أخبار - 2020.04.15

محمد إبراهيم الحصايري: بين حاجة الشّعب إلى التربية على الثقّافة وحاجة بعض الوزراء إلى التربية على القول السديد

محمد إبراهيم الحصايري: بين حاجة الشّعب إلى التربية على الثقّافة وحاجة بعض الوزراء إلى التربية على القول السديد

هل لاحظتم مثلما لاحظتُ أنّ بعض الوزراء الطارئين على المناصب الوزارية والقادمين إليها من كل حدب وصوب، على امتداد سنوات "التقلّب الحكومي" المتواصل، بنسق مخيف، منذ 14 جانفي 2011، دأبوا على إتحافنا، بين الفينة والفينة، ببعض "الدرر الكلامية" المثيرة للعجب؟..

ومن أحدث هذه "الدّرر" الدرّة التي خرجت بها علينا وزيرة الشؤون الثقافية الجديدة المستجدّة التي اشتكت في تدوينة نشرتها يوم السبت 11 أفريل الجاري، بلغة فرنسية قحّة، من وجود "نقص هائل في التربية على الثقافة في تونس"، ودعت إلى "أن تتعبّأ وزارة الشؤون الثقافية مع الفنانين والمفكرين والمجتمع المدني والفاعلين الثقّافيين من أجل وضع خطة تحرّك على المدى القصير والمتوسط والطويل لمعالجة هذه الآفة".

وهي لم تَكْتَفِ بذلك فقد برّرت هذه "الخرجة" في تدوينة لاحقة نشرتها في اليوم الموالي بأنّ التعليقات القاسية التي قوبل بها قرارُها المتعلّق باستئناف إنجاز المسلسلات والأعمال التلفزيّة الرمضانية، "استفزّتها" وأنّ التدوينة التي نشرتها ردا على ذلك "أسيء فهمها" حيث "أن مضمون الفكرة لم يصل إلى البعض بالمعنى الذي قصدتة"، ومعنى ذلك أن العيب، في نظرها، يظلّ في هذا "البعض" الذي لم يَرْقَ ذهنُه إلى مستوى فهم مقصدها، وليس في قرارها ولا في تهجّمها المجّاني على عامة التونسيين والتونسيات الذين حرصت على عدم حرمانهم من الفرجة على المسلسلات في شهر رمضان، فقابلوا حرصها بالجحود ونكران الجميل.

ولأنّ الوزيرة هرعت إلى حذف تدوينتها الأولى وإلى الاعتذار عنها، ولو بصورة منقوصة، في تدوينتها الثانية، فإنّني لن أناقش أصل الموضوع خاصة وأن المحكمة الإدارية كفتني مؤونة ذلك حين سارعت إلى الإذن يوم الثلاثاء 14 أفريل 2020 بتأجيل تنفيذ القرار الصّادر عنها.

بيد أنّني في المقابل أريد أنْ ألاحظ أنّ "خرجة" الوزيرة، ليست الأولى ولا الأخيرة التي اعتاد بعض وزرائنا الكرام أن يجودوا علينا بها...

أَفَلَمْ تخرجْ علينا قبل ذلك وزيرة أخرى كانت أمسكت بمقاليد وزارة السياحة، لتعلن، بعد انتهاء مهامها، في مؤتمر دوليّ كبير انعقد في نوفمبر 2015 في البلاد التي جاءتنا منها، أنّها كانت خلال تولّيها منصبها الوزاري "تحلم بإحياء التعايش بين الأديان في تونس (من خلال استقبال اليهود من كل دول العالم وحتى من إسرائيل في موسم الحج إلى الغريبة)، غير أنّ الكثيرين من التونسيين لم تعجبهم هذه الفكرة التي خضعت بسببها للمساءلة في المجلس التأسيسي وتلقّت تهديدات بالقتل واضطر ابناؤها إلى مغادرة تونس بسبب هذه التهديدات فيما تمّ وضع حراسة أمنية مشدّدة عليها حتى وهي نائمة".

إنّ هذه الوزيرة التي لم تكن تميّز بين الأديان والدّيون، كانت هي أيضا تعتبر أن تونس تنقصها التربية على التسامح والانفتاح والتعايش بين الأديان، وأنّها جاءتها من البلاد التي تسبّبت في حربين عالميتين مدمّرتين، لتعلّم شعبها "العنصري المتخلّف" معاني هذه القيم، وهو ما ردّ عليه رئيس الحكومة الذي عملت معه بالقول إن كلامها "من باب الهراء الذي لا يلزم حكومته ولا يعنيها من قريب و لا من بعيد".

وإلى ذلك، أَلَمْ يخرُجْ علينا وزير ثالث كان حتى وقت قريب يمسك بمقاليد وزارة الفلاحة ليعلن، بكل بساطة، أنّ الشّعب التونسي "ليس من ثقافته، أحببنا أو كرهنا، استهلاك زيت الزيتون" وأن "ثقافته هي للأسف استهلاك زيت آخر"...

ومع أنه حاول لاحقا أن يفسّر وأن يبرّر ما قال فإّنّ كلامه كان مثار غضب وجدل كبيرين من شعب يعلم القاصي قبل الدّاني أنّه مارس زراعة هذه الشّجرة المباركة واستهلك زيتها الذي يكاد يضئ ولم تمسَسْه نار، منذ عشرات القرون...

وليس لي من تعليق على جملة هذه "الدرر الوزارية" سوى أنّه من نكد الزمان أنْ يتولّى شؤون البلاد والعباد وزراءُ ينظرون إلى الشعب التونسي من شَاهِقٍ ما كانوا ليرتقوا إليه لولا "حِقْبَة الضّباب والضَّلال" التي تردّينا فيها... وزراءُ يعتبرون أنّ الشعب التونسي بحاجة إلى التربية على الثقّافة كما تتبدّى لكل واحد منهم، في حين أنّهم أحوج منه الى التربية على فنّ الخطاب واستخدام الكلمة الطيبة التي مَثَلُها كَمَثَل الشّجرة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها في كل حين، حتى إذا قالوا كلاما كان كلامهم سديدا...

والمؤسف حقّا أنَّ هؤلاء الوزراء يعتقدون في قرارة أنفسهم أنهم ينطقون بدرر حقيقية وأنا أقول لهم إنَّ كلمة "الدرّة" اقترنت في العادة بصفة "المكنونة"، أي التي يحرص مالكها على المحافظة عليها وحفظها لِنَفْسه لِنَفَاسَتِها، فهلاّ رَحَمْتُمُونا وكَنَنْتُمْ دُرَرَكُمْ ...

محمد إبراهيم الحصايري
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.