محمد إبراهيم الحصايري: الحَـــذَرَ...الحَـذَرَ فالمـاردُ التـركــيّ يـتمـدّدُ!
بقلم محمد إبراهيم الحصايري - «في البحر أو البرّ أو حتّى في (الوطن الأزرق)، في أّيّ مكان لنا عليه سيادة، نقوم بكلّ ما علينا من واجبات، لنا مع المنطقة تاريخ مشترك يمتدّ لـخمسمائة سنة، أجدادنا انسحبوا من المنطقة، لكنّنا سنقوم بكل ما يجب علينا أن نقوم به من أجل العدالة والحق وفي إطار القانون الدولي، وسنبقى هنا إلى الأبد مع إخواننا الليبيين».
هذا ما قاله وزير الدفاع التركي خلوصي أكار خلال لقائه مع الجنود الأتراك على متن سفينة “TCG Giresun” الحربية الراسية قبالة السواحل الليبية، بمناسبة الزيارة التي قام بها رفقة رئيس أركان الجيش يشار غولر إلى ليبيا يوم الثالث من شهر جويلية الماضي من أجل تعزيز التعاون العسكري والأمني مع حكومة الوفاق الوطني الليبي...
وهذا الكلام، وإن لم يهتمّ أحد عندنا بقراءة أبعاده وتحليل مدلولاته، كلام في غاية الخطورة، لأنّه يؤكد أنّ "المارد التركي" تجاوز مرحلة التلميح إلى مرحلة التصريح بنواياه في ليبيا وحولها، في الحال والاستقبال.
إنّ حديثه عن التاريخ المشترك الذي يمتدّ خمسمائة سنة، وعن انسحاب الأجداد وعودة الأحفاد، وعن البقاء إلى الأبد إلى جانب الأشقاء، أمر ينطبقُ على ليبيا وَيُطَبَّقُ فيها بالفعل، فهو حقيقة ماثلة للعيان، غير أنّه ينطبق أيضا على بقيّة بلدان المنطقة التي ارتبطت بالخلافة العثمانية مثل ليبيا، وقد يُطَبَّقُ فيها، إذا توفّرت أو تمّ توفير الظروف الفوضويّة الملائمة لتطبيقه، مثلما حصل في ليبيا.
وغنيّ عن البيان أنّ بلادنا معنية بهذا الحديث، ولا بدّ أن توليه ما ينبغي من الاهتمام، وأن تتابع عن كثب وبكلّ يقظة خطاب "المارد التركي" وخاصّة تحركاته المحمومة في ليبيا وحولها من أجل تحقيق أهدافه في المنطقة...
وفي هذا السياق لا بدّ من إبداء الملاحظات التالية:
• أنّ عبارة "البقاء إلى الأبد مع الأشقّاء في ليبيا" تحمل في طيّاتها رسالة صادمة مفادها أنّ ليبيا في طريقها إلى الوقوع تحت نوع جديد مُزْمن من "الاحتلال" أو من "الحماية"، أو في أحسن الحالات "الإلحاق" بـ"الباب العالي" الذي يحاول "السلطان" رجب طيب أردوغان، إعادة فتحه بمفتاح عُثْمَانِيَّتِه الجديدة، كما أعاد، منذ أيام، فتح جامع آيا صوفيا.
• أنّ الأنباء التي راجت عن مجريات زيارة خلوصي أكار إلى ليبيا ومخرجاتها تشير إلى أنّ الزيارة جاءت من أجل تعزيز الحضور العسكري التركي واستقراره في الأراضي والمياه الليبية من خلال تمكين الجيش التركي من إقامة قاعدتين عسكريّتين إحداهمــا في البرّ (الوطــــــية) والثانــــية في البحــــر (مصراطة).
• أنٌ ما جرى ويجري مع ليبيا هو جزء لا يتجزّأ من سعي تركيا إلى تحقيق حلمها وتنفيذ خطتها المتعلّقة بما يسمّى "الوطن الأزرق (MaviVatan) الذي سيمكّنها من التوسّع في المياه البحرية المحيطة بها، بمساحة تعادل نصف مساحتها البرية (783562 كلم مربع).
ولعلّ هذا يفسّر جانبا من الجلبة التي أثارها اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي أبرمته تركيا مع حكومة الوفاق الليبية، في 27 نوفمبر 2019.
وقد كانت القوات التركية نفّذت في ماي 2019 مناورات بحرية هي الأكبر في تاريخ تركيا، تحت اسم "ذئب البحر 2019" بشكل متزامن في مياه البحر الأسود وبحر إيجه وشرق البحر المتوسط، بمشاركة 131 سفينة بحرية، و57 طائرة حربية، و33 مروحية.
• أنّ تركيا حسب ما تجمع عليه مختلف المصادر قامت بنقل وحشد آلاف المرتزقة المتطرفين في ليبيا.
وقياسا على ما قامت به في سوريا، فإنّه يُخْشَى أن تستخدم مرتزقتها بنفس الأسلوب ولنفس الغايات أي لتكريس حالة عدم الاستقرار في ليبيا وإحلال الفوضى والاضطراب في محيطها.
• أنّ ما تقوم به تركيا في ليبيا وما قامت به في سوريا قبل ذلك، صادران عن خليط "متفجّر" من تطلّعاتها القومية وطموحات رئيسها الشخصية التي تلتقي وتتفاعل مع غايات "الإسلام السياسي"وأهدافه، وهو ما يضفي عليهما خطورة كبرى بالنظر إلى الدور الذي يمكن ان تلعبه الجماعات الإسلامية المتعاطفة مع الرئيس رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية في شتّى أنحاء العالم، وخاصّة في البلدان المستهدفة، من أدوار لفائدة تركيا وضد مصلحة أوطانها...
• أنّ تركيا قامت في 21 جويلية 2020 بتوقيع اتفاقية عسكرية مع دولة النيجر، إحدى الدول المجاورة لليبيا في منطقة الساحل الإفريقي.
ويؤكّد هذا التوقيع على أنّ تركيا تخطط وتعمل على تثبيت أقدامها في الجوار الأفريقي الليبي، إذ أنّها بموجب هذه الاتفاقية تعدّ العدّة لإقامة قاعدة عسكرية تركية في النيجر...
• أنّ تحرّكات تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي في ليبيا، حظيت بدعم صريح من الحلف، ومن الولايات المتحدة الأمريكية رغم اعتراضات دول مثل فرنسا واليونان على هذا الدعم الذي يؤكّد الخبراء بالشؤون الأطلسية والأمريكية أنّه ما كان ليكون لولا التــــزام تركيا بمقتضيات "الوكالة" التي تفــــرض عليها، مع تحقيق مصــــالحها الــــذاتية، مراعاة أهداف الحلـــف وواشنطن، والعمــــل على تنفيذ استراتيجيتهما في المنطقة.
وما عودة برنار هنري ليفي غير الحميدة إلى الظهور مؤخرّا على الساحة الليبية وبالذات في مصراطة إلا تأكيد لهذا التوافق التركي الأمريكي الأطلسي...
ولعلّ هذا التوافق هو الذي جعل وزير الدفاع التركي خلوصي أكار يؤكّد في حديثه إلى الجنود الاتراك أنّ "على الجميع أن يفهم أنّه لن يكون هناك أي حلّ في المنطقة يستثني أو يستبعد تركيا" وأنّه لا ينبغي لأحد أن "يشكّ في موقفنا هذا أو أن يعتقد أننا سنتراجع عنه"…
وحريّ بنا أمام هذا الخطاب السّاطع سطوع الشمس في يوم صيفي قائظ، أن نعجّل بالخروج من حالة عدم الوعي بالواقع، وعدم المبالاة بالوقائع، هذه الحالة التي باتت تهيمن على سلوكنا في غمرة ما نعيشه من صراعات صاخبة صريحة، وصامتة خفية تكاد لا تتوقف، بين كافة الأطراف، وعلى كافة المستويات، وفي كافة الساحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
م.ا.ح
- اكتب تعليق
- تعليق