محمد إبراهيم الحصايري: وكيف سنواجه أزمات ما بعد الأزمة؟..
ليس من باب التشاؤم أنْ أقول إنَّ كابوسيْن يقضّان مضجعي... كابوس "الكوفيد 19"، وكابوس ما بعد "الكوفيد 19"...
أما الكابوس الأوّل فلا حاجة لي بتوصيفه أو الحديث عن أوجاعه، فهو يجثم على صدورنا جميعا، ونحن نتقاسم عذابات الأزمة الخانقة التي أنزلها بنا، والتي حرمتنا العديد من مُتَع الحياة وعلى رأسها متعة أن يكون المرء "طليقا كطيف النسيم وحرّا كنور الضحى في سماه"...
وأما الكابوس الثاني الذي نخشى أن يُطْبِق، وهو لا محالة، سيطبق على أنفاسنا، فهو أزمات ما بعد أزمة "الكوفيد 19"، وهي أزمات بلا حساب ومن كل الأصناف والألوان، وقد بدأت أشباحها المخيفة تتراءى وتتراقص في آفاق بلادنا وحولنا وفي العالم كلّه، وينبغي أن نعدّ العدّة لمواجهتها حتى نخفّف، قدر المستطاع، من وطأة تَبِعاتها على القادم من أيامنا...
ولكن كيف السبيل إلى ذلك ونحن عُزَّلٌ من أي سلاح؟
فهل سيكون سلاحنا في مواجهة هذه الأزمات التي تتربّص بنا شرّا، هذه الرئاسات الثلاث التي تزاوجت عندها الجِدَّةُ مع الشِّدَّة، والتي تنظر إلى بعضها البعض شزرا، إما غضبا من بعضها البعض أو اعراضا عن بعضها البعض؟
أم سيكون مجلس نوّاب الشّعب الذي كنت دعوت إلى تغيير اسمه بإحدى طريقتين: إما بحذف كلمة الشّعب منه حتى يصبح اسمه "مجلس النواب" فقط لا غير (لأنّه فعلا لا يمثّل الشعب)، وإمّا بإضافة نقطة إلى حرف العين في كلمة الشعب ليصبح اسمه "مجلس نواب الشغب" (وهو فعلا مجلس شغب كما ظهر في جلساته العامة وجلسات لجانه الأخيرة).
إننا لا يمكن أن نستند إلى هذا المجلس للصمود في وجه الأزمات القادمة، لأنّه أصلا وبلا ريب، مجلس مأزوم على كافّة المستويات، فهو مأزوم في تركيبته كأفراد وكَكُتَل وككلّ، وهو مأزوم في اهتماماته وهمومه النّرجسية الضيقة، وهو مأزوم في خطابه المتشنّج الفجّ، وهو مأزوم في سلوكه العشوائي المتخبّط، وهو مأزوم في رؤيته الضبابية المشوّشة لحاضر البلاد ومستقبلها...
أم سيكون حكومة الهواة هذه التي شاءت الأقدار أن تولد مع جائحة "الكوفيد 19" فتشتّت فكرها، وتبعثر جهدها، وارتبك عملها، وما فتئت، ولم يمض على مَقْدَمِها سوى أسابيع معدودة، توسّع الهوّة بينها وبين الشعب وتعمّقها حتى لتكاد تحولها إلى هاوية سحيقة من الغموض والشك والارتياب يصعب بل قد يستعصي ردمها وتجسيرها من جديد في غياب جسارة رجال دولة أقحاح.
إن حكومة يتوزّع أعضاؤها، باستثناء القليل منهم، بين وزراء سرعان ما أثبت بعضهم الأول أنّهم يعانون من القصور، وبعضهم الثاني من قصر النظر، وبعضهم الثالث من الانقياد لغواية الغنيمة وشره الجاه، لن تستطيع الإتيان بحلول لمشاكل البلاد المتراكمة ماضيا وحاضرا...
إن بلادنا، في هذه المرحلة "الدراماتيكية" الحرجة تظل بحاجة "وجودية" عاجلة إلى عقل جبّار، منقذ من الضلال، كفيل بإخراجها من حالة الفوضى العارمة التي تردّت فيها، على جميع الأصعدة وفي جميع الميادين السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بابتكار منظومة جديدة بديلة تتولىّ إرساء قواعدها قوّة شديدة قادرة على الحسم وكبح جماح الاختلالات التي أصابت المجتمع، وكبت الانحرافات التي أفسدت مزاجه، وضبط الاضطرابات التي ما انفكّت تجتاح شرائحه المختلفة...
إن لأزمات الشعوب مآلان ممكنان اثنان لا غير، فإما أن تغالبها الشعوب وتتغلّب عليها فتخرج منها أقوى وأشدّ إذا عرفت كيف تنتصر على ما تخلقه من فوضى وأن تُفْرٍغَ ما تنطوي عليه من قوّة تدميرية... وإما أن تستسلم لفوضاها وترضخ لإرباكاتها فيكون مصيرها السقوط والانهيار والفشل...
ولأنّنا لا نيأس ولا يمكن أن نيأس من روح الله، ومن عبقرية هذه البلاد التي سمّيت بالخضراء وستظل خضراء إلى أبد الآبدين، فإنّنا سنظل نأمل أن تسارع الفئة القليلة من رجالها الذين رحمهم ربُّكَ بأن وهبهم قبسا من الرشاد والحكمة وحبّ الوطن قبل حب الذات، إلى ضبط الأمور وإعادة التوازن الى المجتمع التونسي المتحوّل، حتى يكون تحوّله الحتميّ مسؤولا، وغير منفلتٍ من قياد العقل، ولا ضالٍّ عن مكارم القيم القويمة./.
محمد إبراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق