محمد إبراهيم الحصايري- نذير الشؤم في ليبيا: هل حانت ساعة المواجهة الكبرى؟
بقلم: محمد إبراهيم الحصايري - يوم السّبت 25جويلية2020، حلّ برنار هنري ليفي Bernard-Henri Lévy بمدينة مصراتة في زيارة مفاجئة أثارت جدلا واسعا داخل ليبيا، لاسيما وأنّ رئاسة حكومة الوفاق الوطني تبرّأت منها وأكّدت أن "لا علاقة لها بها"، وأعلنت أنّها أمرت "بالتّحقيق في خلفيتها لمعرفة كافة الحقائق والتفاصيل المحيطة بها"، وهدّدت بـاتّخاذ الإجراءات القانونية الرادعة بحق كل من يُدان بالتورّط، مشاركا أو متواطئا، في هذا الفعل الذي اعتبرته خروجا عن الشرعية وقوانين الدولة.
ومما أجّج هذا الجدل أنّ وزير الداخلية في نفس الحكومة أعلن في رده على منتقدي الزيارة، وعلى رأسهم رئيسها فائز السراج ورئيس مجلس الدولة خالد المشري، أن "حرية الصحافة والإعلام واحد من أعمدة الدولة المدنية الديمقراطية، وحق الاعتراض على أي زيارة مكفول للجميع، ولا وصاية على الرأي العام، رغم استغلال بعض الأطراف للأحداث بغرض تصفية حسابات سياسية ضيقة".
وإلى ذلك فإنّ الزيارة أثارت الكثير من نقاط الاستفهام حول مغزاها خاصة وأنّ برنار هنري ليفي نزل في مصراتة التي كانت منحته حق المواطنة سنة 2011، والتي تراودها تطلعات انفصالية، ومنها تحرّك، على وجه الخصوص، إلى طرهونة التي استرجعت حديثا من قوات الجيش الوطني الليبي والتي شكلت المحطة الأهم في برنامج الزيارة.
وبقطع النظر عن جملة هذه الملابسات الداخلية التي اكتنفت الزيارة، فإنّ السبب الأهم الكامن وراء الجدل الذي أثارته يتمثل بالأساس في شخصية برنار هنري ليفي الماكرة وفي سيرته المُخَاتِلة، عبر العقود الخمسة الأخيرة من تاريخ المنطقتين العربية والإسلامية بالذات.
فهذا الرجل الذي يوصف في الغرب بأنه كاتب وصحافي ومفكر وفيلسوف وناشط سياسي ينحدر من أسرة يهودية غنية كانت تعيش في الجزائر قبل أن تنتقل إلى فرنسا بعد ميلاده سنة 1946، وقد عرف بتعصّبه الشديد لإسرائيل حتى إن البعض رشحه لرئاستها، وحمل منذ سنوات شبابه أي منذ سبعينات القرن العشرين لواء الدعوة إلى التدخل في دول العالم الثالث وتبريره والتحريض عليه، وقد عمل على تطبيق دعوته من خلال الأدوار المشبوهة التي لعبها في العديد من النزاعات التي عرفتها البلدان العربية والإسلامية، والتي دشنها منذ سنة 1971، حين سافر، كمراسل حربي، إلى بنغلادش خلال حرب انفصالها عن باكستان...
وقد أردف هذا الدور بالدور الذي لعبه في التسعينات من القرن الماضي في حرب البوسنة والهرسك إذ كان من كبار الداعين إلى تدخل حلف شمال الأطلسي في يوغسلافيا السابقة، ثم خلال العشرية الأولي من القرن الحادي والعشرين بالدور الذي لعبه في انفصال الجنوب عن السودان وفي تأجيج الوضع في إقليم دارفور، وذلك بالإضافة إلى الدور الذي حاول أن يلعبه في جوان سنة 2009 في دعم الاحتجاجات على الانتخابات الرئاسية في إيران...
على أنّ أكبر أدواره كان إبّان اندلاع ثورات ما سمي بالربيع العربي حتى إنّه سمّي بعرّاب هذا الربيع الذي انقلب، مع الأسف، إلى صيف قائظ حارق حسّا ومعنى، فلقد تنقل في أغلب الدول العربية التي هبت عليها رياح الثورة وخاصة إلى ليبيا التي حرض الرئيس نيكولا ساركوزي على التدخل فيها...
لكل ذلك، اقترن اسمه بالكوارث والمآسي التي حلت بالعديد من بلدان "الربيع العربي" كليبيا وسوريا واليمن، وبات في عيون العرب والمسلمين بمثابة نذير الشؤم الذي يؤذن بحلول الدمار والخراب في كل مكان يحل به...
وعلى هذا الأساس فإنّه ليس من المستغرب أن تثير زيارته إلى مصراتة المخاوف لأنّها تأتي في وقت تشعّب فيه الوضع في ليبيا وتعقّد حتى بات على أبواب مواجهة كبرى لا شك أنها ستكون وخيمة العواقب على الشعب الليبي وعلى شعوب المنطقة كلها...
إن مجيئه على متن طائرة خاصة في هذا الوقت بالذات لا يمكن أن يكون لمجرد إعداد تقرير صحفي لـ"وال ستريت جورنال" كما يزعم، وإنما هو، كما يرى العديد من الملاحظين، لاستكمال الاستعداد لهذه المواجهة الكبرى التي يخشى الليبيون أن تؤدي إلى تفكيك أوصال بلادهم وتقطيعها لا إلى ثلاثة أقاليم فقط وإنما إلى أربعة إذ بات الحديث يجري، من هنا فصاعدا، لا عن أقاليم طرابلس وبرقة وفزان وحدها وإنما أيضا عن إقليم مصراتة التي يبدو أنّ البعض يحلمون بــــ"استقلالها"، ولا يرون مانعا من الاستعانة في تحقيق هذا حلمهم بنذير الشؤم برنار هنري ليفي...
محمد إبراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق