هيــلاري كلنتون والثـورة التونسية
تناقلت وسائل الاتصال الاجتماعي في الآونة الأخيرة تدوينة تتضمّن أقوالا منسوبة لهيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة في عهد الرئيس باراك أوباما ومرشّحة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأخيرةً بشأن "الدّور الأمريكي ليلة 14 جانفي 2011 " زعم أصحابها أنّهم استقوها من مذكّرات الوزيرة، الصادرة في جوان 2014 باللغة الأنجليزية وعنوانها " Hard Choices" والتي ترجمت إلى العربية ونشرتها في سنة 2015 دار شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ببيروت، تحت عنوان "خيارات صعبة".
وقد جاء في التدوينة بالخصوص ما يلي : "أمرنا من خلال سفارتنا في تونس ليلة 14 جانفي بغلق المجال الجوي التونسي وتحريك قوات المارينز الأمريكية المتمركزة في صقلية نحو تونس في حالة عدم رضوخ الرئيس زين العابدين بن علي للواقع ورفضه مغادرة السلطة ثمّ اتصلت بالمتعاونين معنا في تونس (لم تفصح الوزيرة عن هوياتهم حيث استعملت عبارة collaborateurs)... وطمأنتهم بأنّهم ليسوا مستهدفين وأصدرت لهم تعليماتي بأن يقدّموا للرأي العام ما حدث على أنّه ثورة! وقدّمت شخصيا السند والمساعدة لعلي السرياطي مدير الأمن الرئاسي ورشيد عمار قائد الأركان وفؤاد المبزع رئيس البرلمان... أنا أشرفت بنفسي على تسيير العملية واتصلت بوزير الدفاع رضا قريرة للتنسيق معه في كلّ خطوة نخطوها. وأهمّ التعليمات أصدرتها لعلي السرياطي بكلّ شدة والذي قلت له :" لا تتدخّل حتّى نتمّم المهمّة و طلبت منه أن يبلغ الرئيس بن علي أنّ الولايات المتحدة ستغلق المجال الجوي التونسي مع حلفاء أوروبيين إذا ما تعنّت ورفض مغادرة السلطة (والبلاد). ولا أدري هل تمّ إبلاغ بن علي برسالتي؟
الذي أعرفه أنّ فؤاد المبزع أسرع بجمع أغراضه من مكتبه والتجأ إلى بيته وأتذكّر أنّنا راقبنا سفير ليبيا في تونس الذي سارع بالإبراق إلى العقيد القذافي ليضعه في الصورة وينقل له ما لديه من معلومات وكان جواب القذافي الفوري هو التالي: "أبلغ الرئيس بن علي أنّه في حالة اختياره رفض مغادرة الحكم وإجهاض المخطط الأمريكي الرامي أوّلا إلى تمكين الإسلاميين من السلطة فإنّه سيجدني جاهزا للتدخّل العسكري السريع لأنّني أدرك أنّ الإدارة الأمريكية من خلال فوضى تونس فهي تستهدفني أنا وليبيا"!!
وبالرجوع إلى الكتاب في نسختيه الأصلية والعربية تبيّن أنّ هذه الأقوال لم ترد فيه البتّة وإنّما هي من محض خيال البعض.
وكلّ ما في الأمر أنّ كلينتون تحدّثت عن تونس قائلة:"لقد أثبتت الاحتجاجات في تونس أنّها معدية" إذ انتقلت العدوى الثورية إلى مصر وسائر البلاد العربية. وتوقّفت عند اندلاع شرارة الانتفاضة في سيدي بوزيد في 17 ديسمبر 2010 عندما أحرق البوعزيزي نفسه وإفراط بن علي في استخدام العنف... كما ذكّرت بحكمه الدكتاتوريّ وغياب الديمقراطية... لكنّها لم تخطّ ولو كلمة واحدةً عن دور الولايات المتحدة عبر سفيرها بتونس في فرار بن علي مساء يوم 14 جانفي 2011 إلى السعودية ودور بعض المسؤولين السامين في الجيش والأمن في ذلك...
وتحدّثت عن زيارتها الأولى لتونس كوزيرة خارجية في 17 مارس 2011 ثم زيارتها الثانية لها في فيفري 2012 وتطرّقت كذلك إلى وصول النهضة "الحزب الإسلامي المعتدل إلى السلطة" وإلى قيام نظام حكم تعدّدي في تونس.
كما تحدّثت عن المحاضرة التي ألقتها بقصر النجمة الزهراء بسيدي بوسعيد يوم 25 فيفري أمام 200 من الشباب والتي خلصت خلالها إلى "ضرورة توصّل الثورة التونسية إلى ثلاثة نتائج وهي: مجتمع مدنيّ قويّ واقتصاد يعمل بشكل جيّد وحكومة غير فاسدة". لكنّها لم تتعرّض لزيارتها الثالثة للمشاركة في الدورة التاسعة للمنتدى من أجل المستقبل التي نظّمتها وزارتا الخارجية التونسية والأمريكية وحضرها وزراء خارجية بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى جانب نظرائهم فى دول مجموعة الثمانية وممثّلون عن المجتمع المدنى والقطاع الخاصّ. كما أنّها لم تذكر لقاءها برئيس حكومة الترويكا حمادي الجبالي وعدد من كبار المسؤولين في تونس.
وستقدّم مجلة ليدرز العربية في عددها القادم هذا الكتاب الذي يقع في 637 صفحة من الحجم المتوسّط.
- اكتب تعليق
- تعليق