محمد البدوي والانتصار للأدب الـتونسي
بقلم عامر بوعزّة - تحت عنوان «سرديات تونسية» أصدر الدكتور محمد البدوي كتابه الجديد عن دار ابن عربي للنشر التي يديرها بنفسه وأصدر بواسطتها عددا من العناوين الأدبية متنوعة الأغراض باللغتين العربية والفرنسية لكتاّب تونسيين من مختلف الأجيال. ويأتي هذا الكتاب ليضيف لمسيرة الكاتب حلقة أخرى من حلقات الاهتمام بالأدب التونسي وبالنقد عموما، وهو التخصّص الذي ارتآه لنفسه في الساحة الثقافية كاتبا ومنتجا إذاعيا وناقدا يقدّم إصدارات الشبان ومدرّسا جامعيا ثم ناشرا، دون أن نغفل الفترة التي ترأس فيها اتحاد الكتاب التونسيين من 2011 إلى 2014.
ويندرج هذا المؤلّف في سياق الدراسات النقدية، وهي قليلة مقارنة بأجناس أخرى في الكتابة تحظى بإقبال كبير لدى دور النشر على غرار التآليف الروائية، أو السير الذاتية والشهادات التاريخية. فيما تعاني الكتابة النقدية من العزوف والندرة، وإذ يقتحم الدكتور محمد البدوي هذا الطريق فإنّما ليوثق بعضا من مسيرة قطعها على مدة سنوات في الكتابة عن الأدب التونسي، فمحتويات هذا المؤلَف هي محاضرات ودراسات كتبها صاحبها في مناسبات مختلفة والقاسم المشترك بينها هو ترصّد الظاهرة السردية التونسية وتتبع خصائصها وبيان مميزاتها. ينقسم المتن النقدي في هذا المؤلف إلى قسمين: قسم يهتم بالقصة القصيرة وقسم يهتم بالرواية. في القصة القصيرة يغطي محمد البدوي باهتمامه النقدي مساحة واسعة تأخذه من مجموعة «نسور وضفادع» القصصية للطاهر قيقة الذي يعتبر أحد الروّاد البارزين في فنّ القصة القصيرة إلى رشيدة الشارني ومجموعتها «الحياة على حافة الدنيا» ونبيهة العيسي في مجموعتها «لو يتكلّم الصمت» وهما كاتبتان من جيل التسعينات.
أمّا في مجال الرواية فرحلة الناقد تمتدّ من محمود المسعدي والبشير خريف إلى يوسف عبد العاطي مرورا بمحجوب العياري وصلاح الدين بوجاه في مقاربة بانورامية تلقي الضوء على تموّجات التجربة الروائية التونسية وتضاريسها المميّزة من حيث هي تجربة تقوم على التنوٌع الأسلوبي والتجريب ما أفضى إلى تشكيل مدونة غنية متعددة المشارب ما تزال في حاجة إلى المزيد من الدراسات النقدية عنها، وهذا المؤلف يتصدى لمثل هذه المهمة.
يقول الكاتب في مقدّمة الكتاب: «إنّ هذا الانتصار للأدب العربي في تونس يهدف إلى إنصاف هذه الكتابات التي لم تأخذ حظّها كاملا من الانتشار عربيا نظرا لما يعيشه قطاع النشر والتوزيع من أزمة وحصار، وقد تكون العملية امتدادا لحركة أدبية سعت دوما إلى منافسة هيمنة المشرق على المغرب منذ عهود طويلة حين كانت بغداد وحواضر العراق تهيمن على باقي الأقاليم بما فيها إفريقية والأندلس. وهذه الحركة لا تعبر عن نزعة شوفينية وإقليمية مقيتة، ولا تهدف إلى إلغاء الآخر، وإنّما تريد أن تنافسه لتعضده حتى يصبح المشهد الأدبي كاملا يمتدّ من الماء إلى الماء، ويتجاوز حدود الجغرافيا ليصل إلى كل مكان يقول فيه الحرف العربي: إنّي هنا معكم».
لكنّنا إذا نظرنا إلى الكتاب في علاقته بتجربة محمد البدوي الثقافية منذ بداية السبعينات وحضوره الفاعل المستمر في النوادي الأدبية والملاحق الثقافية والبرامج الإذاعية والمقاهي نعتبره بمثابة التفاتة الحنين التي تتجمع فيها عصارة تجربته، فوظيفة الناقد التي اضطلع بها جعلته وهو يقيّم الراهن الثقافي يعبر عن موقف اكتئابي يمتعض من الحاضر، حيث أكّد في أحدث حوار صحفي أدلى به لجريدة الصباح أنّ وسائل الإعلام كان يمكن أن تقوم بدور رائد في جعل الثقافة تسهم في تكوين الرأي العام، لكن لم يعد ثمة مجال غير الفايسبوك حيث يختلط الحابل بالنابل. وفي هذا السياق يأتي إصدار الدكتور محمد البدوي هذا العمل وإشرافه على إصدار أعمال إبداعية ونقدية أخرى في دار ابن عربي بمثابة فعل المقاومة والسباحة ضدّ التيار..
ع.ب.ع
- اكتب تعليق
- تعليق