مختار اللواتي: إلى ماذا يريد أن يصل الرئيس الأمريكي ترمب بمعاداته الجميع؟

لقد أظهرت ردات الفعل الأولى على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بوقف دعمه لمنظمة الصحة العالمية بعد اتهامه لها بسوء إدارة الحرب على جائحة كورونا وبانحيازها للصين، نقدا شديدا لموقفه ذاك، بل وامتعاظا منه، سواء على صعيد الدول الأوربية، أو من رئيس تلك المنظمة الأممية بالذات ومن الأمين العام للمنتظم الأممي.

فهل إن الرئيس ترمب مضى بعيدا في جنونه بموقفه ذاك، أم إن له من ورائه حسابات لم يفصح عنها، وخاصة في هذا التوقيت الحرج والخطير في الحرب العالمية على فيروس كرونا؟.

للعلم وللتذكيركذلك، إن هذه ليست المرة الأولى التي توقف فيها أمريكا مساهمتها في ميزانية إحدى المنظمات الأممية ذات الأهمية العالية. فقد كانت جمدت مساهمتها في ميزانية منظمة الأمم المتحدة الأم لسنوات قبل أن تستأنفها. وهي المساهمة المقدرة ب611 مليون دولار. أي 22 بالمائة من ميزانية المنتظم الأممي. ثم مالبث الرئيس ترمب أن قرر في العام 2018 إنتقاص أكثر من 250 مليون دولار من تلك المساهمة بتهمة سوء تصرف المنظمة في ميزانيتها. وبرغم ذلك مازالت أمريكا تُسَوِّف في سداد قسطها لعام  2019، مثلما أكد ذلك الأمين العام للأمم المتحدة السيد غونتاريس مؤخرا، في معرض إشارته إلى عدد من البلدان مازال لم يسدد مساهماته السنوية. كما كانت الإدارة الأمريكية قد جمدت من قبلُ مساهمتَها في منظمة اليونسكو مرتين. الأولى من 1984 إلى 2002. والثانية وهي مستمرة منذ العام 2011 إلى الآن . مرة باتهام اليونسكو بالإنحياز إلى الإتحاد السوفياتي سابقا، وكان ذلك في عهد الرئيس ريغن. والمرة الثانية في عهد الرئيس أوباما، بتهمة معاداة إسرائيل والإنحياز إلى فلسطين بمنحها العضوية الكاملة في المنظمة..

اليوم، إتهم ترمب منظمة الصحة العالمية بإخفاء معلومات عن خطورة فيروس كورونا.عند بداية ظهوره في الصين. وقال إنها بذلك قد انحازت إلى هذا البلد.
إذن تهديد وعقاب الإدارة الأمريكية للأمم المتحدة وللمنظمات التابعة لها، مثل منظمة الصحة العالمية اليوم، ومنظمة اليونسكو قبلهما، هدفهما كل مرة إجبار تلك المنظمات على الخضوع الكامل لسياساتها، والإقلاع عن اتخاذ إجراءات مساندة أو مناصرة لدول تعتبرها الإدارة الأمريكية عدوةً لها ولحليفها الرئيسي إسرائيل.

أما الهدف المباشر والمفضوح من هذا الإجراء، هذه المرة، إزاء منظمة الصحة العالمية، فكان للتغطية على فشله وإدارته في التحرك السريع والناجع للتصدي لذلك الفيروس الخطير، كورونا، والحد من ويلاته على مواطنيه وعلى اقتصاد بلاده. بل وقد صدع عدد من الشخصيات ومن الخبراء، منذ شهر جانفي، بالحقيقة حين أعلنوا بأنهم أخبروه بالخطر القادم وبأضراره الجسيمة المتوقعة. ولكنه لم يُعرهم اهتماماً يُذكر. بل إن وثائق ظلت تدور على صفحات التواصل الاجتماعي ولأيام في الفترة الماضية، في صيغة تقرير لوكالة الإستخبارات الأمريكية CIA يعود إلى سنوات خلت، تحذر فيه من ظهور وباء في شكل فيروس بالغ الخطورة في العام 2020 سيذهب بحياة ملايين البشر. لكن إدارة الرئيس ترمب لم تعره على مايظهر أي اهتمام!

إن ارتفاع عدد الوفيات في الولايات المتحدة الأمريكية يوميا بما يقارب الثلاثة آلاف متوفي، وارتفاع عدد المصابين إلى مايفوق الستمائة ألف مصاب بما يجعلها في صدارة دول العالم الأكثر تضررا بجائحة كوفيد 19، فضلا عن الإنهيار الذي أصاب النسيج الاقتصادي والشلل الذي داهم النسيج الاجتماعي. زيادة على النقص الفادح في القطاع الصحي العمومي لنجدة المحتاجين للإسعاف، ماعرَّى السياسة الرأسمالية في قطاع حيوي كقطاع الصحة، مثلما أكده كثير من نقاد السياسة الأمريكية التي رأوها موغلةً في الرأسمالية ومهملةً لدورها في تأمين الصحة والتعليم لمواطنيها بما أسقط جانبا آخر كبيرا من الهالة التي كانت توشح صورة الولايات المتحدة الامريكية وأخذت في الإسوداد منذ مطلع الألفية الثالثة تباعا . وقد أبرزذلك مؤخرا المفكر والناشط السياسي الأمريكي، نعوم تشوموسكي، في حديث طويل للقناة التلفزيونية الأمريكية، الديمقراطية الآن، Democraty Now. فقد وصف تشوموسكي فترة رئاسة ترمب بأنها كارثية. وقال "إذا ما ظفر ترمب بفترة رئاسية ثانية، فستكون لا كارثة على أمريكا والأمريكيين فحسب، بل على العالم أجمع كذلك". وأضاف معلقا على انسحاب السيناتور الديمقراطي، برني سندرس Bernee Sanders  من السباق الرئاسي بأن حملته، على عكس ماذهب إليه البعض بأنها فاشلة، "هي على العكس نجحت في فضح الرأسمالية المتوحشة في الولايات المتحدة وإهمالها للمصالح الحيوية للمواطنين في مقابل هوسها بالربح". وذكر أن دولا أفقر من الولايات المتحدة مثل فنلندا وغيرها، لم تتخل عن دورها الرئيسي في تأمين التعليم والصحة المجانييِن لمواطنيها. وهو مالم تضمنه الولايات المتحدة الأمريكية، بل لقد فضحه اجتياحُ فيروس كورونا لأمريكا وإيقاعه بها أفدح الخسائر في الأرواح وفي المصابين. زيادة على الخساائر الاقتصادية المهولة.

بل وقد رفع فشل الإدارة الأمريكية في مواجهة خطر ذلك الوباء، الغطاء عن الغليان الداخلي في الأوساط الشعبية الأمريكية المختلفة. فطال حتى المؤسسة العسكرية. حيث راج على صفحات التواصل الاجتماعي منذ أقل من أسبوعين، خطاب حماسي لعسكري أمريكي شاب، وسط جموع من المواطنين ومنهم عسكريون في أمريكيا، شهَّر فيه بسياسة بلده العدوانية إزاء شعوبٍ لم تأتِ أيَ فعل مضر بالولايات المتحدة الأمريكية. وقال"لقد تم إرسالنا إلى بلدان بعيدة عنا لم تناصبنا العداء، فقتلنا رجالها ويتمنا أطفالها وهدمنا بنيانها، وعاد جنودنا على كراسي متحركة و مرضى نفسانيين فضلا عن تكبد ميزانية الدولة خسائر جمة زيادةً على زيادة ارتفاع منسوب الكراهية لبلدنا." ثم ختم كلامه بالقول: "إن حربنا الحقيقية يجب أن تدار هنا على الأرض الأمريكية وضد هذا النظام الإمبريالي المتوحش فيها".

السؤال مع ذلك، يبقى ملحا، هل إن الدرس الذي استخلصه الرئيس الأمريكي من هذه المحنة هو في الهروب إلى الأمام والمضي في معاداة الجميع، من منظمات الأمم المتحدة إلى الصين وأوربا وقبلهما إيران وفلسطين. هذا زيادة على البلدان الفقيرة التي ستتضرر من قراره بوقف الدعم  لمنظمة الصحة العالمية، وجحافل المواطنين الأمريكيين الغاضبين منه إزاء الحال التي وجدوا أنفسهم عليها بين أحد خطرين، إما الموت أو البطالة والتشرد!

مختار اللواتي