني بأن أنخرط في حزبك أو على الأقل أن أصوت لك، والحال أنني أنا وأنت لا نقبل بأن تكون المرجعية العقائدية مبدأ في بناء الدولة الديمقراطية وفي ممارسة الحرية السياسية... بدأ الرجل يقدم تبريرات ظهر أنه هو في حد ذاته غير مقتنع بها بعدما لاحظ دهشتي من تناقضات خطابه... ثم وأمام إصراري على أن يقنعني بتماسك مقترحاته، فاجأني بشيء من العصبية ولكن بصدق وأيضا بعفوية بدت لي غير محسوبة، وهو الذي لا يعرفني - ربما استوثقني بفراسته: اسمع، اسمع...إنها مسألة وقت لا غير!!

بعد سنتين من ذلك أو أكثر استدعاني عدنان منصر إلى محاضرة يقدمها الرئيس المرزوقي في قصر قرطاج، حضرها عدد كبير من الجامعيين، وكانت محاضرة في غير محلها في المضمون، لأن المرزوقي نسي الهدف وقدم بإتقان درسا لطلبة الصف الأول من الجامعة. لكن المهم أنه خلال حفل الشاي الذي أعده على شرف الحضور التقينا وجها لوجه. كان بسيطا كعادته متواضعا وبشوشا، لم تحوله الدولة إلى صنم، ولم تحشوه الحاشية بذات مُتورمة، تكاد تجعله من جنس خاص، لا تلتفت إلا لمن يلهج باسمها في تبادل مغشوش لمخرجات الاعتراف المتبادل بالمكانة والمكان. في البداية غابت عنه صورتي في زحمة الخلق والسياسة، ثم استرجع الذاكرة. قلت له مازحا مازلت أتذكر فنجان القهوة في الدوحة! فضحك بصوت عال وقال في عفوية لا تصدق: "أوه! شوف توا كل حد فين! سبحان مُبدل الأحوال!"

في نهاية مدته الرئاسية جاءت مسألة الوقت التي اعتبرها حالة وقتية، وبدل الله الأحوال والوقت، وظهر أن الآية كانت مقلوبة...فمضى في حال سبيله مخذولا ولكن دون ضجيج... وبقي حلفاؤه. كان رجلا بسيطا وصادقا في ما كان يريده لتونس... وكان واهما في السياسة.

مولدي الأحمر
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.