الصحبي الوهايبي: القطط تمــوء ولا تــنـبـح
بقلم الصحبي الوهايبي - استوى ركّاب الطّائرة في مقاعدهم في انتظار أن تُقلع، ولم يطل انتظارهم كثيرا فقد صعد طيّاران اثنان في زيّهما الأنيق وبنظّارتين سوداوين، واحد يقوده كلب قصير بلا ذيل، تتدلّى أذناه وتكنسان الممرّ وينطّ بسيقان ثلاث، والآخر يتحسّس طريقه بعكّاز أبيض، ثمّ أوصدا خلفهما باب قمرة القيادة. بعض الرّكّاب تبادلوا الهمسات والضّحكات، وبعضهم تبادلوا النّظرات بشيء من الحيرة والخوف المكبوت... لحظات بعدها، بدأت المحرّكات تدور وانطلقت الطّائرة على المدرج تطويه طيّا ولم تقلع، وارتفعت سرعتها ولم تقلع، ونظر الرّكّاب في هلع إلى البحيرة في آخر المسلك. يا إلهي سنسقط في البحيرة ونهلك غرقا! ثم استجمعوا شجاعتهم أو خوفهم وصرخوا بصوت واحد علا على أصوات المحرّكات: «يا إلهي سنغرق!»؛ في تلك اللّحظة تماما بدأت الطّائرة ترتفع في الجوّ في رفق كأنّها ريشة عصفور تدفعها نسمة عليلة، وحلّقت فوق البحيرة ومضت في السّماء بعيدا... الآن استرجع الرّكّاب سكينتهم واستوت قلوبهم المتعبة في صدورهم وتبادلوا الضّحكات والدّردشات:» كم كنّا خوّافين وأغبياء وكم جزعنا لهذه المزحة الطّريفة!» ثمّ انغمسوا في شؤونهم صغيرِها وكبيرِها ونسوا الحادث. وفي القمرة، مدّ القبطان يده يتحسّس لوحة القيادة ثمّ شغّل الطّيّارَ الآليَّ وقال لمساعده: «هل تعرف ما يقلقني في مثل هذه الرّحلات؟»، قال: «لا، أيّها القبطان». قال: «ما يخيفني حقّا ألاّ يصرخ الرّكّاب في الوقت المناسب. تصوّرْ لو تأخّروا في الصّراخ، كنّا متنا جميعا!»... لذلك كلّه، قَدَرُنا نحن أن نصرخ طول الوقت كي لا تأخذنا حكومتنا إلى البحيرة في آخر المدرج... يا رب! صوتنا بحّ، والحكومة ثُقل منها السّمع...
***
وقف رجل يقلّب ببّغاء، فقال لــه البـــــائع يغريـــه: «هذا ببّغاء تحفة؛ إنّه يتكلّم لغتين اثنتين، العربيّة والفرنسيّة»؛ فقال الرّجل متعجّبا: «أها، أها! وكيف أختار اللّغة؟»؛ فردّ البائع: «بسيطة؛ في كلّ ساق خيط، فإذا شددت الخيط اليمين، تكلّمَ عربيّة قحّة؛ وإذا شددت الخيط الشّمال، تكلّمَ بلغة موليير»؛ فقال الرّجل: «وإذا شددتُ الخيطين معا؟»؛ فصاح الببّغاء: «أيّها الغبيّ! تتكسّر خلقتي!»... كأنّي بالحزب الحاكم يشدّ على نفسه الخيْطيْن معا...وهي عادة سيّئة، يسمّيها أهل السّياسة الخطابَ المزدوج؛ وتنفر منها حتّى الشّياطين...
***
يحكى أنّ شيطانا استوطن هذه البلاد العجيبة زمنا طويلا، ثمّ عنّ له في أحد الأيّام أن يحرق إلى بلاد الطّليان؛ فقال له شياطين بلاد العجم: «لماذا هجرت بلاد الإسلام إلى بلاد النّصارى؟»؛ فقال لهم: «أنا لا أحبّ الجاحد، ناكر الجميل. مازال الواحد منهم يتودّد إليّ ويتمسّح على عتباتي حتّى أعلّمه كيف يسرق وينهب ويخدع، فإذا اشتدّ عوده وصحّ عظْمه وكثر شحمه وفاز في الانتخابات، أو اشترى مجرّد شاحنة صغيرة، «كميونة باشي»، كتبَ عليها «هذا من فضل ربّي... يا أخي، ردّوا الأمانات إلى أصحابها»...
***
فأرٌ جوعان، برّح به الجوع، يريد أن يخرج من جحره ليقتات، ولكنّه خائف متردّد؛ ألا يكون هناك، في الخارج، قطّ يتربّص به؟ فأصاخ السّمع، فلم يسمع مواءً، ولكنّه سمع نباحا؛ فتنفّس الصّعداء، «القطط تموء ولا تنبح؛ هذا كلب، وليس بيني وبين الكلاب عداء»؛ فخرج، فوثب عليه قطّ شرس فافترسه...حتّى القطط تنبح...كيف للفأر أن يفرق في الخطاب المزدوج؟.
الصحبي الوهايبي
- اكتب تعليق
- تعليق