الصحبي الوهايبي: الحَـجَـر
بقلم الصحبي الوهايبي - للّناس مع الحجر تاريخ طويل، فأصْل النّاس طين، وأصْل الطّين حجر. يولَد المرء وفي قبضته حجر، ويموت وفي قبضته حجر، ويُبعث وفي قبضته حَجَر... والتّعذيب بالحجارة ليس سبْقا أو ابتكارا جديدا، فقد عذّب الله قوم لوط بأن أمطرهم بحجارة من سجّيل، كما جاء في الذّكر الحكيم: «فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ»(83 هود)...ويبدو أنّ التّعذيب بالحجارة كان فعلا رائجا عند العرب؛ فقد كانت قريش تقول على سبيل التّحدّي والسّخريّة: «اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ» (الأنفال: 32)... وقال عزّ وجلّ: «فاتّقوا النّار التي وقودها النّاس والحجارة» (البقرة 24)؛ كأنّ قَدَرَ النّاس أن يسكنوا إلى الحجارة، وتسكن إليهم، في دنياهم وآخرتهم. وليس كلّ الحجر نقمة وعذابا، فقد كان أحيانا كثيرة نعمة وبركة، على قوله تعالى: «وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ» (البقرة: 60)... وقال عزّ وجلّ: «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَــاءُ وَإِنَّ مِنْـهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» (البقرة 74)...
ولا ندري كيف غفلت شرطة مكافحة الشّغب عن الحجارة سلاحا تلجم به المتظاهرين وتردّ غضب المحتجّين، فهي متوفّرة في كلّ مكان وزمان، لا تكلّف خزينة الدّولة مالا، صالحة للاستعمال مرارا وتكرارا، لا تفنى ولا تبلى، على عكس قذائف الرّشّ والقنابل المسيّلة للدّموع، التي لا تصلح إلاّ لمرّة واحدة، وغير قابلة للشّحن والتّعمير، شأنها شأن عود الكبريت لا يقدح إلاّ مرّة واحدة... رجل يحاول أن يوقد نارا في يوم بارد قرّ؛ ولكنّ أعواد الثّقاب مسّها البلل فلا تقدح؛ عودٌ، عودان، ثلاثة... عشرة؛ حتّى قدح العود العاشر، فبادر، فنفخ عليه يطفئه: «هذا صالح للاستعمال، سأحتفظ به!» كثير من أهل السّياسة يشبهون العود العاشر...
***
رجلان يضربان في الصّحراء، حتّى استبدّ بهما العطش، فقال أحدهما لصاحبه: «ضَعْ تحت لسانك حصاة، أو خُذْ حجرا تلعقه فيذهب بعض من عطشك؛ فنظر الصّاحب حوله وقال: «يا خسارة! فكرة جيّدة، ولكنّي لا أجد حجرا؛ ليس هناك إلاّ الرّمل!»؛ ومضى الرّجلان يجاهدان ظَمَأَهما، حتّى لاح لهما نهر يشقّ الصّحراء ويفيض بالماء زلالا، فركضا إليه وهما يقولان بصوت واحد: «لا بدّ أنّ في قاع النّهر حجرا نلعقه!»...
***
أثناء الحجّ، وعند رمي الجمرات، وقف أحدهم وقد غطّى وجهه، بالكاد تظهر عيناه من تحت لثامه؛ فقال له صاحبه: «مالك ترجم إبليس وأنت ملثّم؟» فردّ: «وما فائدة العداوة الظّاهرة؟ لعلّي أحتاجه في قادم الأيّام»...
***
رجل هدّه التّعب فجلس على حجر يستريح؛ فقرأ منقوشا عليه: «اقلب الحجر، فتحته كنز لا يُقدّر بثمن»؛ فقفز كالملسوع وظلّ يجاهده حتّى غلبه فقلَبَه، فلم يجد تحته شيئا، وقرأ مكتوبا على قاعه: «أعد الحجر كما كان، حتّى يأتيَ مغفّل طمّاعٌ غيرك»... اقلبوا الحجر، ووداعا، وإلى أن تحين الانتخابات القادمة، إنْ قُدّر لها أن تحين...
***
قال الفتى لخطيبته: «لا أحبّ أن أصعد إلى الطّابق الخامس، فانزلي عندما أزمّر»؛ فزغردت وقالت: «يا فرحتي! مباركة السّيّارة يا حبيبي!». فقاطعها: «من أين لي أن أشتريَ سيّارة؟ اشتريت زمّارة»؛ فأصيخوا السّمع وأنصتوا إلى زّمّارة الحكومة إلى أن تأتيَ السّيّارة.
الصحبي الوهايبي
- اكتب تعليق
- تعليق