الاتّجار بالأشخاص في تونس: كــيـف نحــدّده؟ كيـف نـقـاومه؟ وأيّ مــــسـاعـدة للـضـحـايــا؟
بقلم حنان زبيس - احتفلت تونس باليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص يوم 30 جويلية الماضي، وهي وإن كانت حديثة العهد في هذ المجال باعتبار صدور القانون المتعلّق بمنع الاتّجار بالأشخاص ومكافحته في أوت 2016 وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الاتّجار بالأشخاص في فيفري 2017، فقد تمكّنت من تحقيق خطوات مهمّة في هذا المجال. ولكنّ الأخطار التي تتهدّد الأشخاص، خاصّة الموجودين في وضعيات هشّة مثل النساء والأطفال والمهاجرين غير النظاميين، لا تنفكّ تتزايد في ظلّ أوضاع عالمية غير مستقرّة تؤثّر في كلّ البلدان دون استثناء. أن تكون عاملة منزليّة قاصرة أو طفلا متسوّلا يتمّ استغلاله اقتصايا أو مهاجرة غير نظامية جاءت إلى تونس أملا في الحصول على شغل كريم وتحسين ظروف عيشها لتجد نفسها حبيسة منزل لا تخرج منه متعرّضة للمعاملة السيّئة أو فتاة تونسية تمّ إغراؤها بالعمل في دول الخليج لتجد نفسها تمارس الدعارة قسرا، كلّ تلك أشكال من الاتّجار بالأشخاص أو ما يعبّر عنه "بالعبودية الحديثة".
إلى حدود 2013، كان هناك اعتقاد سائد أنّ تونس بلد لا يتمّ فيه الاتّجار بالأشخاص، خاصّة وأنّه لم يكن هناك تعريف واضح لهذه الجريمة قانونيا، ناهيك عن غياب الوعي من قبل الرأي العام بها. ولكن مع إجراء دراسة أوّلية حول الاتّجار بالأشخاص في تونس قامت بها المنظمة الدولية للهجرة في إطار مشروع "شـار1"، بالاشتراك مع وزارة العدل التونسية وبدعم من وزارة الخارجية الأمريكية، تمّ الإعلان عن نتائجها في 21 جوان 2013، تبيّن أنّ تونس بلد انطلاق ووجهة وكذلك بلد عبور للاتّجار بالأشخاص.
• بلد انطلاق لأنّ الدراسة أثبتت استغلال ضحايا من النساء والفتيات التونسيات عبر شبكات مرتبطة بالاتّجار عبر الحدود من خلال إغرائهن بعقود عمل وهميّة واستغلالهنّ بعد ذلك جنسيا عن طريق إجبارهنّ على ممارسة البغاء قسرا. وتنشط هذه الشبكات في دول الخليج ولبنان وغرب إفريقيا وتركيا.
• بلد وجهة، حيث توجد أشكال للاتّجار الداخلي بالأشخاص من خلال استغلال الأطفال في الخدمة قسرا عبر ظاهرة التسوّل أو العبودية المنزلية بالنسبة إلى الفتيات القاصرات اللواتي يتمّ جلبهنّ من مناطق داخلية فقيرة واستغلالهنّ اقتصاديا وحتّى جنسيا، إلى جانب استغلال النساء لممارسة البغاء السرّي.
• بلد عبور، حيث تمرّ عبر تونس أعداد هامّة من المهاجرين غير النظاميين القادمين من جنوب الصحراء للالتحاق بأوروبا، ويتعرّض جزء مهم منهم إلى عمليات الاتّجار بالأشخاص.
انطلاقا من هذه النتائج، بدأ الوعي في تونس بضرورة سنّ تشريعات قانونية لمقاومة هذه الظاهرة، خاصّة وأنّها صادقت على جملة من الاتّفاقيات الدولية تصبّ في هذا المجال ومنها اتّفاقية الأمم المتّحدة عبر الوطنية لسنة 2000 والبروتوكول المكمّل لها المتعلّق بمنع وقمع ومعاقبة الاتّجار بالأشخاص وخاصّة النساء المعروف باسم "بروتوكول بالارمو". بالتالي، وتكريسا لما جاء في هذا البروتوكول من ضرورة تجريم الاتّجار بالأشخاص في التشريعات الوطنية بالنّسبة إلى البلدان المصادقة عليه، فقد تم في تونس إصدار القانون الأساسي عدد 61 لسنة 2016 المؤرّخ في 3 أوت 2016 المتعلّق بمنع الاتّجار بالأشخاص ومكافحته. وجاء فيه تعريف واضح لجريمة الاتّجار بالأشخاص طبق المعايير الدولية، إلى جانب تكريسه لمقاربة شاملة للتصدّي للظاهرة من خلال مقاومة كلّ أشكال الاستغلال للبشر، وخاصّة النساء والأطفال، والوقاية منها ومعاقبة مرتكبيها وحماية الضحايا وتقديم المساعدة لهم وتعزيز التنسيق الوطني والتعاون الدولي في هذا المجال.
بموجب هذا القانون، تمّ كذلك إحداث "الهيئة الوطنية لمكافحة الاتّجار بالأشخاص" في فيفري 2017 وهي هيئة مستقلّة تضمّ في مجلسها مجموعة من الوزارات المتدخّلة بشكل مباشر في مجال مقاومة الاتّجار بالأشخاص وتقديم الدعم والمساعدة للضحايا مثل وزارات الداخلية والعدل والمرأة والصحّة والشؤون الإجتماعية والتكوين والتشغيل، بالإضافة إلى ممثّلين عن المجتمع المدني.
وتسهر الهيئة على وضع استراتيجية وطنية للوقاية من الاتّجار بالأشخاص ومكافحته وتعزيز قدرات مختلف المتدخّلين في هذا المجال عبر توفير التكوين والتدريب لهم وإصدار المبادئ التوجيهية لتمكينهم من ترصّد عمليات الاتجار والإبلاغ عنها، هذا علاوة على جمع المعطيات والإحصائيات المتعلّقة بالاتّجار بالأشخاص وإصدار تقرير سنوّي في الغرض والتعاون مع المجتمع المدني والمنظّمات الدولية الناشطة في هذا المجال.
جريمة الاتّجار بالأشخاص، جريمة مركّبة
يُحسب للقانون عدد 61 المتعلّق بالاتّجار بالأشخاص تقديم تعريف واضح لهذه الجريمة، حيث جاء في الفصل الثاني: "يعدّ اتّجارا بالأشخاص استقطاب أو تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو تحويل وجهتهم أو ترحيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم باستعمال القوة أو السلاح أو التهديد بهما أو غير ذلك من أشكال الإكراه أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال حالة استضعاف أو استغلال نفوذ أو تسليم أو قبول مبالغ مالية أو مزايا أو عطايا أو وعود بعطايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر وذلك بقصد الاستغلال أيّا كانت صوّره سواء من طرف مرتكب تلك الأفعال أو بوضعه على ذمّة الغير لاستغلاله. ويشمل الاستغلال استغلال بغاء الغير أو دعارته أو غيرها من أشكال الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسرا أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرقّ أو الاستعباد أو التسوّل أو نزع الأعضاء أو الأنسجة أو الخلايا أو الأمشاج أو الأجنة أو جزء منها أو غيرها من أشكال الاستغلال الأخرى".
ويُفترض في جريمة الاتّجار بالأشخاص وجود ثلاثة أركان: وهي الفعل والوسيلة والغاية. ويُقصد بالفعل استقطاب الأشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو تجنيدهم أو تحويل وجهتهم أو ترحيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم. أمّا الوسيلة فهي استعمال القوّة أو السلاح أو التهديد بهما أو أيّ شكل من أشكال الإكراه أو الاستغلال أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال حالة الاستضعاف. في حين تتمثّل الغاية في الاستغلال الجنسي أو البغاء أو السخرة أو التسوّل أو الاسترقاق أو نزع الأعضاء. ويصف طه الشابي، قاضي باحث في مجال الاتّجار بالأشخاص، جريمة الاتّجار بالأشخاص، "بأنّها جريمة مركّبة وهي منبع كلّ الجرائم لأنّها تعاقب مجال استعباد الإنسان الذي اتّخذ أشكالا جديدة في القرن الحادي والعشرين تهدف إلى استغلال الطاقة البشريّة واسترقاق الأشخاص وخاصّة الأطفال والنساء. وهذا ما حدّده بروتوكول بلارمو لسنة 2000 والذي صادقت عليه تونس واستوحى منه قانون 61 لسنة 2016".
• خلاصة حالات الاتجار بالأشخاص المسجلة خلال سنة 2019 : التوزيع حسب نوع الاتجار والفئة العمرية
ويفسّر القاضي طه الشابي ظهور هذه الأنواع الجديدة من الاستعباد وانتشارها "بالإفرازات التي أنتجها العالم الجديد من تنامي الفقر والتفاوت الاقتصادي داخل الدولة الواحدة وبين الدول وانعدام الاستقرار السياسي وتفاقم النزاعات المسلحة وانتشار الفساد وارتفاع الطلب على اليد العاملة الرخيصة وازدهار السياحة الجنسية. كلّ هذه العوامل جعلت من نشاط الاتّجار بالأشخاص نشاطا مربحا وأصبح محور اهتمام المجموعات الإجرامية المنظمة التي استثمرت كذلك في تدفّقات الهجرة الدولية".
وتشمل أشكال الاتّجار بالأشخاص الاستغلال الاقتصادي للأطفال من خلال تشغيلهم في التسوّل أو كخادمات قاصرات في المنازل، وممارسة البغاء قسرا بالنّسبة إلى النّساء سواء داخل أو خارج تراب الوطن والاتّجار بالأعضاء والسخرة أو الخدمة قسرا بالنّسبة إلى الأجانب.
وعادة، فإن ما يميّز ضحايا الاتّجار بالأشخاص هو وجودهم في حالة استضعاف وهم أساسا الأطفال والنّساء وذوو الإعاقة، والمهاجرون غير الشرعيون واللاجئون والفارّون من بلدانهم، حيث يسهل استقطابهم واستغلالهم نظرا لأوضاعهم الهشّة.
وحسب التقرير السنوي للهيئة الوطنية لمكافحة الاتّجار بالأشخاص لسنة 2019، فقد بلغ عدد ضحايا الاتّجار بالأشخاص 1313 حالة، نصفهم تقرييا من الفتيات والنساء بنسبة 57٪ أي 748 حالة والنصف الآخر من الأطفال بنسبة 47 % أي 612 طفلا. كما أن نصف حالات الاتّجار بالأشخاص تتعلّق بأجانب، حيث يبلغ عددهم 631 شخصا أي ما يعادل 48.1٪ من مجموع الضحايا. أمّا فيما يخصّ أشكال الاتّجار التي تمّ رصدها، نجد أن الاستغلال الاقتصادي يمثّل أكثر من 83.6 % من مجموع الحالات، فيما يشكل التشغيل القسري حوالي نصف حالات الاتجار بالأشخاص بنسبة 51.3 %، ويمثّل الاستغلال الاقتصادي للأطفال في الأعمال الهامشية أو التسوّل 32.4 %.
غياب الوعي بجريمة الاتّجار بالأشخاص
وما يلفت الانتباه في تونس، هو غياب الوعي لدى الرأي العام ولدى الضحايا أنفسهم، في العديد من الأحيان، بمسألة الاتّجار بالأشخاص. فيما يخصّ مثلا قضيّة تسوّل الأطفال التي أثبتت إحصائيات الهيئة أن وراءها أساسا شبكات عائلية وليست إجرامية، حيث يتمّ تشغيل الطفل من قبل والديه أو أحد إخوته أو أبناء عمومته، فإنّ الفكرة السائدة عند الأسرة هي أنّه بذلك يساعد في مصاريف العائلة أو في تغطية تكاليفه المدرسية عندما يعود إلى مقاعد الدراسة بعد صيف يقضيه في التسوّل. ونفس الأمر تقريبا بالنسبة إلى الخادمات المنزليات القصر، إذ تعتبر الأسرة الفقيرة التي تعيش في مناطق داخلية ذات أوضاع اقتصادية هشّة، أن إرسال بناتها للعمل عند العائلات الثّرية في العاصمة أو في المناطق الساحلية، سيُمكّن من تأمين احتياجات العائلة، بحيث يُمثّل الأجر الذي تتلقّاه البنت، مصدر الرزق الوحيد للأسرة في أغلب الأحيان. بالتالي، يصعب إقناعها أنّ ما تقوم بها في حقّ الأطفال هو نوع من أنواع الاتّجار بالأشخاص. وينسحب الأمر على المجتمع برمته. " ليس غريبا أن يعترضنا كمواطنين في الشارع بشكل يومي، طفل يتسوّل أو يبيع المناديل الورقية عند تقاطع الطرقات أو آخر يبيع "المشموم" خلال فصل الصيف ولكنّ قلما ندرك أنّ تلك أشكال من الاستغلال الاقتصادي لفئات هشّة وبالتالي نوع من الاتّجار بالأشخاص" تُبيّن إيمان نعيجة، المكلّفة بمشروع الوقاية من الاتّجار بالأشخاص لدى المنظّمة الدولية للهجرة.
• توزيع ضحايا الاتجار بالأشخاص حسب الجنسية (معطيات: وزارة الداخلية)
لذلك وجب العمل على اتّجاهين، أولا تكثيف الحملات التوعوية لخلق وعي عامّ بمسألة الاتّجار بالأشخاص وآثارها الوخيمة على الضحايا وثانيا تنظيم دورات تدربيبة لمختلف المتدخلين في هذا الشأن من قضاة ومحامين ومندوبي حماية الطفولة وأعوان الضابطة العدلية ومجتمع مدني وصحفيين، لتوجيههم في مسألة التعاطي مع قضيّة الاتّجار بالأشخاص.
في هذا الإطار، تعمل الهيئة الوطنية لمكافحة الاتّجار بالأشخاص كما ينصّ عليه الفصل 48 من القانون الخاصّ بالاتّجار بالأشخاص على نشر الوعي الإجتماعي بمخاطر هذه الظاهرة، وذلك من خلال تنظيم العديد من الحملات التوعوية لفائدة المواطنين، بالشراكة مع الجمعيات المحلية والمنظّمات الدولية، وتكثيف الحضور في وسائل الإعلام للتعريف بمسألة الاتّجار بالأشخاص وكيفية الوقاية منها ومساعدة الضحايا. تقوم الهيئة أيضا في نفس الإطار بتنظيم دورات تدريبية بصفة دورية لفائدة الصحفيين لتحسيسهم بأهميّة تغطية القضايا المعلّقة بمجال استغلال البشر. كذلك تمّ اعتماد يوم 23 جانفي من كلّ سنة كعيد وطني لإحياء ذكرى إلغاء الرقّ والعبودية وهو يوافق ذكرى 23 جانفي 1846 تاريخ إصدار أوّل قانون يمنع العبودية في تونس وفي العالم الإسلامي. جاء ذلك بعد دعوة من الهيئة الوطنية لمكافحة الاتّجار بالأشخاص إلى الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي لإعلان هذا اليوم كعيد.
• توزيع ضحايا الاتجار بالأشخاص حسب نوع الاتجار والنوع الاجتماعي والجنسية (2019) (معطيات: وزارة الداخلية)
وآخر النشاطات التوعوية هي تنظيم الدورة الثالثة من حملة "القلب الأزرق" وهي حملة تحسيسية عالمية بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للاتّجار بالأشخاص يوم 30 جويلية. وقد نظمتها الهيئة مؤخرا من 26 إلى 28 جويلية، بالتعاون مع شركائها من المنظمات الدولية مثل مجلس أوروبا والمنظّمة الدولية للهجرة. وتمّ خلالها القيام بحملات تحسيسية لفائدة المواطنين في معتمدية فرنانة من ولاية جندوبة وولاية صفاقس وولاية أريانة ومنطقة البحر الأزرق في المرسى من ولاية تونس. وعلاوة على تنمية الوعي الاجتماعي، تعمل الهيئة الوطنية لمكافحة الاتّجار بالأشخاص على تعزيز قدرات المتدخّلين في مقاومة الاتّجار بالأشخاص لضمان حسن تطبيق القانون عدد 61 لسنة 2016 وتقديم المساعدة اللازمة للضحايا. لذلك فقد عمدت منذ تأسيسها إلى تنظيم دورات تدريبية مستمرّة بدعم من المنظّمات الدولية لفائدة قوّات الأمن الداخلي والقضاة والمحامين والصحفيين ومندوبي حماية الطفولة ومتفقّدي الشغل وإطارات وزارات الصحّة والمرأة والشؤون الاجتماعية والشؤون الدينية والتكوين والتشغيل. والهدف الأساسي من هذه الدورات التدريبية هو تكوين أشخاص يكونون مرجعا في كلّ مهنة حتّى يكونوا قدوة لزملائهم على مستوى فهم وتطبيق القانون ومساعدة الضحايا. فتمّ مثلا تكوين "قضاة مرجع" في كلّ الولايات "ومحام مرجع" و"صحفيين مرجع" إلخ.
مساندة الضحايا والتعهّد بهم
تحتلّ مسألة مساندة الضحايا جزءا كبيرا من عمل الهيئة وشركائها من منظّمات محلية وأجنبية، حيث يفترض ذلك بذل جهود على العديد من المستويات. لابدّ أوّلا من توفير المساعدة الطبيّة للضحيّة في حالة كانت في وضعيّة خطرة تستوجب التدخّل السريع لإسعافها أو إنقاذ حياتها، عند تعرّضها مثلا للاستغلال الجنسي أو للاغتصاب أو إلى العنف الجسدي. من الضروري أيضا توفير المساعدة النفسية للضحايا الذين يتعرّضون عادة للعنف المعنوي والإهانة والسبّ والشتم وسوء المعاملة، ممّا يخلّف لديهم آثارا نفسية عميقة لابدّ من معالجتها. هناك أيضا المساعدة الاجتماعية للضحايا عبر توفير أماكن لإقامتهم من خلال إيوائهم بمؤسّسات الرعاية الإجتماعية والتنسيق مع الجمعيات التي تمتلك مراكز للإيواء وكذلك مع مندوبي حماية الطفولة في حال كان الضحايا من الأطفال للتعهّد بهم. ويتمتّع ضحايا الاتّجار بالأشخاص كذلك بالمساعدة القانونية لرفع قضايا ضدّ من قاموا باستـغــــــلالهم واسترجــــاع حقوقهـــــم والحصول على التعــــويض.
وتشمل هذه الأشكال من المساعدة ضحايا الاتٰجار الأشخاص، سواء كانوا من التونسيين أو من الأجانب الموجودين على التراب التونسي. فللضحايا من المهاجرين غير النظامين الذين يقعون فريسة للاستغلال الاقتصادي، نفس الحقوق في الدعم والرعاية، خاصّة وأنّه يتمّ إجبارهم على السخرة والعمل قسرا سواء في أعمال الفلاحة أو البناء أو كعاملات منزليات يتمّ سلبهن جوازات سفرهنّ وتشغيلهن لساعات طويلة دون أي قدرة على الاتصال بالعالم الخارجي أو طلب المساعدة. في هذا الإطار، يمكّنهم القانون من التمتّع بكلّ أشكال المساعدة من طبيّة ونفسيّة واجتماعية وقانونية، بالإضافة إلى الحقّ في الإعفاء من خطايا تجاوز الإقامة القانونية والحقّ في الحصول على الإقامة الوقتية إذا ما رغبت الضحيّة في متابعة المسار القضائي لقضيتها وكذلك الحقّ في العودة الطوعية إلى بلدها.
وينسحب أيضا توفير آليات الحماية والمساعدة على الضحايا التونسيين الموجودين في الخارج مثل البنات والنساء التونسيين الذين يتمّ استجلابهم إلى بلدان عربية بعقود عمل وهمية ليتمّ بعد ذلك سلبهن جوازاتهن وتشغيلهن في البغاء القسري. وقد ساعدت الهيئة الوطنية لمكافحة الاتّجار بالإشخاص سنة 2019، 45 فتاة تعرضن للاستغلال الجنسي والاقتصادي وأشكال أخرى من الاتّجار بالأشخاص في المملكة العربية السعودية، حيث تمّت إعادة إدماجهن من جديد في المجتمع عبر توفير التكوين والتدريب وتقديم قروض صغيرة لهنّ لبعث مشاريع.
ويتمّ إشعار الهيئة بوجود ضحايا اتّجار بالأشخاص إمّا من قبل الهياكل العمومية أو من قبل المواطنين أو من قبل المنظمات الدولية أو من خلال اتصال الضحيّة مباشرة بها، إمّا عبر الرقم الأخضر المتوفّر أو عبر زيارة مقرها. وانطلاقا من إشعارها، تتعهد الهيئة بالتنسيق مع مختلف المتدخّلين بالتعهّد بالضحايا ومتابعة وضعياتهم في جميع المراحل، من التعرّف على الضحيّة إلى إعادة إدماجها. وقد نصّ الفصل 46 من قانون 61 لسنة 2016 على إجبارية إشعار الهيئة بحالات الاتّجار. وقد تلقت الهيئة 723 إشعارا في سنة 2020 مقابل 413 إشعارا في 2018.
ويبقى ملف الاتّجار بالأشخاص ملفّا متشعبا لأنّ أشكال هذه الجريمة متعدّدة ومتجدّدة. وتحتاج إلى آليات صارمة للحدّ منها وإلى وعي أكبر من قبل الرأي العام للإبلاغ عن حالات الاتّجار ومساعدة الضحايا. كما أنّ التحوّلات العالمية وتزايد تدفّق موجات الهجرة غير النظامية على تونس يهدّد أيضا بتفاقم هذه الظاهرة في المستقبل.
ح.ز.
- اكتب تعليق
- تعليق